إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ العِرافَةَ حَقٌّ ولا بُدَّ للناس من العُرَفاء، ولكنَّ العُرَفاءَ في النَّار) رواه أبو داود في السنن
حب الاستبداد ضرر (التطاوع والتواضع طريق الفوز والنجاح)، حُبُّ الاسْتِبْدَادِ يَضُرُّ يُحِبُّوْنَ الرّئَاسَـةَ وَالزَّعَامَةَ، في الحديث (العرَافَـةُ حَقٌّ وَالعُرَفَاءُ فِي النَّارِ) مَعْنَاهُ أَغْلَبُ العُرَفَاءِ فِي النَّارِ لكنَّ العرَافَـةَ أَمْرٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.
العَرِيْفُ مُقَدَّمُ القَوْمِ كُلُّ نَاحِيَةٍ تَحْتَاجُ إِلَى مُقَدَّمٍ يُدَبّرُ لَهُمْ شُؤون مَعِيْشَتِهِمْ ومصَالِحَ دِيْنِهِمْ، هذهِ الوَظِيْفَةُ حَقٌّ وَلكِنَّ أَغْلَبَ الَّذِيْنَ يَسْتَلِمُوْنَهَا فِي النَّارِ أَيْ لاَ يَخَافُوْنَ اللهَ يَقَعُوْنَ فِي الْمَعْصِيَةِ؛ إِمَّا حُبًّا للاسْتِـبْدَادِ يَعْنِي أَنْ يَكُوْنَ النَّاسُ تَابِعِيْنَ لَـهُ وَلاَ يَكُوْنُ هُوَ تَابِعًا لِرَأْيِ غَيْرِهِ وَإِمَّا يَظْلِمُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وغَيْر ذلِكَ الرَّسُـوْلُ قَالَ ولكِنَّ العُرَفاَءَ فِي النَّارِ.
أَمَّا هِيَ هذِهِ الوَظِيْفَةُ حَقٌّ لأن مصالِحَ الْمَعِيْشَةِ تَقُوْمُ عَلَيْهَا لأَنَّ الفَوْضَى لاَ تَصْلُحُ فلَوْ كَانَ كلُّ واحدٍ يتولى شؤون نفسِهِ من غير أن ينظر إلى مَصَالِحِ الغَيْرِ لما صلحت معيشة الناس.
بعضٌ مِنْ جَمَاعَةِ الإِمَامِ الشَّافِعِيّ كانَ يَطْـمَعُ أَنْ يَطْلَعَ خَلِيْـفَةً للشافعىّ ولكنَّ الإِمامَ مَا قَدَّمَ إِلا الَّذِيْ رَءَاهُ أَهْـلاً، غَارَ قَالَ كَيْفَ تَرَكَنِي وَقَـدَّمَ غَيْرِيْ فصَارَ يَعْمَلُ ضِدَّ الشَّافِعِيّ عَمِلَ كِتَابًا يَقُوْلُ أَخْطَاءُ الشَّافِعِيّ لأَنَّـهُ مَا وَجَـدَ مَا كَانَ فِي نَفْـسِهِ مِنَ الشَّافِعِيّ، حُبُّ الزَّعَامَـةِ وَالرّئَاسَـةِ كَثِيْرًا مَا يُهْلِكُ أَصْحَابَهَا.
خَالِدُ بنُ الوليدِ كَانَ قَائِد جيش سَلَّمَ إِلَيْهِ أبو بكر القيَادَةَ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ وَقْـتًا قَائِـدًا سَيِّـدُنَا عُمَرُ وَلَّى أَبَا عُبَـيْدَةَ قَـائِدًا خَالدٌ مَا صَارَ فِي نَفْسِهِ شَىءٌ مِنَ التَّـرَفُّعِ وَالاسْتِـبْدَادِ صَارَ مُطِيْعًا لأَبِي عُبَيْدَةَ كانَ واحِدًا مِنَ الْجُنْدِ مَا نَقَصَ مِنْ عَمَـلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ شَيْئًا لأنَّـهُ للهِ يَعْمَلُ لَيْسَ لِوَجْهِ عُمَرَ.
وكذلِكَ سَيّـدُنَا عَلِيّ فِي حَرْبِ الْمُرْتَدّيْنَ أَبُوْ بَكْرٍ وَلَّى خالِدَ ابنَ الوليدِ مَا وَلَّى سَيّـدَنَا عَلِيًّا مَعَ أَنَّـهُ أَشْجَعُ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَمُ الصَّحَابَةِ وَأَزْهَدُ النَّاسِ طَلَّقَ الدُّنْـيَا اَلصَّحَابَـةُ بِهَذَا فَازُوْا ذلكَ الفَوْزَ الكَبِيْرَ فَتَحُوْا البِلاَدَ وَكَسَرُوْا الكُفَّارَ لأَنَّهُمْ كَانُوْا مُتَطَاوِعِيْنَ لاَ يَتَرَفَّعُ بعضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ لاَ يقولُ هذَا أَنَا مِنْ بَنِي فُلاَنٍ أَنَا مَنْـزِلَتِيْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ غَيْرِيْ كَيْفَ يُقَدّمُ كَيْفَ يُعَيّنُ قَائِدًا مَنْ هُوَ مَا مَضَى عَلَيْهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فِي أَيَّـامِ الرَّسُـوْلِ إِلا ثَلاَثُ سَـنَوَاتٍ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَزَمَ الرَّسُـوْلَ فِي مكّةَ وَالْمَدِيْـنَةِ مَا كَانُوْا يَقُوْلُوْنَ، مَا يَتَرَفَّعُوْنَ، بِهَذَا تَمَّ أَمْرُهُمْ وَكَثُرَ نَفْعُهُمْ وَانْتَـشَرَ الإسْـلاَمُ عَلَى أَيْدِيْهِمْ.