إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنَ الشَّجَرِ كُلِّهِ) رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
 
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ قَوْلُهُ (فَإِنَّهَا تَرُمُّ) أَيْ تَأْكُلُ وَتَرْعَى، أَيْ تَجْمَعُ مِنَ الشَّجَرِ كُلِّهِ، أَيْ مِنَ الْحَارِّ وَالْبَارِدِ وَالرَّطْبِ فَتَقْرُبُ أَلْبَانُهَا لِذَلِكَ مِنَ الاِعْتِدَالِ، وَإِذَا أَكَلَتْ مِنَ الْكُلِّ فَقَدْ جَمَعَتِ النَّفْعَ كُلَّهُ، وَهُوَ دَوَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يَقْبَلُ الْعِلاَجَ بِهِ، إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِفَاءٌ.
 
عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ أَيْ لاَ تُبْقِي شَجَرًا وَلاَ نَبَاتًا إِلاَّ عَلَقَتْ مِنْهُ فَيَكُونُ لَبَنُهَا مُرَكَّبًا مِنْ قُوَى أَشْجَارٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَنْوَاعٍ مِنَ النَّبَاتَاتِ مُتَبَايِنَةٍ فَكَأَنَّهُ شَرَابٌ مُجْتَمِعٌ مَطْبُوخٌ، وَهُوَ أَيِ اللَّبَنُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ (يَقْبَلُ الْعِلاَجَ بِهِ).
 
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ إِذَا شُرِبَ سَمْنُ بَقَرٍ أَوْ مَعْزٍ بِعَسَلٍ نَفَعَ مِنَ السُّمِّ الْقَاتِلِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَهُوَ تِرْيَاقُ السُّمُومِ الْمَشْرُوبَةِ.
 
وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ يُقَالُ رَمَّتِ الشَّاةُ الْحَشِيشَ تَرُمُّهُ رَمًّا أَخَذَتْهُ بِشَفَتِهَا.