إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ، أمّا بعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كُلّ موْلودٍ يُولدُ على الفِطرَة فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجسّانه) رواه البخاري.
فمعنى يولد على الفِطرة أي يكونُ مستعدا مُتهيّئا لقَبول دين الإسلام، فقوله على الفطرة معناه على فِطْرة الإسلام، لأننا نولدُ على مقتضى اعترافنا وتوحيدِنا الذي حَصَلَ يومَ أخرِجَتِ الأرواح من ظهر ءادم بنَعْمان الأراك (1) فإنهم سئلوا ألستُ بربِّكم؟ فقالوا جميعُهم (بلى، لا إله لنا غيرُك، اعترفوا كلهم بألوهية الله).
وكلام الله الذي هو صفته ليس ككلامنا ليس بحرف ولا صوت ولا لغة عربية ولا أعجمية، ثمّ لمّا خرج هذا الطِّفلُ من بطنِ أمّه نسي ما حصل منه ويبقى ناسيا إلى أنْ يسمع من أبَوَيْه أو من غيرِهما الكفرَ فيعتقدَه فيصير في تلك اللحظة كافرا بالفعل، أو يسمعَ الحقّ فيعتقدَه فيكونُ مؤمنا مسلما حَقا على العقيدة التي كان عليها يومَ شَهِدَتْ جميعُ الأرواح بوَحدانية الله.
هذا هو معنى الحديث وليس معناه أنّ كلّ مولود يَعْرِفُ أوّلَ ما يخرج من بطن أمّه الإسلام تفصيلا، فإنه أوّلَ ما يخرجُ من بطن أمّه لا يعلم شيئا، وهذا صريح في الآية (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) سورة النحل.
(1) ناحِيَة فِي عَرَفات تُسَمّى نَعْمان الأراك.