إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه) قيل وكيف يُذِلُّ نفسَه؟ قال (يتعرّض من البلاء لما لا يطيق) رواه الترمذي.
لا يجوز للمؤمن أن يذل نفسه، كيف يخاطر بنفسه من غير فائدة، مثلاً يعرض نفسه ليقتل من غير فائدة دينية من غير أن يستفيد من كلامه شيئاً يعرض نفسه للقتل فهذا حرام، أما إن كان إذا تكلم بحق ينفع الناس، كلامه هذا ولو قسماً منهم لو قسماً من الذين يتكلم عندهم ويخاطر بنفسه لقول الحق ثم يكون انتفع بكلامه هذا القسم من الناس ولو غضب عليه قسم فقتلوه هذا له أجر عظيم وهو عند الله يكون شهيداً.
مثلاً ذهب إلى رئيس ظالم فكلمه بقول الحق قال له أنت لا يجوز لك أن تظلم الناس أن تفعل كذا وكذا حرام، الله تعالى حرم عليك هذا، هذا ظلم إن كان هناك هو ينتفع ويكف أذاه عن الناس، أو الموجودون حوله، يعرفون تنكشف لهم حقائق فينتفعون بهذه الحقائق من حيث الدين ولو هو خاطر بنفسه فقتل له ثواب، أما إن كان لا يحصل من كلامه هذا منفعة ولا لأحد لا لهذا الرئيس، ولا لمن دونه من الشعب، لا يحصل به فائدة بكلامه هذا، هنا إذا خاطر بنفسه عرض نفسه للقتل فقتل هذا هو أذل نفسه، الله تعالى لا يقبل منه هذا العمل الذي عمله.
كذلك إنسان يعرف أن هنا الكفار يقتلون المسلمين وهذا لا معه سلاح ولا يرجو أن يحتال على كافر أو كافرين أو ثلاثة من الكفار فيفاجئه بغتة فيخنقه فيأخذ منه السلاح ثم يقاتل حتى يقتل، لا هو رجل ضعيف وعرض نفسه للقتل، وهكذا بارزاً فيما بينهم صار يمشي يمر فيما بينهم ولا يطلع منه أنه يقتل واحداً منهم ولو باحتيال، إنما جعل نفسه طعمة لنار الكفار، هذا أيضاً أذلّ نفسه فعل فعلاً حراماً، الله تعالى لا يقبل منه.
أما إن كان مسلم من المسلمين اعتقد أنه يقتل منهم ولو واحداً أو اثنين أو ثلاثة أو اكثر يقتل منهم ثم قال بعد ذلك أقتل، بعد أن أقتل منهم أقتل فهجم هذا له ثواب إذا قتل، إن قتل فهو شهيد وإن لم يقتل ونجاه الله فله أجر.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعتُ الحجّاج يـخطب فذكر كلامًا أنكرته، فأردتُ أن أغيّر فذكرتُ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (لا ينبغي للمؤمن أن يُذلّ نفسه)، قلتُ يا رسول الله كيف يُذلّ نفسه؟ قال (يتعرّض من البلاء لما لا يُطيق) رواه البزّار والطبراني في الأوسط والكبير باختصار وإسناد الطبراني في الكبير جيد ورجاله رجال الصحيح.
(7-274) من مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ الهيثمي رحمه الله تعالى.