إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
حديث (ما ءامن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه)
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه سراجا وهاجا وقمرا منيرا.
أما بعد أيها الأحبة المؤمنون فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم، فقد روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) (المؤمنون51) وقال (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) (البقرة 172) ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)؟.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيها الناس، إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق، واتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم) رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وفي رواية عند الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه، لا يستبطئن أحد منكم رزقه، إن جبريل (عليه السلام) ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس، واجملوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه، فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا ينال فضله بمعصية).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية.
وعند الطبراني من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملنكم إستبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به) قال الحافظ الهيثمي رواه الطبراني والبزار، وإسناد البزار حسن.
إخوة الإيمان، إن هذه الأيام العصيبة التي تـمر على المسلمين يتميز فيها الصادق مع الله من غير الصادق وذوو التضحيات والإخلاص عن الذين يستغلون الفرص بأنانياتهم ويتميز الجشع عن الذي يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ويتميز ويبرز فيها الذين يهمهم ويشغل بالهم مشاكل المسلمين ومصالحهم.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن روح القدس نفث في روعي) أي إن جبريل أوحى وألقى في قلبي (أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها) يدل على أن أعمارنا محدودة وءاجالنا محتومة فمن لـم يمت بالسيف مات بغيره، وأن أرزاقنا معلومة وأن غيرنا لا ينال شيئا من رزق كتب لنا وأن أنفاسنا معدودة فالأمراض والآفات لا تعجل في الأجل ودوام الصحة والعافية والشباب والقوة لا يؤخر الأجل بل كل يـموت بانقضاء أجله وكل يأكل رزقه الذي كتب له ولا أحد يستطيع أن يؤخر عزرائيل ولا أن يعجله، لذلك قال عليه الصلاة والسلام يعلمنا القناعة بقوله (خذوا ما حل ودعوا ما حرم، وأن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به).
فالإنسان بحاجة إلى الله وقت الضراء كما هو بحاجة إليه وقت السراء، الإنسان بحاجة إلى الله وقت البأساء كما هو بحاجة إليه وقت السراء، لا أحد يستغني عن الله طرفة عين فإذا ما نزلت بغيرك مصيبة أو حلت بمدينة غيرك بلية فلا تكن جشعا وإنما كن لطيفا حليما معطاء متصدقا واسع القلب، فقد قال عليه الصلاة والسلام (ما ءامن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به) المراد نفي الإيمان الكامل وذلك لأنه يدل على قسوة قلبه وكثرة شحه وسقوط مروءته وعظيم لؤمه وخبث طويته، والمعنى لا يكون إيـمانه كاملا من يبيت شبعان وجاره المؤمن من أهل الضرورات ولا يـجد ما يسد به ضرورياته وهو عالم بحاله، فإذا كان هذا حال من علم به ولم يـمد له يد العون وهو قادر على ذلك، فكيف بـمن لا يرأف به بل يثقل عليه ويزيده كربا فوق كربه، والبأساء والضراء والكرب والشدة تتنقل كحجر الشطرنج من مربع إلى ءاخر، فليتعلم كل منا من حوادث الماضي ودروس الماضي فالمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما قال عليه الصلاة والسلام فلا ينبغي أن تستغل ظروف إخوانك المؤمنين القاهرة لتحصل مزيد منافع دنيوية لك على حساب زيادة الكرب والشدة عليهم ولا ينبغي أن تكون ممن يثقل عليهم وقد أثقلتهم همومهم التي هم بها أصلا، فادعوا إخوانكم الذين تعرفون فيهم السعة في المال إلى الرأفة بأهل الفقر والحاجة والبأساء والضراء فإن البلاء إذا اشتد قد يصيب الصالح والطالح ولكن الصالح يحشر على نيته ولا تؤثر فيه مصائب الدنيا إن أصابته إلا رفعة درجة وزيادة ثواب يوم القيامة وقد ورد في الأثر أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب رواه أبو يعلى وغيره، فمن ابتلي منا بـمصيبة فليحمد الله فإن المؤمن أمره كله له خير، إن أصابه خير فشكر كان خيرا له وإن أصابه شر فصبر كان خيرا له.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.