إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

من الحديث المتواتر وهو في أعلى درجات الصحة قوله صلى الله عليه وسلم (من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وغيرهم، وفي رواية للبخاري (من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يَتكوّنُني) وفي رواية لأحمد (إن الشيطان لا يتشبه بي)، لذلك نقول لا يجوز اعتقاد أن الشيطان يتشبه بسيدنا محمد يقظة ولا مناماً، ولا يحصل ذلك له صلى الله عليه وسلم ولا لغيره من الأنبياء وهو الحق الذي نعتقده وإن تكن لسيدنا محمد صلى الله عليه وسم مزيد خصوصية لكونه أفضل الأنبياء وأعظمهم كرامة عند الله تعالى.
 
الأنبياء لا يتشكل أحد بمثالهم في الحقيقة يقظة، لكن قد يدّعي دجال أنه نبيّ لضلاله وخبثه، كذلك قد يتشكل الشيطان بصورة لكن لا تشبه صورهم عليهم الصلاة والسلام، فإنهم أعظم كرامة عند الله تعالى من أن يتشكل الشيطان بصورة واحد منهم لأن ذلك قد يفتح باب الشك في الدين فيقول الكافر ما يدريني إن كان المتكلم نبيّكم أو هو شيطان يتكلم على لسانه، لذلك فإن هذا لا يقبله.
 
وقد قال أهل العلم أن جميع الأنبياء كنبينا صلى الله عليه وسلم في هذه الخصوصية، وهي أن من رآهم في المنام فهُم هُم، ولا يتمثل الشيطان في صورتهم كما نبه على ذلك الكرماني نقلاً عن محيي السنة البغوي، فمن عدّ هذه الخاصة من خصائص نبينا أراد بها الخاصة الإضافية اي بالنسبة إلى الأمة، لا حقيقة مشاركة الأنبياء له فيها (أي فإنهم يشاركونه في أن الشيطان لا يتمثل بهم).
 
وقال غيره في خصائصه:
لم أقف على أن جميع الأنبياء كنبيّنا في هذه الخاصة، ولكن جلالة مقام النبوة تقتضي ألا يتسلط الشيطان على التمثيل بصورة أحد من الأنبياء المصطفَين اﻷخيار كائناً من كان لكرامتهم على الله ورفعة منزلتهم عنده فينبغي تحرير النقل في ذلك، وما قيل بخلاف ذلك فهو غير مقبول عقلاً ولا ديناً.
 
الله يرزق ناشرها وأحبابه ومن يعلمنا الخير الجنة بلا عذاب ورؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم، آمين.