إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال القرطبي في تفسيره [ج 7 ص192] (قيل في قلة الأكل منافعُ كثيرة منها أن يكون الرَجلُ:
1) أَصَحَّ جِسمًا
2) وأجوَدَ حِفظًا
3) وأَزكَى فَهْمًا
4) وأقلَّ نَوْمًا
5) وأَخَفَّ نَفَسًا
وفي كثرة الأكل:
1) كَظُّ المَعِدَة (أي مَلْؤها)
2) ونَتْنُ التُّخَمَة
3) ويَتَوَلَّد منه الأمراض المختلفة، فيَحتاج من العلاج أكثرَ مما يَحتاج إليه (الشخصُ) القَلِيلُ الأَكل
وقال بعض الحكماء (أَكبرُ الدواء تَقديرُ الغِذاء).
وقد بَيَّنَ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيانًا شافِيًا يغني (في هذا) عن كلام الأطباء فقال (ما مَلأ ابنُ ءادَمَ وِعاءً شَرًّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابنِ ءادَمَ لُقَيْماتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإنْ كانَ لا مَحالةَ فثُلُثٌ لِطَعامِه وثُلُثٌ لِشَرابِه وثُلُثٌ لِنَفَسِه).
فقولُهُ صلَّى الله عليه وسلَّم (بِحسبِ ابنِ ءادمَ لُقَيْمَاتٌ) أي لا تَتَجَاوَز العَشَرَةَ (لُقَيْمَات) هذا جَمْعُ قِلَّة، جَمعُ القِلَّةِ ما دونَ الأحدَ عشرَ، العشرةُ فَمَا دُونَهَا، هذا هو جمعُ القِلَّة.
قالَ عليه الصلاة والسلام (بِحَسبِ ابنِ ءادمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ) أي تَحفظُهُ مِن سُقُوطِ قوَّتِهِ (فإن كانَ ولا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ) هذا الرَّسولُ الكريمُ الذي كانَ يَحُضُّ على تقليلِ الأكلِ، وكانَ هو من أكبَرِ العاملينَ بِهذهِ الخَصْلَةِ الشريفةِ.
وهذا الحديث (مَا مَلأَ ابنُ ءادمَ وِعاءً شرًّا مِنْ بطنِهِ، بِحَسْبِ ابنِ ءادمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فإنْ كَانَ ولا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ) حديثٌ صحيحٌ رواهُ التِّرمذيّ.
تقليلُ الأكلِ خيرٌ للدِّين والدَّنيا، الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم أمرَ بتقليلِ الأكل.
الرَّسولُ عليه الصلاة والسلام كان يمضي عليه الشهر والشهران ولا يُوجدُ في بيتهِ شىءٌ ساخن؛ تمرٌ وماء، تمرٌ وماء.
الذي يَكُونُ همُّهُ الأكل والشُّرُب والْلّباس لا يَكُونُ في الآخرةِ من أهلِ الدَّرجاتِ العُلا.
واعْلَمُوا أنَّ تربيةَ الولد على تقليلِ الأكلِ هذا ما يُحِبُّهُ الله.
وفِي الخِتام نَسألُ اللَّهَ تعالى أَنْ يُحَسِّنَ أحوالنا وأنْ يلطُفَ بِنا في الدَّنيا والآخِرة.