إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قال الإمام العبدري رحمه الله: بهذا القيد، أي قولُه عليه السلام (لا يُشرِكون بالله) يُفْهَم أنه لا عِبرةَ بمن يَجتمِع هذا العددُ أو أكثرُ إذا لم يكن صحيحَ الإيمان، بعضُ الناسِ مِن المتصوِّفة المُنحَرِفين عن العقيدة قد يَجتمع لتشييع جَنازتِهم مائةُ ألف أو أكثرُ مِن ذلك، وهذا ابنُ تيميةَ (توفّي 728 هـ) شَيَّعَهُ مِثلُ هذا العَدَد أو أكثرُ، فلا عِبْرَة بذلك لأنّ الحديثَ مَحْمولٌ على ما إذا كان الشَخصُ صَحِيحَ الاعتقادِ خالِيًا عن أمْرٍ تَثْبُتُ به الرِدّةُ، لأنّ الشَرطَ أن يكون هذا العددُ مِن الخَالِيْنَ عن فَسادِ الاعتِقاد، خالِيْنَ عن الرِدّة، وكَثِيرٌ مِن المُنتَسِبِينَ إلى التَصَوُّف كَفَرَةٌ فلا يُغْتَرُّ بكَثْرَةِ المُشَيِّعينَ لهم، لَمَّا ماتَ سعيد البرهاني (توفّي 1386 هـ) بالشّام، هذا مِن هؤلاء الذِين يقولون بالوَحْدَة المُطلَقَة، خَرَجَ في جَنازَتِه خَلْقٌ كَثِيرٌ، بعضُ الناس خَطَرَ بِباله أنّ له شأنًا لِكَثْرَةِ المشَيِّعِين.