إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

حديث (ينزلُ رَبُّنا كل ليلةٍ إلى السَماءِ الدُنيا)
 
معنى هذا الحديث أن المَلك ينزلُ كُلَ ليلةٍ بأمرِ الله إلى السَماء الدُنيا فيقولُ مُبلغاً عن الله (إن ربكم يقول هل من مستغفرٍ فأغفر له هل من داعٍ فاستجيبَ له هل من سائلٍ فأُعطيه) وهذا التفسيرُ للحديث وردَ في حديثٍ رواه الحافظُ النسائي في كتاب عملِ اليومِ والليلة من حديثِ أبي هُريرة رضي اللهُ عنه قال قال رسول الله (إن الله يمهلُ حتى إذا مضى شطر الليلِ الأول أمر منادياً فيُنادي إن رَبَكم يقول هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه حتى ينفجرَ الفَجر).
 
هذا الحديث في شرح البخاري قال (وضبطه بعضهم بضم بالياء يُنزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا أي الله يُنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ملك هذا الملك مأمور الله أمره أن يقول مبلغًا عنه إن ربكم يقول هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له) وهذا الحديث الموجود في البخاري له رواية أخرى رواه الحافظ النسائي في كتاب عمل اليوم والليلة.
عن أبي هريرة قال قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يمهل حتى إذا مضى شطر الليل الأول أمر مناديًا فينادي أن ربكم يقول هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له ينفجر الفجر)، هذه رواية النسائي فسرت رواية البخاري المشهورة على ألسنة الناس بأن المقصود هنا نزول الملك وليس نزول رب العالمين وهذا يسميه أهل العلم من باب حذف المضاف، ينزل ربنا أي ينزل ملك ربنا عندما نقول ملك ربنا هنا صار لفظ ربنا مضافا إليه والملك هو المضاف فحذف المضاف، فقال الرسول بالوحي من الله: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا كما هو معروف أن من أمر بشئ ولو هو لم يباشر فعله يقال فعل فلان كذا بنى الأمير المدينة، ما معنى بنى الأمير المدينة ؟ معناه أمر ببنائها، ، وهنا ينزل ربنا معناه الله يأمر الملك فينزل الملك.
 
أما على قول المشبهة يجعلون الله جسمًا قاعدًا على العرش وينزل فيفرغ منه العرش إلى السماء الدنيا على زعمهم الله يتصاغر لأن العرش أكبر جسم خلقه الله والسماء الدنيا بالنسبة للعرش شئ قليل، الرسول صلى الله عليه وسلم قال (ما السماوات السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة) والفلاة هي الأرض البرية (الصحراء) يعني كم النسبة بين العرش والسماء من حيث الحجم لا يعلم ذلك إلا الله، جعلوا الله متصاغرًا جعلوا الله جسمًا وجعلوه ذا أعضاء وجعلوه متنقلاً وجعلوه متصاغرًا.
 
وليُعلم أنهُ لا يجوزُ حَملُ هذا الحديث على النُزولِ الحقيقي الذي هو انتقالٌ من مكانٍ إلى مكان لأنَّ هذا لا يجوزُ على الله وهو ضِد قَولِ الله تعالى (ليسَ كمثلهِ شىء)، وقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة (ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر).
الرسول صلى الله عليه وسلم قال (تفكروا في كل شئ ولا تفكروا في ذات الله) يعني كل شئ من خلق الله تفكروا فيه لكن في ذات الله لا تفكروا في ذات الله لأن الإنسان لا يستطيع أن يحيط معرفة بذات ربه سبحانه وتعالى.
 
قال السيوطي في تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ما نصه (عَن بن شهَاب عَن أبي عبد الله الْأَغَر وَعَن أبي سَلمَة).
قَالَ  ابن عبد الْبر (مِنْ رُوَاة الْمُوَطَّأ مَنْ لَا يذكر أَبَا سَلمَة قَالَ والْحَدِيث مَنْقُول من طرق متواترة ووجوه كَثِيرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى كل لَيْلَة هَذَا من الْمُتَشَابه الَّذِي يسكت عَن الْخَوْض فِيهِ وَإِن كَانَ لابد فَأولى مَا يُقَال فِيهِ مَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ إِن الله يُمْهل حَتَّى يمْضِي شطر اللَّيْل ثمَّ يَأْمر مناديا يَقُول هَل من دَاع فيستجاب لَهُ فَالْمُرَاد إِذن نزُول أمره أَو الْملك بأَمْره وَذكر بن فورك أَن بعض الْمَشَايِخ ضَبطه يُنزل بِضَم أَوله على حذف الْمَفْعُول أَي ينزل ملكا).
 
قَالَ الْبَاجِيّ (وَفِي الْعُتْبِيَّة سَأَلت مَالِكًا عَن الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي جَنَازَة سعد بن معَاذ فِي الْعَرْش فَقَالَ لَا تتحدثن بِهِ وَمَا يَدْعُو الْإِنْسَان إِلَى أَن يحدث بِهِ وَهُوَ يرى مَا فِيهِ من التَّغْرِير وَحَدِيث إِن الله خلق آدم على صورته وَحَدِيث السَّاق قَالَ بن الْقَاسِم لَا يَنْبَغِي لمن يَتَّقِي الله أَن يحدث بِمثل هَذَا قيل لَهُ والْحَدِيث الَّذِي جَاءَ أَن الله تَعَالَى ضحك فَلم يره من هَذَا وَأَجَازَهُ وَكَذَلِكَ حَدِيث التَّنْزِيل قَالَ وَيحْتَمل أَن يفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن حَدِيث التَّنْزِيل والضحك أَحَادِيث صِحَاح لم يطعن فِي شَيْء مِنْهَا وَحَدِيث اهتزاز الْعَرْش وَالصُّورَة والساق لَيست أسانيدها تبلغ فِي الصِّحَّة دَرَجَة حَدِيث التَّنْزِيل وَالثَّانِي أَن التَّأْوِيل فِي حَدِيث التَّنْزِيل أقرب وَأبين والعذر بِسوء التَّأْوِيل فِيهَا أبعد) انْتهى انتهى نص عبارة السيوطي.
 
ونقول لزيادة الفائدة:
شرح حديث النزول من شرح الإمام ابن بَطَّالٍ (توفّي 449 هـ) على صحيح البخاري ومن فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني (توفّي 852 هـ) ومن تفسير القرطبي (توفّي 671 هـ) الجامع لأحكام القرآن.
 
يقول الإمام ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري (المراد بحديث النزول نزول الرحمة، ثم قال ويحتمل أن يكون المراد نزول بأمر الله، كما لو قيل ضرب اﻷمير اللص أو نادى اﻷمير في المدينة، ثم قال ويؤيد ذلك ما رواه النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل اﻷول ثم يأمر مناديا ينادي هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر فيغفر له، هل من سائل يعطى)).
 
الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري، يؤول حديث النزول فيقول (هو نزول الملك الذي ينزل بأمر الله).
 
ويقول القرطبي في تفسيره (المراد بحديث النزول نزول الملك بأمر الله، على تقدير حذف المضاف، ويؤيد ذلك رواية البخاري (يُـنـزل ربنا) بضم الياء).
 
وقد قال الحافظُ العِراقي في ألفيته (وخيرُ مافسرتهُ بالواردِ معناهُ أحسنُ مايفسرُ بهِ الحديث الوارد الحديث).