إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

هل يمكن الجمع بين نيتين في حال رغبة المرأة الصيام في شوال وذلك بين نية صيام الأيام الستة وصيام القضاء؟
 
الجواب:
هذه المسألة تعرف عند أهل العلم بمسألة التشريك أي الجمع بين عبادتين بنية واحدة ففي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي (المتوفى 1230هـ) (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَتْ امْرَأَةٌ جُنُبٌ وَحَائِضٌ) أَيْ سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ الْجَنَابَةُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ (قَوْلُهُ أَوْ نَوَتْ أَحَدَهُمَا نَاسِيَةً لِلْآخَرِ) أَيْ بِأَنْ نَوَتْ الْحَيْضَ نَاسِيَةً لِلْجَنَابَةِ أَوْ نَوَتْ الْجَنَابَةَ نَاسِيَةً لِلْحَيْضِ وَقَوْلُهُ حَصَلَا أَيْ فِي الْأُولَى عَلَى الْمَنْصُوصِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَمُفَادُ قَوْلِهِ أَوْ نَوَتْ أَحَدَهُمَا نَاسِيَةً لِلْآخَرِ أَنَّ الْمَانِعَيْنِ حَصَلَا لِلْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّهَا نَوَتْ الْغُسْلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَتَرَكَتْ الْآخَرَ نِسْيَانًا أَوْ عَمْدًا فَإِنْ حَصَلَ مِنْهَا أَحَدُهُمَا وَنَوَتْ مِنْ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ نِسْيَانًا أَجْزَأَ كَمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا يُجْزِئُ قَطْعًا لِتَلَاعُبِهَا.
(قَوْلُهُ أَوْ نَوَى الْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ أَوْ الْعِيدَ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ هَذِهِ الْأُمُورِ أَعْنِي الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ فِي النِّيَّةِ عَلَى الْجَنَابَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ نِيَّةِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ لِلْفَضِيلَةِ وَالْقَضَاءِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً نَاوِيًا بِهَا الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ وَأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً نَاوِيًا بِهَا الْفَرْضَ وَالرَّدَّ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ (قَوْلُهُ أَيْ أَشْرَكَهُمَا فِي نِيَّةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ بِأَنْ قَالَ فِي قَلْبِهِ نَوَيْت الْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الْخِلَافِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ أَفْرَدَ كُلًّا بِنِيَّةٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْ وَقَصَدَ بِهَا النِّيَابَةَ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ جَعَلَ نِيَّةَ الْغُسْلِ خَاصَّةً بِالْجَنَابَةِ وَعَلَّقَ بِالْجُمُعَةِ نِيَّةً أُخْرَى بِأَنْ قَصَدَ نِيَابَةَ الْجَنَابَةِ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ وَبَعْضُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ أَحَدُهُمَا نَاسِيَةً لِلْآخَرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَكُلُّ هَذَا (قَوْلُهُ لَيْسَ بِضَرُورِيِّ الذِّكْرِ) أَيْ لَيْسَ مُضْطَرًّا لِذِكْرِهِ مَعَ قَوْلِهِ وَوَاجِبُهُ نِيَّةٌ كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا نَسِيَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ حَصَلَا لِقَوْلِهِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ نَسِيَ حَدَثًا لَا أَخْرَجَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْجُمُعَةَ) أَيْ نَوَى بِغُسْلِهِ الْجُمُعَةَ (قَوْلُهُ فِي الْأُولَى) أَيْ مَا إذَا نَوَى بِغُسْلِهِ الْجُمُعَةَ وَنَسِيَ الْجَنَابَةَ وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا نَوَى بِغُسْلِهِ الْجُمُعَةَ وَقَصَدَ نِيَابَتَهُ عَنْ الْجَنَابَةِ.
 
وعند الشافعية حكمه أنه إذا كان في الوسائل أو مما يتداخل صح، وحصل المطلوب من العبادتين، كما لو اغتسل الجنب يوم الجمعة للجمعة ولرفع الجنابة، فإن جنابته ترتفع ويحصل له ثواب غسل الجمعة وإن كانت إحدى العبادتين غير مقصودة، والأخرى مقصودة بذاتها صح الجمع ولا يقدح ذلك في العبادة كتحية المسجد مع فرض أو سنة أخرى، وأما الجمع بين عبادتين مقصودتين بذاتهما كصيام قضاء أو كفارة أو نذراً، مع صيام مستحب كست من شوال فلا يصح التشريك على القول المعتمد، لأن كل عبادة مستقلة عن الأخرى مقصودة بذاتها لا تندرج تحت العبادة الأخرى، فإن صام بنية القضاء عن شهر رمضان وبنية الست من شوال فهل يحصل الأمران؟ أم لا؟ وهل إذا أطلق يحصل الأمران؟ أم أحدهما؟
 
المسألة خلافية بين العلماء ففي الشرقاوي على التحرير للشيخ زكريا الأنصاري (ولو صام فيه (أي شوال) قضاء عن رمضان أو غيره نذراً أو نفلاً آخر، حصل له ثواب تطوعها، إذ المدار على وجود الصوم في ستة أيام من شوال….لكن لا يحصل له الثواب الكامل المترتب على المطلوب إلا بنية صومها عن خصوص الست من شوال، ولاسيما من فاته رمضان لأنه لم يصدق أنه صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال). انتهى
وفي فتاوى الرملي من الشافعية، فإنه سئل عن شخص عليه صوم من رمضان وقضاء في شوال، هل يحصل له قضاء رمضان وثواب ستة أيام من شوال، وهل في ذلك نقل؟
فأجاب بأنه يحصل بصومه قضاء رمضان وإن نوى به غيره، ويحصل له ثواب ستة من شوال، وقد ذكر المسألة جماعة من المتأخرين. انتهى من فتاوى الرملي.
 
وفي شرح التنبيه للحافظ السيوطي من فتاوى البارزي فإنه قال لو صام في يوم عرفة مثلا قضاء أو كفارة أو نذرا ونوى معه الصوم عن عرفة صح وحصلا معا، وكذا إن أطلق، لكن الإسنوي حكاه وقال إنه مردود والقياس أنه لا يصح في صورة التشريك واحدٌ منهما وأنه يحصل الفرض فقط في صورة الإطلاق. اهـ وهذا المعتمد وإذا جعل القضاء وحده والستة وحدها كان أفضل.
 
والله أعلم.