إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

حكم صرف مال الزكاة إلى الأعمال الخيرية
 
قال الله تعالى ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ سورة التوبة 60.
 
فَلْيُعلَم أن سَهْمَ ﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾ المذكورَ في ءاية الصَدقات لا يَشمل عمل الرابطة ولا أمثالها وبالتالي لا يجوز صرفه في نشاطاتها ونفقاتها، والفتوى بخلاف ذلك غَلَط فاحش يَحرم العمل بها لمخالفتها نَصَّ القرءان وأحاديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماعَ الأئمة المجتهدين وأقوالهم، وأئمة المسلمين جميعًا أجمعوا على أن مصرف ﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾ المذكور في ءاية الصَدقات لا يَنطَبِق على كُلِ وُجوه البر وأنه خاصٌّ بالغازِي الـمُتَطَوِّع.
 
قال ابن هبيرة الحنبلي في كتابه الإفصاح عن معاني الصحاح في الفقه على المذاهب الأربعة ص 108 (واتَّفَقوا (أي الأئمة الأربعة وأتباعهم) على أنه لا يجوز أن يُخرج الزكاة إلى بناء مسجد، ولا تَكفين مَيّت، وإن كان مِن القُرَبِ، لِتَعَيُّنِ الزكاة لِمَا عُيِّنَت له).
 
وقال مالك في المدَوَّنة ج 2 ص 59 (لا يُجزِئه أن يُعطِيَ مِن زكاته في كَفَنِ مَيّت لأنّ الصَدَقةَ إنما هي للفقراء والمَساكين ومَن سمَّى اللهُ، وليس للأمواتِ ولا لِبناءِ المساجد).
 
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني والشرح الكبير ج 2 ص 527 (فصلٌ ولا يَجوز صرفُ الزكاة إلى غَيرِ مَن ذَكَرَ اللهُ تعالى مِن بناء المساجد والقناطر والسقايات وإصلاح الطرقات وسد البثوق وتكفين الموتى والتوسعة على الأضياف وأشباه ذلك من القُرَبِ التي لم يَذْكُرها الله تعالى (أي لم يَذكُرها في الآية بين الأصنافِ الثمانية)).
 
قال أبو داود (سمعتُ أحمدَ بن حنبل وسُئِلَ يكفن الميت من الزكاة؟ قال لا، ولا يُقضَى مِن الزكاة دَينُ المَيّت) ومثلَه قالَ مَن لا يُحصَى مِن فُقهاءِ المذاهِب الأربعةِ.
 
فإذا كان لا يجوز دفعها لبناء مسجد يُدْعَى فيه إلى اللهِ وتُقام فيه شَعائِرُ الإسلامِ وتُعَلَّمُ علُوم الدِينِ، فهل يجوز دفعها لاستئجار قاعة لِمَعرض أو لمؤتَمَر؟؟!! بالتأكيد لا، وقَد أَفْتَى بعضُهم بجواز إعطاء الزكاة في بناء المساجد بناء على هَواهُم وهذا قولٌ شاذٌّ لا يجوز اعتِمادُه ولا يدخل تحت معنى قوله تعالى ﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾.
 
فمن هنا يُعلم أنه لا يجوز دفع الزكاة لبناء المساجد والمستشفيات والمدارس، فمن دفع من زكاته إلى مدرسة أو إلى مستشفى أو إلى بناء مسجد فليَعلم أن زكاتَه ما صَحَّت فيجب عليه إعادة الدفع للمُستَحِقِّين.
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنّ رِجالاً يَتَخَوَّضُونَ في مالِ اللهِ بِغَير حَقٍّ فَلَهُم النّارُ يَومَ القِيامَةِ). رواه البخاريُ في صحيحه.
 
فيُفهم من هذا الحديث أن الذي يَأخُذ الزكاةَ وليس هو من المستَحِقِّين الذين ذَكَرَهُم الله في القرءان له النارُ يومَ القيامة، وكذلك الذي يأكل مال الوقف الإسلامي بغير حق أي بغيرِ الوَجه الشَرعي الذي بَيَّنَهُ الفُقهاء في كُتُبِهم فله النارُ يوم القيامة.
 
والله أعلم وأحكم.