إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

السؤال: ما حكم صيام النصف من شعبان وقيام ليلته؟
 
الجواب:
 
أولاً ننبّه الى ان الله تعالى لا تتغيّر مشيئته الأزلية لا بدعاء في نصف شعبان ولا بصدقة ولا بغير ذلك، ولكن يحصل المراد او لا يحصل على ما يوافق مشيئة الله وعلمه الأزليين.
 
قال الإمام الشافعي في الأم: وبلغنا أنه كان يقال إن الدعاء يستجاب في خمس ليال، في ليلة الجمعة وليلة الأضحى وليلة الفطر وأول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان.
 
قال الشافعي: وأخبرنا ابراهيم بن محمد قال: رأيت مشيخة من خيار أهل المدينة يظهرون على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العيدين فيدعون ويذكرون الله تعالى حتى تذهب ساعة من الليل. قال الشافعي: وبلغنا أن ابن عمر كان يحيي ليلة النحر، أي ليلة عيد الأضحى.
 
قال الشافعي: وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن تكون فرضاً.
 
قال النووي في المجموع بعد أن ذكر كلام الشافعي: واستحب الشافعي والأصحاب الإحياء المذكور مع أن الحديث ضعيف [حديث: من أحيا ليلتي العيد..إلخ]، لـما سبق في أول الكتاب أن أحاديث الفضائل يتسامح فيها ويعمل على وفق ضعيفها، اي ما لم يكن شديد الضعف او خالف أصلاً شرعياً.
 
وقال ابن نجيم من الحنفية في البحر الرائق: ومن المندوبات إحياء ليالي العشر من رمضان، وليلتي العيدين، وليالي عشر ذي الحجة، وليلة النصف من شعبان، كما وردت به الأحاديث.
 
قال أبو عبد الله المواق المالكي في شرح مختصر خليل: وقد رغّب في صيام شعبان وقيل فيه ترفع الأعمال، ورغّب في صيام يوم نصفه وقيام تلك الليلة.
 
وقال ابن الحاج المالكي في المدخل: وبالجملة فهذه الليلة، وإن لم تكن ليلة القدر، فلها فضل عظيم وخير جسيم وكان السلف رضي الله عنهم يعظمونها ويشمرون لها قبل إتيانها فما تأتيهم إلا وهم متأهبون للقائها والقيام بحرمتها على ما قد علم من احترامهم للشعائر على ما تقدم ذكره، هذا هو التعظيم الشرعي لهذه الليلة.
 
قال ابن رجب في اللطائف: وأما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه.
 
وقال: فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدّم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب.
 
وفي إحياء ليلة النصف من شعبان جماعة في المساجد ذكر ابن رجب في اللطائف أن بعض علماء السلف استحبوا ذلك، فقد كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
 
وفق الله ناشرها وختم لكاتبها وناشرها بخير، آمين.