إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
س: إنسان وقع في الردة ثم طلق زوجته هل يقع طلاقه أم لا؟ نرجو بيان الحكم على المذهب الشافعي مع ذكر الدليل.
الجواب:
قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في كتاب الأم (ولو ارتد الزوج فطلقها في حال ردته…… ففعل ذلك وقف على ما فعل منه، فإن رجع إلى الإسلام وهي في العدة وقع ذلك كله عليها….وهكذا إذا كانت هي المرتدة وهو المسلم) انتهى، معناه الزوج إذا ارتد وطلق ضمن العدة يكون موقوفا فإن رجع إلى الإسلام في العدة تحقق وقوع الطلاق وإن عاد بعد مضي العدة تبين أن العقد فسخ من وقت الردة فلا يقع الطلاق.
قال الإمام الشافعي في الأم (لو قالت له امرأتاه طلقنا بألف ثم ارتدتا ثم طلقهما كان الطلاق موقوفا فإن رجعتا إلى الإسلام في العدة لزمهما) انتهى، معناه إذا سألت المرأة الواحدة الطلاق بعوضٍ ثم ارتدت عقيب السؤال ثم أجابها الزوج فينظر إن كان قبل الدخول فتـتنجز الفرقة بالردة ولا يقع الطلاق ولا يلزم المال، وإن كان بعد الدخول فالطلاق موقوفٌ فإن أصرت إلى أن انقضت العدة فلا طلاق ولا مال وإن عادت إلى الإسلام بان وقوع الطلاق ولزم المال وتحتسب العدة من وقت الطلاق، ولو قالت له امرأتاه طلقنا بألف وارتدتا ثم أجابهما فإن لم يكن دخل بهما لغا الطلاق وكذا لو كان قد دخل بهما وأصرتا إلى انقضاء العدة، وإن عادتا إلى الإسلام قبل انقضاء العدة تبين وقوع الطلاق عليهما.
ملخص المسألة:
إذا طلبت الزوجة من زوجها أن يطلقها ثم ارتدت قبل أن يطلقها ثم طلقها بعد أن تلفظت بالردة فالطلاق موقوف معناه إذ رجعت إلى الإسلام ضمن العدة وقع الطلاق أما إذا رجعت إلى الإسلام بعد العدة تنجزت الفرقة بالردة ولا يقع الطلاق.
قال النووي في روضة الطالبين ج 7 ص 141 – 142 (فصل في الانتقال من دين إلى دين……وإذا ارتد الزوجان أو أحدهما قبل الدخول تنجزت الفرقة، وبعده نقف على العدة فإن جمعهما الإسلام قبل انقضائها استمر النكاح وإلا بان حصول الفرقة من وقت الردة وفي مدة التوقف لا يحل الوطء…..ولو طلقها في مدة التوقف أو ظاهر منها أو آلى توقفنا فإن جمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة تبينا صحتها وإلا فلا، وليس للزوج إذا ارتدت أن ينكح أختها في مدة التوقف ولا أربعا سواها……فإن طلقها ثلاثا في مدة التوقف أو خالعها جاز له ذلك لأنها إن لم تعد إلى الإسلام فقد بانت بنفس الردة وإلا فبالطلاق أو الخلع) انتهى.
باختصار فهذا الكلام يوضح أن طلاق المرتد ضمن العدة موقوف فإن رجع إلى الإسلام في العدة وقع الطلاق.
قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج الجزء الثالث ص 244 قبل باب نكاح المشرك (تتمةٌ، إذا طلقها في زمن التوقف أو ظاهر منها أو آلى ، فإن جمعهما الإسلام قبل انقضائها تبينا صحتها وإلا فلا) انتهى.
قوله تبينا صحتها معناه أن طلاق المرتد في العدة يقع إذا عاد إلى الإسلام في العدة، وهو موافق لكلام النووي السابق ذكره.
وفي أسنى المطالب للشيخ زكريا الأنصاري في كتاب الخلع ((والخلع في الردة) منهما أو من أحدهما (أي حال ردة أحدهما أو حال ردة كليهما) (بعد الدخول موقوفٌ) فإن أسلم المرتد في العدة تبينا صحة الخلع وإلا فلا لانقطاع النكاح بالردة) انتهى
ومعلوم أن الخلع طلاق عند كثير من العلماء، وأن الخلع يصح ممن يصح طلاقه، فلو كان المرتد لا يصح طلاقه لما صح خلعه، فقد قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج في شرح المنهاج في كتاب الخلع (لأنه أي الخلع طلاقٌ فلا يصح ممن لا يصح طلاقه ممن يأتي في بابه) انتهى، وهذا يثبت أن الزوج إذا ارتد ثم خالع ثم رجع إلى الإسلام في العدة فقد وقع الخلع.
وفي الغرر البهية في شرح البهجة الوردية في باب الخلع ما نصه ((وصح) الخلع للزوجة ولو رجعية (لا لبائنٍ) بطلاقٍ أو غيره فلا يصح لأن المبذول لإزالة ملك الزوج عن البضع ولا ملك له على البائن (فالرده يصح فيها) خلع المرتدة المدخول بها (إن تعد) إلى الإسلام (في العده) وإلا فلا لتبين أنها زوجةٌ في الأول دون الثاني وكذا إن ارتد الزوج، أو هما معا، أو أسلم أحدهما وكان ذلك بعد الدخول، ثم وقع الخلع) انتهى
وهذا يبين أن خلع المرتد في العدة موقوف فإن عاد إلى الإسلام في العدة وقع الخلع، وكذلك إن ارتدت الزوجة وخالعها فهو على التفصيل المذكور، وبما أن الخلع موقوف في الحالة المذكورة فالطلاق مثله كما لا يخفى على طالب العلم، مع التذكير بأن الخلع هو طلاق عند كثير من أهل العلم وفي الغرر البهية في شرح البهجة الوردية أيضا في باب الردة (وباطل تصرفٍ) منه (لا يوقف) أي لا يحتمل الوقف (قلت) وهو (الذي ما جاز أن يعلقا) كبيعٍ وهبةٍ ونكاحٍ فإن احتمل الوقف وهو ما يجوز تعليقه كعتقٍ وتدبيرٍ ووصيةٍ وخلعٍ ووقفٍ إن أسلم نفذ وإلا فلا.
وهذا يؤيد النقول السابقة في أن طلاق المرتد موقوف في العدة موقوف على إسلامه فيها.
ملخص ما مر في حكم طلاق المرتد في المذهب الشافعي طلاق المرتد ضمن العدة موقوف فإن عاد إلى الإسلام ضمن العدة وقع طلاقه وإلا فلا يقع ويكون النكاح قد انفسخ وكذلك الحكم لو كانت هي المرتدة فطلقها.