إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
رُوِيَ عَنِ الصِّدِّيقِ شِعْرٌ مِنَ الْبَسِيطِ:
الْعَجْزُ عَنْ دَرَكِ الإِدْرَاكِ إِدْرَاكٌ *** وَالْبَحْثُ عَنْ ذَاتِهِ كُفْرٌ وَإِشْرَاكُ
رَوَاهُ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ الشَّافِعِيُّ.
مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ لا كَالْمَوْجُودَاتِ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ فِي النَّفْسِ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا وَاعْتَرَفَ بِالْعَجْزِ عَنْ إِدْرَاكِهِ أَيْ عَنْ مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِ وَلَمْ يَبْحَثْ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ لِلْوُصُولِ إِلَى حَقِيقَةِ اللَّهِ فَهَذَا إِيـمَانٌ، وَهَذَا يُقَالُ عَنْهُ عَرَفَ اللَّهَ وَإِنَّهُ سَلِمَ مِنَ التَّشْبِيهِ، أَمَّا الَّذِي لا يَكْتَفِي بِذَلِكَ وَيُرِيدُ بِزَعْمِهِ أَنْ يَعْرِفَ حَقِيقَتَهُ وَيَبْحَثَ عَنْ ذَاتِهِ وَلا يَكْتَفِي بِهَذَا الْعَجْزِ فَيَتَصَوَّرُهُ كَالإِنْسَانِ أَوْ كَكُتْلَةٍ نُورَانِيَّةٍ أَوْ يَتَصَوَّرُهُ حَجْمًا مُسْتَقِّرًا فَوْقَ الْعَرْشِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى.
هو أبو بكر الصديق واسمه عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي، وقيل كان اسمه في الجاهلية (عبد الكعبة) فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم (عبد الله)، يلتقي نسبه هو ورسول الله في مرة بن كعب، وأمه أم الخير سلمى (وقيل ليلى) بنت صخر بن عامر وهي بنت عم أبي قحافة.
وُلد بعد عام الفيل بنحو ثلاث سنين، كان أبيض اللون نحيف الجسم خفيف العارضين معروق الوجه (أي قليل اللحم) ناتىء الجبهة، وعن أنس أنه قال: (كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم) (نبت يصبغ به).
وكان من رؤساء قريش وعلمائهم، حليمًا وقورًا مقدامًا شجاعًا صابرًا كريمًا رؤوفًا، هو أجود الصحابة وأول من أسلم من الرجال وعمره سبع وثلاثون سنة عاش في الإسلام ستًّا وعشرين سنة وبويع له بالخلافة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة من الهجرة وأجمعت الصحابة كلهم على خلافته.