إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
زكاة الفطر وفقا لمشهور مذهب مالك
على من تجب زكاة الفطر؟
الجواب: تجب زكاة الفطر على كل مسلم قادر عليها بحيث فضلت عنده الزكاة عن قوته وعن قوت من تجب عليه نفقتهم في يوم العيد وليلته ولو خشي الجوع فيما بعده على المشهور. ولا يعتبر في ذلك وجود النصاب في ملكه.
ويجب عليه أن يخرجها عن نفسه وعمّن تجب عليه نفقتهم إن كانوا معه بسبب قرابة كوالديه الفقيرين وأولاده الذكور للبلوغ والإناث للدخول بالزوج، أو بسبب زوجية أو رق، وأما من التزم نفقة ربيب أو غيره فلا يلزمه أن يخرج عنه زكاة الفطر. ومن تلزمه نفقة غيره دون نفسه أخرج هو عن ذلك الغير وأخرج عنه المنفق عليه كزوجة غنية لها أبوان فقيران فتخرج هي عن أبويها ويخرج زوجها عنها وهذا إذا كان من يمونهم مسلمين ولا يخرج عمن يمونهم من الكفار بسبب من الأسباب كزوجة وأب وولد كفار.
وسأخص بيان بعض أحكام النفقة في سؤال مستقل بعد هذا.
من تجب على الرجل نفقته؟
الجواب: لا يلزم الرجل النفقة إلا على زوجته المدخول بها كانت غنية أو فقيرة، وعلى أبويه الفقيرين حيث عجزا عن الكسب وإلا لم تجب على الولد وأجبرا على الكسب على الراجح المعتمد، وعلى صغار ولده الذين لا مال لهم على الذكور حتى يحتلموا ولا زمانة بهم، والزمانة المرض المانع من الكسب، فإن بلغ الابن مجنونا أو زَمِنا لا مال له فإن وجوب النفقة مستدام على الأب، وإذا بلغ قادرا على الكسب سقطت عن الأب ولا تعود بضر وجنون أو زمانة أو مرض أو عمى. وعلى الإناث حتى ينكحن ويدخل بهن أزواجهن، فإن مات عنها زوجها أو طلقها لم تعد النفقة على أبيها. ولا نفقة لمن سوى هؤلاء من الأقارب فلا يجب عليه نفقة أجداده كما لا يجب على الجد نفقة أولاد الأولاد خلافا للشافعي في الموضعين فعنده تجب النفقة على الأصول وإن علو إن أعسروا سواء قدروا على الكسب أم لم يقدروا وعلى الفروع وإن سفلوا إن أعسروا عما يكفيهم وعجزوا عن الكسب لصغر أو زمانة.
ومحل وجوب نفقة الابن والبنت على الأب إذا أعسرا عما يكفيهما وعجزا عن الكسب لصغرٍ أو زمانة فإن قدرا على التكسب لصناعة جاز للولي أن يحملهما عليه وينفق عليهما منه لأنهما بذلك في معنى الولد الغني.
متى تجب زكاة الفطر؟
الجواب: زكاة الفطر تجب على من هو من أهلها بطلوع الفجر من يوم العيد وقيل تجب بغروب الشمس من ءاخر يوم من رمضان وهي ليلة عيد الفطر. وعلى القول الأول تجب زكاة الفطر على من ولد أو أسلم قبل الفجر من يوم العيد ولو بعد غروب شمس ليلة العيد وتسقط عمن ولد أو أسلم بعده، وأما على القول الثاني فوجوب الزكاة وعدم وجوبها متعلق بغروب شمس ليلة العيد، وبعبارة أخرى فإن ولد أو أسلم قبل الغروب وجبت اتفاقا وبعد الفجر سقطت اتفاقا وفيما بينهما الخلاف فتسقط على الثاني لا على الأول.
ويندب للمزكي أن يخرج زكاة الفطر يوم العيد بعد طلوع الفجر وقبل صلاة العيد فإن لم يدفعها حتى طلعت الشمس فقد فعل مكروها. وعلى موجب القياس لا يجوز إخراجها قبل يوم الفطر لأنها لم تجب بعد، وقال بعض الأشياخ: قد يجوز إخراجها قبل ذلك باليوم واليومين والثلاث، استحبابا (1).
هل تسقط زكاة الفطر بمضي زمن وجوبها؟
الجواب: لا تسقط زكاة الفطر عمن لزمته بمضي زمن وجوبها وهو أول ليلة العيد أو فجره على الخلاف المتقدم بل يخرجها لماضي السنين عنه وعمن تلزمه عنه لأنها دين في ذمته. وأما لو مضى زمن وجوبها وهو معسر فإنها تسقط عنه، وإن زال إعساره يوم العيد استحب له أن يخرج الفطرة ولا يلزمه ذلك لأن غناه حدث بعد وقت الوجوب.
هل يلزم الأب أن يعلم ابنه ليخرج زكاة الفطر عنه؟
الجواب: يخرج الأب عن ابنه وإن لم يعلمه بها إن صغر لأن نفقته عليه والواجب يتعلق به هو دون ابنه، فإن بلغ الابن وكان قادرا فلابد من إعلامه قبل إخراجها عنه لأنه لابد في الزكاة من النية على المذهب وإعلامه يقوم مقامها.
هل يجوز للمسافر أن يخرج عنه زكاة فطره في بلده؟
الجواب: يستحب للمسافر إخراج زكاة فطره في المكان الذي هو فيه عن نفسه وعياله، وإن أخرج عنه أهله أجزأه.
ما يجب إخراجه في زكاة الفطر؟
الجواب: يجب على كل واحد قدر صاع من غالب قوت أهل البلد، والصاع أربعة أمداد بمده . وتُخرج من أصناف تسعة وهي قمح أو شعير أو سُلْت أو تمر أو ذُرَة أو دُخْن أو أرز أو زبيب أو إقْط ولا ينظر لقوت المخرِج بل لقوت جل الناس.
لمن تُدفع زكاة الفطر؟
الجواب: تدفع زكاة الفطر لحر مسلم فقير أو مسكين، كبير أو صغير، فلا يعطى منها لغيرهما من الأصناف الثمانية التي تصرف لهم زكوات المال. والفقير هو ذو بلغة لا تكفيه لعيشه مدة سنة. والمسكين المشهور في المذهب أنه أحوج من الفقير فـهو من لا شىء له جملة وقيل الفقر والمسكنة اسمان لمعنى واحد، وهو لمن يملك شيئا يسيرا لا يكفيه ولا يغنيه ولا يقوم بمؤونته.
ويشترط في كل منهما: الحرية فلا تجزئ لعبد، والإسلام فلا تجزئ لكافر، وأن لا تكون نفقة كل منهما واجبة على مليء سواء كان الواجب أصليا كصغير له أب مليء أو فقير له ولد مليء أو كان الوجوب بالالتزام كمن التزم نفقة ربيبة مثلا فلا تجزئ لواحد منهم لأنه في معنى الغني، وأن لا يكونا من ءاله عليه الصلاة والسلام وهم المؤمنون من بني هاشم فلا يعطون من الزكاة، وأما بنو المطلب أخو هاشم ففي المذهب ليسوا من ءال البيت فيعطون منها خلافا للشافعي رضي الله عنه، وأم صدقة التطوع فهي للآل جائزة على المعتمد والمشهور المنع.
ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلى أحد ممن تلزمه نفقته، وإن كان فقيرا. ولا بأس بدفعها إلى من لا تلزمه نفقته من أقاربه إن كان فقيرا أو مسكينا.
ويجوز في زكاة الفطر دفع الصاع إلى مسكين واحد أو لمساكين يقتسمونه كما يجوز دفع ءاصع متعددة لواحد من الفقراء وإن كان خلاف الأفضل. والله أعلم.
(1) في المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس للقاضي الجليل أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي (المتوفى 422 هـ) فصل فيمن أخرجها قبل يوم الفطر وليلته (ولا يجوز إخراجها قبل يوم الفطر أو ليلته على حسب اختلاف الروايات لأن ذلك تقديم إخراجها على وقت الوجوب وذلك غير جائز، وتأويل قول بعض أصحابنا إنه إن أخرجها قبل يوم الفطر بيوم أو يومين أجزاه أن يخرجها إلى الذي يحفظها ويحرسها وتجمع عنده إلى يوم العيد لأن تلك كانت عادتهم بالمدينة، ومن حمل هذا القول على ظاهره في جواز الإخراج على الإطلاق فذلك مناقضة منه يلزمه عليه جواز إخراجها من أول الشهر وقبل دخوله أيضًا من حيث لا انفصال له عنه).