إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الجواب :
اتَّفَقَ أَهلُ السُّنَّةِ عَلَى “وَحدَةِ كلامِ اللهِ تعالى” قالَهُ الإمامُ أَبُو عَلِيٍّ السَّكُونِيُّ الإشبِيلِيُّ المُتَوَفَّى سنةَ 717 مِنَ الهجرةِ [1]، وكذلكَ البيهقيُّ ذَكَرَ “وَحدَةَ الكلامِ” فِي كِتَابَينِ مِن كُتُبِهِ [2]. وكذلكَ أهلُ السُّنَّةِ يعتقدونَ أَنَّ اللهَ تعالَى صفاتُهُ لا تُشبِهُ صِفَاتِ خَلقِهِ، اللهُ متكلمٌ بكلامٍ ليسَ حَرفًا وصَوتًا؛ لأَنَّ الكلامَ الذي يكونُ بالحرفِ والصوتِ مخلوقٌ، اللهُ لا يَتَّصِفُ بِحادثٍ. قالَ أَبُو حنيفةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ فِي كتابِهِ “الفقهِ الأكبرِ” : “نَحنُ نَتكلَّمُ بالآلاتِ والحروفِ واللهُ يَتَكلَّمُ بلا ءالةٍ ولا حَرفٍ” وكلامُ اللهِ الذي هو غيرُ حَرفٍ وصَوتٍ أَزلِيٌّ أبديٌّ لا يَنقَطِعُ، لاَ يَجوزُ على اللهِ أنْ يَتَكَلَّمَ ثمَّ يَسكُتَ. الكلامُ القائِمُ بذاتِ اللهِ ليسَ حَرفًا وصَوتًا، يَسمَعُهُ الإنسُ والجِنُّ في الآخرةِ. وأمَّا الكلامُ الذي هُو حرفٌ وصوتٌ كالقرءانِ الذي نَقرَؤُهُ بالحروفِ والتَورَاةِ والإنْجيلِ والزبورِ هؤلاءِ عباراتٌ عن كلامِ اللهِ لَيسَتْ عينَ الكلامِ الذاتِيِّ. ثُمَّ إِنَّ اللهَ تبارَكَ وتَعالَى أَخبَرَ فِي القرءانِ أَنَّهُ يَخلُقُ الأشياءَ بكلامِهِ، وكلُّ ما خَلَقَ اللهُ وما سيخلُقُهُ وجودُهُ بكلامِ اللهِ تعالَى وهذا معنَى قولِهِ تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} معنَى الآيةِ أنَّ الشىءَ الذي أرادَ اللهُ وجودَهُ يَخلقُهُ بكلامِهِ الأزلِيِّ ليسَ المعنَى أنَّهُ يَنطِقُ بالكافِ والنُّونِ، النطقُ بالكافِ والنونِ مِن صفاتِنَا. ثُمَّ القولُ بأَنَّ اللهَ يَخلُقُ الأَشياءَ بالكَافِ والنُّونِ مَعنَاهُ أَنَّهُ يَخلُقُ الأشياءَ بعدَ النُّطقِ بالكافِ والنونِ، وهذا مستحيلٌ إنَّمَا المعنَى أنَّهُ يَخلقُ الأَشياءَ التِي أَرَادَ وجودَهَا بالكلامِ الأزلِيِّ الذي ليسَ حرفًا وصوتًا هذا معنَى الآيةِ: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذا أرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وأمَّا مَا يقولُهُ بعضُ الناسِ “سبحانَ مَن أَمرُهُ بينَ الكافِ والنونِ” فكلامٌ فاسِدٌ لا هو قرءانٌ ولا حديثٌ ولا هو كلامُ أَهلِ العِلمِ. اهـ
———-
[1]- قال العلامةُ أبو علي السكونيُّ الإشبيليُّ المالكيُّ المتوفى سنة سبعمائة وسبعة عشر في كتابه “التمييز لِما أودعَه الزمخشريُّ من الاعتزالِ في تفسيرِ كتابِ العزيزِ” ما نصه: “وكلام الله سبحانه واحد بإجماع الأمة”. اهـ
[2]- قال البيهقيُّ في كتابه الاعتقاد ما نصه: “وكلامُ الله واحدٌ لَم يزلْ ولا يزالُ”.