إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

الصفة العاشرةُ: العلمُ
     – العلم صفةٌ أزليةٌ ثابتةٌ لله تعالى ولا يقالُ في الله تعالى لأن التعبير بفي يوهمُ الظرفيةَ، أي أنَّ ذاتَ الله تعالى ظرفٌ لعلمِهِ وهذا مستحيلٌ. فالله تعالى ليس جوهرًا يحلُّ به العرَضُ، نحنُ عملنا عرضٌ يحلُّ بأجسامنا ويستحيلُ ذلك على الله تعالى فلا يجوزُ لأحدٍ أن يعبر بهذِهِ العبارة فإن ذلكَ زللٌ يؤدي إلى الهلاكِ. 
    – وهذا الفنُّ أولى العلومِ بالاحتياطِ في العباراتِ لأنه أشرفُ العلومِ لأنه يتعلقُ بأصلِ الدينِ، ولذلكَ سماهُ أبو حنيفةَ “الفقه الأكبرَ” وهو يعرفُ بعلمِ التوحيدِ وعلم الكلامِ، وهذا الذي يسميهِ أهلُ السنةِ علم الكلامِ هو الكلام الممدوحُ، وأما الكلامُ المذمومُ فهو كلامُ أهلِ الأهواءِ أي أهلِ البدع الاعتقاديةِ كالمعتزلة فهو الذي ذمَّه السلفُ، قال الإمامُ الشافعيُّ رضي الله عنه: “لأنْ يلقى الله العبدُ بكلِ ذنبٍ ما عدا الشركَ أهونُ من أن يلقاه بكلامِ أهل الأهواءِ“.
    –  فالفرقُ بينَ هذا وهذا أن علمَ الكلامِ الذي هو لأهلِ السنةِ الذي فيهِ ألَّفوا تآليفهم أنه تقريرُ عقيدةِ السلفِ بالبراهينِ النقليةِ والعقليةِ مقرونًا بردّ شُبهِ الملاحدةِ المبتدعةِ وتشكيكاتِهم. 
    – ولأهل الحقِ عناية عظيمة به فقد كان أبو حنيفة يسافر من بغداد الى البصرةِ لإبطالِ شبهِهم وتمويهاتهم فقد تردد لذلك أكثَر من عشرينَ مرةً. وبينَ بغدادَ والبصرة مسافةٌ طويلةٌ، فكانَ يقطعهم بالمناظرة بكشف فسادِ شبههم وتمويهاتِهم، وهذا لا يعيبه إلا جاهلٌ بالحقيقةِ من المشبهةِ ونحوهم فإن المشبهةَ التي تحملُ الآياتِ المتشابهة والأحاديثَ المتشابهة الواردةَ في الصفاتِ على ظواهرها أعداءُ هذا العلمِ، وفي هؤلاءِ قال القائلُ وقد صدقَ فيما قالَ:
 
عابَ الكلامَ أناسٌ لا عقولَ لهم **** وما عليه إذا عابُوهُ من ضَرَرِ
ما ضرَّ شمسَ الضُّحى في الأفقِ طالعةً **** أن ليسَ يبصرها من ليسَ ذا بصَرِ
 
     – أما ما يُروى أنَّ الشافعيَّ قال: “لأن يلقى الله العبدُ بكلّ ذنبٍ ما عدا الشركِ خيرٌ له من أن يلقاهُ بعلمِ الكلام” فلم يثبت عنه 
 
     – قالَ أهلُ الحقّ في إثباتِ صفةِ العلمِ لله تعالى استدلالا أنَّه تعالى لو لم يكن عالمًا لكانَ جاهلًا والجهلُ نقصٌ والله منزهٌ عنِ النقصِ، وأيضًا لو كانَ جاهلًا بشىءٍ لَم يوجد هذا العالمُ فوجودُ هذا العالمِ مشاهَدٌ ثابتٌ للعيانِ، فالجهلُ في حقّ الله تعالى يؤدي إلى عدمِ وجودِ العالمِ وذلك محالٌ، وما أدى إلى المحالِ محالٌ.
 
     – وأما من حيثُ النقلُ فالدلائل كثيرة كقولِهِ تعالى: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَىءٍ عَليم﴾، وقولِهِ: ﴿ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيفُ الخبير﴾ ففي الآيةِ دلالَةٌ على أنه لو لم يكن عالمًا لما خلق هذا الخلقَ.