إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

شرح صِفَة السَّمْع للهِ تعالى
 
السَّمْعُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ ثَابِتَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ، فَهُوَ يَسْمَعُ الأَصْوَاتَ بِسَمْعٍ أَزَلِيٍّ أَبَدِيٍّ لا كَسَمْعِنَا، لَيْسَ بِأُذُنٍ وَصِمَاخٍ، فَهُوَ تَعَالَى لا يَعْزُبُ أَيْ لا يَغِيبُ عَنْ سَمْعِهِ مَسْمُوعٌ وَإِنْ خَفِيَ (أَيْ عَلَيْنَا) وَبَعُدَ (أَيْ عَنَّا)، كَمَا يَعْلَمُ بِغَيْرِ قَلْبٍ، وَدَلِيلُ وُجُوبِ السَّمْعِ لَهُ عَقْلًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِالسَّمْعِ لَكَانَ مُتَّصِفًا بِالصَّمَمِ وَهُوَ نَقْصٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ مُحَالٌ، فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ يَسْمَعُ بِأُذُنٍ فَقَدْ أَلْحَدَ وَكَفَرَ.
 
فالسَّمْعُ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ أَيْ ثَابِتَةٌ لَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَوْجُودٍ مِنَ الأَصْوَاتِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمْعُهُ تَعَالَى حَادِثًا كَسَمْعِ خَلْقِهِ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِآلَةٍ كَسَمْعِنَا فَهُوَ يَسْمَعُ بِلا أُذُنٍ وَلا صِمَاخٍ.
 
وَقَدْ وَقَعَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمَ التَّنْزِيهِ مِمَّنِ اقْتَصَرَ عَلَى حِفْظِ الْقُرْءَانِ مِنْ دُونِ تَلَقٍّ لِعِلْمِ الدِّينِ تَفَهُّمًا مِنْ أَفْوَاهِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ تَلَقَّوْا مِمَّنْ قَبْلَهُمْ فِي التَّشْبِيهِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَهُ ءَاذَانٌ، فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ أَلَيْسَ قَالَ الرَّسُولُ (لَلَّهُ أَشَدُّ ءَاذَانًا) فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ حَرَّفْتَ الْحَدِيثَ فَالْحَدِيثُ (أَذَنًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ وَلَيْسَ ءَاذَانًا، فَقَدْ ظَنَّ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ عَالِمٌ فَتَجَرَّأَ عَلَى تَحْرِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَالأَذَنُ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِمَاعُ، وَهَذَا مِنْ أَفْحَشِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ.
 
فَسَمْعُ اللَّهِ تَعَالَى أَزَلِيٌّ وَمَسْمُوعَاتُهُ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ الصَّوْتِ حَادِثَةٌ، فَهُوَ تَعَالَى يَسْمَعُ هَذِهِ الأَصْوَاتَ الْحَادِثَةَ بِسَمْعِهِ الأَزَلِيِّ الأَبَدِيِّ الَّذِي لَيْسَ لِوُجُودِهِ ابْتِدَاءٌ وَلا انْتِهَاءٌ بَلْ هُوَ بَاقٍ دَائِمٌ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ، يَسْمَعُ اللَّهُ كَلامَهُ الأَزَلِيَّ بِسَمْعٍ أَزَلِيٍّ وَيَسْمَعُ كَلامَ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَصْوَاتَهُمْ بِسَمْعٍ أَزَلِيٍّ لَيْسَ بِسَمْعٍ يَحْدُثُ فِي ذَاتِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْحَادِثَاتِ.