إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

لم سميت بصلاة التراويح؟
 
الجواب:
التراويح سميت بذلك لأن أهل مكة كانوا يصلون أربعًا ثم يطوفون بالكعبة ثم يصلون أربعًا ثم يطوفون بالكعبة، لأجل هذا سميت هذه الصلاة بصلاة التراويح لأنهم كانوا يستريحون بالطواف بعد كل أربع ركعات إلى عشرين ركعة كانوا يصلون، وأما أهل المدينة فصاروا يصلون ستًا وثلاثين ركعة تعويضًا لما فاتهم من الطواف، وأما من نوى التراويح وصلى ركعتين فهذا لا يسمى بالتراويح، اسم التراويح للعشرين فقط، أما هذا فيسمى قيام رمضان، كلٌ يسمى قيام رمضان، من صلى عشرين ركعة يقال له قيام رمضان ومن صلى ستًا أو ثمانية أو تسعًا يقال له قيام رمضان، لكن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال (ليس لقيام رمضان عددٌ وأحَبّ إليّ ما طال قيامه) معناه لو كان العدد قليلاً إن أطيلت القراءة عندي أفضل من العدد الكثير الذي ليس فيه طول قيام، كما في الحديث (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة) رواه البخاري.
 
وقال الفقيه الإمام الكبير أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازَري المَالكي في شرح التلقين (قد ورد في الشرع التحضيض على قيام الليل، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) وقال تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) وقد اشتهر في الشرع فضيلة قيام الليل لكن الفصيلة تتفاضل فجاء في قيام ليل رمضان ما يدل على علو مرتبته على غيره من الليالي فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) فوعد بغفران الذنوب السالفة بقيام رمضان ولم يعد بذلك في غيره من الليالي فدل على تأكيد فضله وقد جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة على قارئ يصلي بهم التراويح في رمضان، ولم يجمع الناس في غيره من الليالي، فدل ذلك على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانت ترى لقيام ليالي رمضان مزية على غيرها من الليالي، فلما علم القاضي أبو محمَّد هذا الذي أشرنا إليه خص قيام رمضان بالذكر فقال وقيام رمضان وقيام الليل ليشعر باختلاف مرتبتهما في الفضل).
 
وفي التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب للشيخ خليل بن إسحاق بن موسى ضياء الدين الجندي المالكي المصري (المتوفى 776 هـ) كتاب الصلاة، صلاة التطوع، والْجَمَاعَة فِي التَّرَاوِيحِ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْعَمَلِ والْمُنْفَرِدُ لِطَلَبِ السَّلامَةِ أَفْضَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ إِلا أَنْ تَتَعَطَّلَ (سمى قيام رمضان تراويح لأنهم كانوا يطيلون القيام فكان القارئ يقرأ بالمئين فيصلون تسليمتين ثم يجلس الإمام والمأموم للاستراحة، ويقضي من سبقه الإمام ثم كذلك فسميت تراويح لما يتخللها من الراحة وقال بعضهم جرت عادة الأئمة أن يفصلوا كل ركعتين من قيام رمضان ويصلون ركعتين خفيفتين، وقوله (لِلْعَمَلِ) أي لاستمرار العمل على الجمع من زمن عمر رضي الله عنه، والمشهور مذهب المدونة قال فيها وقيام الرجل في رمضان في بيته أحب إلي لمن قوي عليه لما في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام (أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة) ورجح في الشاذ إتباع السلف.
وقوله (إِلا أَنْ تَتَعَطَّلَ) هو كقول ابن شاس ولو انفرد الواحد في بيته لطلب السلامة من أجل إظهار النافلة لكان أفضل له على المشهور ما لم يؤد ذلك إلى تعطيل المساجد، ابن هارون ولم أر الخلاف الذي ذكر ابن شاس والمصنف.
وهِيَ ثَلاثٌ وعِشْرُونَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ ثُمَّ جُعِلَتْ تِسْعاً وثَلاثينَ، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (مَا زَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ ولا فِي غَيْرِه عَلَى اثْنَتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَعْدَهَا الْوِتْرُ) استمر العمل شرقاً وغرباً في زماننا على الثلاثة والعشرين ولمالك في المختصر الذي نأخذ لنفسي من ذلك الذي جمع عليه عمر بن عبد العزيز الناس إحدى عشرة ركعة، وهي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
سند: وكان الناس يقومون إحدى عشرة ركعة قيام النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم كانوا يطيلون، ففي الموطأ أنهم كانوا يستعجلون الخدم بالطعام مخافة الفجر ثم خففت القراءة وزيد في الركعات فجعلت ثلاثاً وعشرين، ويقومون دون القيام الأول، وفي الموطأ أن القارئ كان يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثنتى عشرة ركعة رأوا أن خفف ثم جعلت بعد وقعة الحرة بالمدينة تسعاً وثلاثين، وخففوا من القراءة فكان القارئ يقرأ بعشر آيات في الركعة، فكان قيامهم بثلاثمائة وستين آية).