إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

كان يوجد تحت الخليفة العباسي رجل مشهور بالعلم والصلاح والتقوى والشجاعة يسمى صلاح الدين الأيوبي كان حافظًا للقرءان وكان عالما بالفقه يحفظ كتاباً كبيراً في الفقه الشافعي يسمّى كتاب التنبيه ويحفظ كتاب الحماسة ، وكان يحضر مجالس علم الحديث على الطريقة القديمة التي عليها المشايخ القدماء وكان يعتني بتعليم العقيدة الأشعرية. كان يوجد رجل اسمه محمد بن هبة البرمكي هذا من العلماء ألف مؤلفاً عمله على شكل أبيات شعر وقدمه للسلطان صلاح الدين الأيوبي ذكر في هذا الكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة ذكر تنـزيه الله عن المكان وعن الجوارح وعن الجهات وإثبات صفة الكلام لله مع تنـزيه الله عن أن يكون كلامه بحرف وصوت ولغة كما هو كلام الخلق لما نظر فيه صلاح الدين أعجبه هذا الكتاب وقرر تعليمه للصبيان في الكُتَّابِ، الصبيان يعني الذين لم يبلغوا بعد، والكُتّاب معناه المدارس القديمة، وقرر أن تقرأ العقيدة الأشعرية على المنائر قبل أذان الفجر – من زمان كان الناس يستيقظون قبل الفجر يصلون قيام الليل وينتظرون الصبح – ، وأمر المؤذنين على المنائر أن يذكروا العقيدة الأشعرية، وهي نسبة إلى الإمام أبي الحسن الأشعري وكان إمام أهل السنة في زمانه هو وإمام ءاخر اسمه أبو منصور الماتريدي هذان الإمامان ما جاءا بشئ جديد الإمام أبو الحسن الأشعري  كان في بغداد ما جاء بشئ جديد لا هو ولا الإمام أبو منصور الماتريدي إنما الذي فعلاه أنهما رتبا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة وأقاما الأدلة عليها نصبا الأدلة عليها من القرءان ومن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وردا على المخالفين لأهل السنة والجماعة لذلك صار المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إن كان في بلاد الحجاز أو إفريقيا مصر أو الجزائر وبلاد المغرب العربي إلى الصين وإلى الهند وباكستان وبلاد الشام كل مسلم إما ينتسب إلى هذا الإمام أو هذا الإمام فيقال أشعري وماتريدي. أشعري هذا السلطان صلاح الدين رضي الله عنه لما رأى هذا النفع في هذه القصيدة أمر إن تدرس للصبيان اعتناءً بعقيدة أهل السنة والجماعة وأمر أن تقرأ العقيدة الأشعرية على المنائر قبل صلاة الفجر. في هذه القصيدة يقول في الأول هو هذا محمد بن هبة البرمكي يقول:
 
نظمتها للملك الأمين          الناصر الغازي صلاح الدين
 
يعني هو قدم هذا النظم للملك صلاح الدين وكان سلطانا تحت الخليفة العباسي كان عادلاً في حكمه، قال:
 
نظمتهـا  للمـلك   الأمين    النـاصر الغازي صلاح الدين
 
ذي العدل والجود معًا والباس    يوسف محيي دولـة العبـاس
 
اسمه يوسف هو محيي دولة العباس يعني هو كان تحت الخليفة العباسي. ثم قال في تنـزيه الله عن المكان:
 
قد كان موجودًا ولا مكان    وحكمه الآن على ما كان
 
يعني الله تعالى كان موجودًا في الأزل ولم يكن مكان وحكمه الآن على ما كان أي ما زال موجودًا بلا مكان.
 
قد كان موجودًا ولا مكان       وحكمه الآن على ما كان
 
يعني هو لا يتغير، الله لا يجوز عليه التغير هذا الكلام من أين أخذه ؟ أخذه من قول الله تعالى: ﴿ ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ﴾، وأخذه من قول النبي صلى الله عيه وسلم: (( كان الله ولم يكن شئ غيره )) من هذا أخذ أن الله موجود بلا مكان، المكان هو الفراغ الذي يشغله الحجم فكل شئ يكون في مكان، ماذا يكون ؟ يكون حجمًا يعني مخلوقًا والمخلوق لا يكون إلهـًا، الله خالق كل شئ فلا يشبه شيئًا من خلقه بوجه من الوجوه.
 
قد كان موجودًا ولا مكانا         وحكمه الآن على ما كانا
 
فقد غـلا وزاد في الغـلو            من خصَّـه بجهة العلـو
 
الجهة شئ مخلوق الذي يخص الله بجهة من الجهات هذا جعل الله شيئًا مخلوقًا فقد غلا، معنى غلا أي جاوز حد الشرع جاوز الحد المسموح به شرعًا هذا معنى فقد غلا. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لما كان في مزدلفة قال لعبد الله بن عباس القط لي حصى قال ابن عباس فلقطت له حصى مثل حصى الخذف، الخذف يعني مثل حبة الباقلا قدر الأنملة، قال: فأعجب رسول الله ذلك ثم قال لي: (( ألا بمثل هذا فارموا وإياكم والغلو فإن الغلو أهلك من كان قبلكم )) يعني ارموا بهذا اتبعوني وارموا بمثل ما رميت به وإياكم والغلو، يعني اتركوا مجاورة حد الشرع، إن الغلو أهلك من كان قبلكم الذي يتجاوز حد الشرع يهلك لذلك قال محمد بن هبة البرمكي:
 
فقد غـلا وزاد في الغلو         من خصـه بجهـة العلـو اهـ