إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

اعلم رحمك الله بتوفيقه أنّ علماء العقيدة قد قرروا أن أنبياء الله ورسله هم صفوة خلق الله، فيجب للأنبياء الصدق ويستحيل عليهم الكذب، ويجب لهم الفطانة (الذكاء) ويستحيل عليهم البلادة والغباوة، ويجب لهم الصيانة فيستحيل عليهم الرذيلة والسفاهة والجبن، ويجب لهم الأمانة ويستحيل عليهم الخيانة، فالأنبياء سالمون من الكفر وكبائر الذنوب وصغائر الخسة كسرقة حبة عنب، وكذلك يستحيل عليهم الأمراض المنفرة التي تنفر الناس عنهم، وهذا من العصمة الواجبة لهم، لذلك قال العلماء إن من نسب إلى نبي من الأنبياء الكذب أو الخيانة أو الرذائل أو السفاهة أو الجُبن أو نحو ذلك من صفات النقصان فقد كفر، فإذا علم ذلك تبيّن أن ما يرويه وينسبه بعض الناس إلى سيدنا أيوب من أنه ابتلي في جسمه بأمراض منفرة لا أساس ولا صحة له، بل هو أكاذيب لا تقوم بها الحجة.
ومن هذه الأخبار الكاذبة في بلاء أيوب أن الله سلط عليه إبليس فنفخ عليه فأصابه مرض الجذام الخبيث حتى صار الدود يتناثر من بدنه وجسمه ويقول لها (كلي من رزقك يا مُباركة…) إلى ءاخر ما يذكره أهل القصص وبعض المفسرين وهي لا تجوز في حق الأنبياء بل تستحيل عليهم وذلك للعصمة التي عصمهم الله بها، فهذا تكذيب للدين وكفر لأن هذا لا يليق بنبي من الأنبياء، وكيف يرد الدود إلى جسمه ليتأذى به والله تعالى يقول (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة البقرة، ويقول (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) سورة النساء.
 
ولا صحة لما ذكر في كتاب الإبريز أن مرضه كان شهرين خلاف ما جاء في حديث رسول الله، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (كان بلاء أيوب ثمانية عشر عامًا) رواه ابن حبان وصححه، ولم يقل عليه الصلاة والسلام في حق أيوب أصابته الجدري أو كان الدود يغلي في جسمه، والتفاسير الصحيحة ليس فيها شيء من هذه الأكاذيب هذا وأن الأنبياء لتمكنهم في الصبر وبلوغهم في ذلك إلى ما لم يبلغه غيرهم جعل الله في الدنيا حظهم من البلاء أكثر ليتأسى بهم أتباعهم المؤمنون.
 
والله أعلم وأحكم.