إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

غسل من ضاق عليه وقت الصلاة
 
الشخص الذي استيقظ جنباً فإن سخن الماء يخرج وقت الصبح هذا في بعض المذاهب يجوز له أن تتيممَ ثم يصلي حاضراً، الصبح حاضراً وفي بعض المذاهب لا، عندَ الشافعي يسعى لاسقاطِ الحدث بالماء، يسخّن الماء إن كان الماءُ البارد يؤذيه يسخن فيغتسل لو طلعت الشمس ما عليه ذنب عند الشافعي أما عندَ الإمام مالك إذا ضاق وقت الصلاة فخاف الشخص إن اغتسل أن يخرج الوقت، يجوز التيمم ليلحق الوقت، فالانسان إن شاء يفعل هذا وإن شاء يفعل هذا، عند مالك له أن يتيمم إذا شاء لضيقِ الوقت، إن اغتسل خاف أن يفوته، علم أنه يفوته إن سعى للاغتسال، عند مالك يجوز أن يتيمم فيصلي في الوقت حاضِراً، ثم فيما بعد، بعد طلوع الشمس يغتسل ويعيد والمشهور أنه لا يعيد.
 
جاء في التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب (وَكَذَلِكَ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ يَخْشَى فَوَاتَ الْوَقْتِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلا يُعيد. وَقَالَ ابْنُ حَبيبٍ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى وُجُوبِ الإِعَادَةِ) قال الشيخ خليل رحمه الله (منشأُ الخلافِ هل تتناول الآيةُ الحاضِرَ أو هي مُخْتَصَّةٌ بالمريضِ والمسافرِ وذلك لأن الله تعالى قال (وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (النساء 43) فإن حملنا (أَوْ) على بابِها فيكون قوله تعالى (أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِنكُم مِّنَ الْغَآئِطِ أَوْ لَمَسْتُمُ الْنِّسَآءَ) (النساء 43) مطلقاً لا يَختص بمريضٍ ولا بمسافرٍ، وإن جعلناها بمعنى الواو خصَّتِ المريضَ والمسافرَ، لأن التقديرَ وإن كنتم مرضَى أو على سفرٍ وجَاءَ أحدٌ منكم من الغائطِ، والْمَشْهُورِ أظهر لحَمْلِ أَوْ على حقيقتها.
ومقابلُ الْمَشْهُورِ لمالك في الموازية قال ويَطلب الماءَ وإن خرج الوقتُ نقله ابن راشد، وهذا يظهر إذا قلنا إِنَّ مَن عَدِمَ الماءَ والصعيدَ لا يُصلي، وأمّا على القولِ بأنه يصلي فيحتمل أنه يُصلي هذا بغير تيممٍ، ويحتمل أن يُقال إنه يتيمم لأن التيمم لا يَزيده إلا خيراً.
والْمَشْهُورِ كما قال المصنفُ أنه لا إعادةَ عليه صرح به الباجي وابن شاس ولفظُ ابن شاس إذا فرّعنا على الأوّل – أي التيمم – فهل يُعيد؟ الْمَشْهُور أنه لا إعادة عليه، وقال ابن عبد الحكم وابن حبيب يُعيد أبداً، ابن حبيب وإليه رجع مالك. انتهى
وعلى هذا فقول المصنف (وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رَجَعَ عَنْهُ) أي عن عدم الإعادة.
واعلم أنّ التيممَ مِن خصائص هذه الأمّةِ تكريماً لها وتشريفاً، وشُرِعَ لتحصيلِ مصالحِ أوقاتِ الصلاةِ قَبْلَ فواتِها وذلك يَدُلُّ على اهتمامِ الشرعِ بمصالح الأوقاتِ أكثرَ مِن اهتمامِه بمصالحِ الطهارةِ، وبهذا يترجَّحُ الْمَشْهُورِ.
فإن قيل فأيُّ مصلحةٍ في إيقاعِ الصلاةِ في وقتِها مع أن العقلَ يَحْكُمُ باستواءِ أفرادِ الزمان؟ فجوابُه إِنَّ ذَلِكَ تَعَبُّدٌ) انتهى من التوضيح.