إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

الحمد لله رب العالمين وسلام الله ورحمته وبركاته على سيدنا محمد وعلى ءاله الطيبين الطاهرين أما بعد، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ) رواهُ مسلمٌ.
معنى الحديث المؤمن الذي له عند الله درجة عالية إذا مات بعد الموت لا يحب الرجوع إلى الدنيا ولو قيل له خذ الدنيا وما فيها، إلا الشهيد فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا ويقتل مرة أخرى في سبيل الله لما يرى من كرامة الشهادة أي فضل الشهادة في سبيل الله، وذلك لأنّ المؤمن التقي قبل أن تفارق روحه جسده تأتيه ملائكة الرحمة، هو يراهم ويسمع كلامهم، أما الذين عنده لا يرونهم ولا يسمعون كلامهم، هو يسمع من ملائكة الرّحمة يقال له السلام عليك يا ولي الله، يا ولي الله معناه يا حبيب الله لما يسمع هذه الكلمة يمتلىء سرورًا يذهب عنه خوف الموت ويذهب عنه الخوف من القبر يحب أن تفارق روحه الدنيا بسرعة لأنه سمع تبشير الملائكة كذلك عزرائيل يبشره، لذلك يحبّ الخروج من الدنيا ولا يخاف من القبر، وذلك لأن هؤلاء ملائكة الرحمة منظرهم يفرح وجوههم كالشمس بعض الناس يأتيهم من ملائكة الرحمة عددٌ كثير، وبعض الناس أقل، ثم بعض الناس الأتقياء يرون رسول الله، الله يرفع عنهم الحجاب من هنا إلى المدينة كل هذا يصير عندهم كالزجاج، يرون الرسول، الرسول يضحك اليهم ويبشرهم، بعد هذا لا يبقى في روحه شىء من الفزع من الموت والقبر.
 
وهذا مع أن هذا المؤمن التقي يقاسي ألم سكرات الموت، سكرات الموت ألمه شديد أصعب ألم يمر على الانسان في حياته هو ألم سكرات الموت، ومع هذا، هذا المؤمن التقي وهو يقاسي سكرات الموت عندما يأتي ملائكة الرحمة قلبه يمتلىء فرحًا، ثم إن بعض الناس المؤمنين يموتون فجأة أي من غير أن يمرضوا وهم عند الله لهم درجات عالية، سيدنا نبي الله داود مات فجأة من غير مرض من غير أن يلزم الفراش من المرض قبض الله روحه، كذلك ابنه سليمان مات فجأة، هو سليمان عليه السلام كان لما يصلي ينبت في مصلاه شجرة فيقول لها لم خلقت فتقول أنا لكذا وكذا خلقت، الدواء الذي فيها تَذكره، مرة أخرى نبتت هذه الشجرة في مصلاه فقال لها لمَ خلقت فقالت خلقت لخراب هذا البيت معناه حان موتك، إشارةً لموتك فسأل الله أن يخفي موته عن الجن لأن الجن كان هو يقهرهم، الله أعطاه سرًا رؤوس الشياطين المردة يطيعونه مع كفرهم قسم منهم يبنون له أبنية وقسم يخرجون له الجواهر من البحار يشغلهم بأشغال صعبة، وإذا خالفه أحد منهم الله يُنزل به عذابًا يهلكه لذلك كانوا يعملون له اعمالاً شاقة طلب من الله أن يخفي موته عن الجن وكان مرّة قائمًا يصلي متكأً على عصاه فمات قبض الله روحه وهو واقف بقي سنة وهو ميت والجن لا يعلمون بذلك كانوا يعملون الأعمال التي هو كلفهم بها ما شعروا بموته ثم بعد سنة دويبة صغيرة يقال لها الأرضة أكلتِ العصا، أكلت عصاه، فوقع فعرف الجن أنه مات.
 
ثم الجن شكروا هذه الحشرة صاروا يأتونها بالماء لما تبني بيتها على سقوف الخشب لتبل التراب الذي هي تبني به البيت، فرحًا بما فعلت صاروا يفعلون لها ذلك، هذه الحشرة معروفة في بلاد العرب تأكل الكتب والسقف الخشبي تنخره، أي شىء هو خشب تبني عليه بيتها.
 
كذلك كثير من الناس يموتون وهم ساجدون في الصلاة وبعض وهم واقفون وبعض وهم يمشون وبعض وهم يضحكون مع الناس ليس كما يقول بعض الناس من مات فجأة نزل عليه غضب الله، الولي يموت فجأة والكافر الفاجر يموت فجأة هذه ليست علامة على غضب الله وعلى أن الميت لا خير له عند الله والصالحون كثير منهم يشدَّد عليهم عند الموت يصيبهم ألم سكرة الموت حتى يزداد أجرهم عند الله، الله تعالى يزيدهم درجات، والله يحفظهم من أن يتخبطهم الشيطان لأن الشيطان يبذل جهده عند الموت في إغواء المؤمن لإخراجه من الإيمان إلى الكفر، الصالحون لا يؤثر فيهم إغواء الشيطان يبقون على اليقين على الإيمان الكامل أما بعض الناس يكفرون، من شدة الألم لا يصبرون فيكفرون، يسبون الله فيكون ختم لهم بسوء الخاتمة الله يحفظنا من أن يتخبطنا الشيطان عند الموت.
 
ثم إن المؤمن الوليَّ إنما صار وليًا لأنه تعلم علم الدين العقيدة والأحكام على مذهب أهل السنة، اعتقد عقيدة أهل السنة التي كان عليها الرسول والصحابة ومن تبعهم بالاتصال إلى هذا الوقت، أما من لم يتعلم علم أهل السّنة فمهما عمل من العبادات مهما اجتهد في العبادات لا يصير وليًا، مهما أكثر من الذكر مهما أكثر من قراءة القرءان، مهما أكثر من الحج والصدقات لا يصير وليا، لذلك أهم أمور الدين عقيدة أهل السنة وهي معرفة الله بالتنزيه ومعرفة رسوله، هذا أصل العقيدة، عقيدة الإيمان، هذا أصل عقيدة الإسلام، الله تبارك وتعالى لم يكن في الأزل غيره قبل أن يخلق الله العالم ما كان مكان ولا جهة، ما كانت الجهات الست فوق وتحت وأمام وخلف ويمين وشمال، ما كان نور ولا ظلام والله تعالى موجود ليس لوجوده ابتداء، وما سوى الله كله لم يكن ثم كان هو خلقه.
 
أول ما خلق الله الماء والعرش ثم مضى زمان لا نور ولا ظلام ما كان ليل ولا ظلام بعد ذلك بزمان خلقهما الله، خلق الليل أولاً قبل النهار، ثم الله خلق العالم على صنفين صنف حجم وصنف صفة الحجم، الحجم إما أن يكون كثيفًا وإما أن يكون لطيفًا الضوء والريح والظلام والروح هؤلاء حجم لطيف لا ينضبط باليد لا يجس باليد حتى يضبط، وقسم من الحجم شىء يجس باليد كالانسان والحجر والشجر والنجم والشمس والقمر كل هؤلاء حجم يجس باليد، قبل أن يخلق الله العالم ما كان حجم لطيف ولا حجم كثيف، ثم الله جعل للحجم اللطيف والكثيف صفات، الحجم اللطيف والحجم الكثيف له مقدار، إما أن يكون شيئًا صغيرًا وإما أن يكون حجمًا كبيرًا وإما أن يكون بين هذا وهذا، أصغر شىء خلقه الله مما تراه العيون الهباء هذا الذي يرى في ضوء الشمس لما يدخل من النافذة كالغبار، وأكبر حجم خلقه الله العرش، العرش سرير له أربعة قوائم هو أوسع شىء مساحة من مخلوقات الله، فالله لا يوصف بالحجم الكبير ولا بالحجم الصغير لأنه لو كان له حجم لكان له أمثال في خلقه لذلك الله ليس حجمًا صغيرًا ولا حجمًا كبيرًا.
 
كذلك الله منزه عن صفات الحجم صفات الحجم الحركة والسكون، الحجم إما ساكن وإما متحرك وإما متحرك وقتًا وساكن وقتًا العرش والسموات السبع دائمًا ساكنان والنجوم دائمًا متحركة، والبهائم والجن والبشر يتحركون مرة ويسكنون مرة كذلك الحجم اللطيف الضوء أو الظلام له حركة وسكون الآن الليل أخذ مساحة من الفراغ ثم بعد طلوع الشمس ينزاح الظلام ويأخذ الضوء مساحته، يحل مكانه.
 
الله لا يوصف بأنه حجم لطيف ولا بأنه حجم كثيف ولا بأنه متحرك ولا بأنه ساكن، أي صفة من صفات العالم لا تجوز على الله هذا معنى الآية (ليس كمثله شىء)، هذه الآية تدل على هذا المعنى لفظها وجيز ومعناها واسع من اعتقد أن الله هكذا عرف الله أما من يعتقد خلاف هذا فهو لم يعرف الله، هذه الآية تنزه الله عن أن يكون متحيزًا في جهة فوق وعن أن يكون متحيزًا في جهة تحت، فمن اعتقد أن الله متحيز في جهة فوق كالوهابية فإنهم شبهوا الله بخلقه، فليسوا عارفين بخالقهم بل هم جاهلون بخالقهم، لو كان الله متحيزًا في جهة فوق لكان له أمثال كثير، ولو كان متحيزًا في جهة تحت لكان له أمثال كثير، هو الله تبارك وتعالى خلق الجهات الست وجعل بعض خلقه في جهة فوق كالعرش واللوح المحفوظ وجعل بعض خلقه في جهة تحت كالبشر والجن والبهائم.