إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قصّة الذّبيح إسماعيل عليه السّلام
 
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وألِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
 
يقول الله تعالى في القرءان العظيم ﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)﴾ سورة الصافات.
 
إنّ نبيَّ الله إبراهيم عليه السلام ءَاتَاهُ الله الحُجّة على قومه وجعله نَبِيًّا رسولا فكان عَارِفًا بالله يَعْبُد الله تعالى وَحْدَه ويؤمن ويعتقد أن الله خالق كل شيء وهو الذي يستحق العبادة وَحْدَهُ مِن غَير شَكٍّ ولا رَيْبٍ، ثم إنه ذاتَ يَوْمٍ طَلَبَ مِن رَبِّهِ أن يَرْزُقَهُ أَوْلادًا صَالحِين، قال فِيمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ في القرءان ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101)﴾ فرَزَقَهُ الله تعالى إسماعيلَ وإسحاقَ.
وَلَما كَبِرَ إسماعِيلُ وَصَارَ يُرافِقُ أبَاهُ ويَمشي معه، رأَى ذَاتَ لَيلةٍ سَيِّدَنا إبراهيمَ عليه السلامُ في المنامِ أنه يَذبَحُ وَلَدَه إِسماعيلَ، قال تعالى إِخبارًا عن إبراهيم ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (102)﴾ الآيةَ سورة الصافات، ورُؤْيا الأنبياءِ وَحْيٌ، فَأَخْبَرَ بِذَلِك وَلَدَه كمَا جاء في القرءان ﴿فَانظُرْ مَاذَا تَرَى (102)﴾ الآيةَ سورة الصافات، لم يَقْصِدْ إِبراهيمُ أنْ يُشَاوِرَ وَلَدَه في تَنْفِيذِ أَمْرِ اللهِ ولا كانَ مُتَرَدِّدًا إنما أَرادَ أَنْ يَعْرِفَ ما في نَفْسِ وَلَدِه، فجَاءَ جَوابُ إِسماعِيلَ ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾ سورة الصافات، وأما قوله ﴿إِنْ شَاء اللَّهُ﴾ لأنَّه لا حَرَكةَ ولا سُكُونَ إلا بمشيئةِ اللهِ تَكُونُ، فأَخَذَ إبراهيمُ ابْنَهُ إسماعِيلَ وابْتَعَد به حتى لا تَشْعُرَ الأُمُّ، وأَضْجَعَهُ علَى جَبِيْنِه، قال تعالى ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ سورة الصافات، فقَال إِسماعيلُ (يا أَبَتِ اشْدُدْ رِبَاطِي حتَى لا أَضْطَرِبَ واكْفُفْ عَنِّي ثَوْبَكَ حتَى لا يَتَلَطَّخَ مِن دَمِي فَتَراهُ أُمِّي فَتَحْزَنَ، وَأَسْرِعْ مَرَّ السِّكِّينِ علَى حَلْقِي لِيَكُونَ أَهْوَنَ لِلْمَوْتِ عَلَيَّ، فإِذا أَتَيْتَ أُمِّي فأَقْرِئ عَلَيْها السَّلامَ مِنِّي) فأَقْبَلَ عليه إبراهيمُ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي وَيَقُولُ نِعْمَ العَوْنَ أَنْتَ يا بُنَيَّ علَى أَمْرِ اللهِ، فَأَمَرَّ السِكِّينَ عَلَى حَلْقِه فَلَم تَقْطَعْ، وقيل انْقَلَبَتْ.
 
فقَال له إسماعيلُ ما لك؟
قال انْقَلَبَتْ،
فقال له اطْعَنْ بِها طَعْنًا، فَلَمَّا طَعَن لم تَقْطَعْ شَيئًا، وذَلِك لأنَّ الله هو خالِقُ كلِّ شىءٍ وهو الذِي يَخْلُقُ القَطْعَ بالسِّكِّين.
وَنُودِيَ يا إبراهيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُؤْيا، هذا فِدَاءُ ابْنِكَ، فَنَظَر إبراهيمُ فإذا جِبريلُ مَعَهُ كَبِشٌ مِن الجَنَّةِ، قال تعالى ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ أي أنَّ اللهَ تَعالى خَلَّصَ إِسماعيلَ مِن الذَبْحِ بِأَنْ جَعَلَ فِداءً له كَبِشًا أَقْرَنَ عَظِيْمَ الحَجْمِ والبَرَكَةِ.
 
وسُبحانَ اللهِ والحمدُ لله والله تعالى أعلمُ وأحكمُ.