إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وآلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
قَالَ الله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (سورة يس آية 38) دليلٌ على أنّ الشّمسَ تَجري وليسَت ثابتَة لا تتحرك.
قولهم بدَوران الأرض لا أساسَ لهُ، الصّحيحُ أنّ الشّمسَ هيَ تَجري قال إبراهيمُ للنُّمرود (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ) فبُهِتَ النُّمرود.
وقال اللهُ تَعالى (الشَّمسُ وَالقَمَرُ بـِحُسبَانٍ (5)) سورة الرحمٰن، مَعناهُ الشمسُ وَالقَمَرُ يَـجريانِ بِـحِسابٍ قَدَّرَهُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى، فَجَرَيانُ الشمسِ سُلوكُها في مَدارٍ خَصَّصَها اللهُ تَعالى لـها.
اللهُ تَبارك وتعالى جَعَلَ لِعِبادِهِ نَفعًا في الـمخلوقاتِ فبَني آدَمَ اللهُ تَعالى جَعَلَ له نَفعٌ فيمَا يَأكُلُهُ وفيما يَشرَبُهُ، وكذلِكَ جَعلَ اللهُ تَعالى مَنافِعَ كَثيرَةً في الشمسِ وَالقَمَرِ وَالكَواكِبِ لذلِكَ جَعَلها اللهُ آياتٍ للنَّاسِ أَي عَلاماتٍ للنَّاسِ، وَمِن هذِهِ الـمنافِعَ الأُمورِ الـمتَعَلّقَةِ بالشمسِ وَالقمرِ، قال اللهُ تَعالى ﴿الشَّمسُ وَالقَمَرُ بـِحُسبَانٍ (5)﴾ سورة الرحمٰن، مَعناهُ الشمسُ وَالقَمَرُ يَـجريانِ بِـحِسابٍ قَدَّرَهُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى، فَجَرَيانُ الشمسِ سُلوكُها في مَدارٍ خَصَّصَها اللهُ تَعالى لـها كَمَا قال تَعالى في سورةِ يس ﴿وءايَةٌ لَّـهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلـمونَ (37) والشَّمسُ تَـجرِي لـمستَقَرّ لـهَا ذلك تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ (38)﴾ سورة يس، فالليلُ عَلامَةٌ دالَّةٌ عَلى توحيدِ اللهِ وقدرَتِهِ وَوُجوبِ إِلاهيتِهِ، والسلخُ الكَشطُ والنَّزعُ؛ وَالـمعنى نسلخُ عنهُ ضِياءَ النَّهار، ﴿فإذَا هُم مُظلـمونَ﴾ أي في ظُلـمةٍ.
عَنْ أَبِي ذَرّ قال سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وَسلـم عَن قَولِ اللهِ تَعَالى ﴿وَالشَّمسُ تَـجرِي لـمستَقَرٍّ لَّهَا﴾ قالَ (مُسْتَقَرُّهَا تَـحتَ العَرشِ) رواهُ مسلـم، وعَنْ أَبِي ذَرّ أيضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عليهِ وَسلـم قال يَومًا (أَتَدرُونَ أَينَ تَذهَبُ هَذِهِ الشَّمسُ) قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلم، قال (إِنَّ هَذِهِ تَـجرِي حتى تَنتَهِيَ إِلى مُستَقَرّهَا تَـحتَ العَرشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً ولا تَزالُ كذلكَ حتى يُقالَ لـها ارتَفِعِي ارجِعِي مِن حَيثُ جِئتِ فَتَرجِعُ فَتُصبِحُ طالِعَةً مِن مَطلِعِهَا ثـم تَـجرِي حتى تَنتَهِيَ إِلى مُستَقَرّهَا تـحتَ العَرشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حتى يُقَالَ لـها ارتَفِعِي ارجِعِي مِن حَيثُ جِئتِ فَتَرجِعُ فَتُصبِحُ طَالِعَةً مِن مَطْلِعِهَا ثـم تَـجرِي لاَ يَسْتَنكِرُ النَّاسُ منها شَيئًا حتى تَنتَهِيَ إِلى مُسْتَقَرّهَا ذَاكَ تَـحتَ العَرْشِ فَيُقَالُ لـها ارتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِن مَغْرِبِكِ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِن مَغرِبِـهَا) فقال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلـم (أَتَدْرُونَ متى ذَاكُم ذَاكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفسًا إيـمَانُهَا لـم تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبلُ أَو كَسَبَتْ في إيـمَانِـهَا خَيرًا) رواهُ مسلـم.
فالشمسً تَـمشي في فَلكٍ خَلقَهُ اللهُ تَعالى لـها، تَـمشي في فَلكٍ أَي مَدارٍ، طَريقٍ خَلَقَهُ اللهُ تَعالى لـها، وَسَيرُ الشمسِ هذا أَيضًا فِيهِ مَنفَعَةٌ لِبَني ءادَمَ بَل مَنافعَ كَثيرَةً، وكذلك القَمرُ يَـجري ﴿وَالقَمَرَ قَدَّرنَاهُ مَنَازِلَ حتى عَادَ كَالعُرجُونِ القَدِيـمِ (39)﴾ سورة يس، فيَقطعُ الفَلَكَ في ثَـمانٍ وَعِشرينَ ليلة، ثـم يَستَتر ثـم يطلع هِلالا فيَعودُ في قِطَعِ الفلك عَلى الـمنازِل وهيَ منقَسِمَة على البُروجِ، فعجل اللهُ للقَمِرِ مَواضِعَ أَي يَتَحَرَّكُ في مَواضِعَ وَأَشكالٍ، فَمِنَ الإهلالِ إلى الإبدارِ إلى الاختِفاءِ ثـم الشُّروقِ عَلى مَدارِ الأَيامِ، اللهُ تَعالى جَعَلَ هاتَينِ الآياتَينِ الشمسُ وَالقَمَرُ يَـجريانِ بِـحُسبانٍ أَي بِشَيءٍ قَدَّرَهُ اللهُ تَعالى لـهما.