إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وألِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ و الصالحينَ.
 
قال الله تعالى (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) (سورة النساء آية 141).
 
فإن ظهور الكافر في الدنيا في بعض الأمور وتغلبه على بعض النواحي وحصول كثير من الفتن في بلاد المسلمين، هذا كله ‏ابتلاء من الله عز وجل، ولا يعني ذلك أن الله تعالى يحب هذا الفاسق الضال أو ذاك المجرم لأن العبرة بما عند الله عز وجل ‏وليس بالغلبة في الدنيا، لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كما جاء في الحديث الشريف.
بعض الناس يستعملون آيات من كتاب الله في غير محلها، قول الله تعالى (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) ‏وهذه الآية من سورة النساء، قال القرطبي للعلماء فيه تأويلات خمس‎:
 
أحدها: قال رجل لعلي بن أبي طالب يا أمير المؤمنين، أرأيت قول الله (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) كيف ‏ذلك وهم يقاتلوننا ويظهرون علينا أحيانا! فقال علي رضي الله عنه معنى ذلك يوم القيامة يوم الحكم، وكذا قال ابن عباس ‏ذاك يوم القيامة، قال ابن عطية وبهذا قال جميع أهل التأويل.
 
الثاني: إن الله لا يجعل لهم سبيلا يمحو به دولة المؤمنين ويذهب آثارهم ويستبيح بيضتهم كما جاء في صحيح مسلم من ‏حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح ‏بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني قد أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة وألا أسلط عليهم ‏عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم ‏بعضا)‎.
 
الثالث: إن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا منه إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ويتقاعصوا ‏عن التوبة فيكون تسليط العدو من قبلهم كما قال تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)، قال ابن العربي وهذا ‏نفيس جدا‎، قلت ويدل عليه قوله عليه السلام في حديث ثوبان (حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا) وذلك أن‎ (حتى)‏‎ ‎غاية، فيقتضي ظاهر الكلام أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم‎ ‎لبعض، وسبي ‏بعضهم لبعض، وقد وجد ذلك في هذه الأزمان بالفتن الواقعة بين المسلمين فغلظت شوكة الكافرين واستولوا على بلاد ‏المسلمين حتى لم يبق من الإسلام إلا أقله فنسأل الله أن يتداركنا بعفوه ونصره ولطفه‎.
 
الرابع: إن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعا، فإن وجد فبخلاف الشرع‎.
 
الخامس: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا أي حجة عقلية ولا شرعية يستظهرون بها إلا أبطلها ودُحضت. انتهى
 
فمن سعى في استعمال هذه الآية وأشباهها في ضرب القرآن بعضه ببعض فقد خاب مسعاه فالقرآن له أهل علم فسروه ‏وبينوا معاني آياته الكريمة، والحمد لله تعالى.