إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قَالَ الإمَامُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَرَّمَ وَجْهَهُ (الْيَوْمَ الْعَمَلُ وَغَدًا الْحِسَابُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ (1).
قَوْلُ (كَرَّمَ وَجْهَهُ) عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ اسْتَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَفَاةِ عَلِيٍّ وَلا بَأْسَ بِقَوْلِهِ وَقَوْلِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَلَيْسَ قَوْلُ (كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ) خَاصًّا بِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ بَلْ يُوجَدُ غَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ كَعَبْدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِيهِمْ مَنْ وُلِدَ ضِمْنَ الْكَعْبَةِ كَمَا وُلِدَ عَلِيٌّ فِي الْكَعْبَةِ فَإِنَّ حَكِيمَ بنَ حِزَامٍ وُلِدَ فِي الْكَعْبَةِ، وَتَمَامُ الرِّوَايَةِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ (ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، الْيَوْمَ الْعَمَلُ وَلا حِسَابَ وَغَدًا الْحِسَابُ وَلا عَمَل).
وَمَعْنَى قَوْلِهِ (ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا) أَيْ سَارَتِ الدُّنْيَا، وَمَعْنَى (مُدْبِرَةٌ) أَيِ الدُّنْيَا سَائِرَةٌ إِلَى الِانْقِطَاعِ وَالآخِرَةُ سَارَتْ مُقْبِلَةً فَالدُّنْيَا دَارُ الْعَمَلِ، وَالآخِرَةُ دَارُ الْجَزَاءِ عَلَى الْعَمَلِ، دَارُ الْحِسَابِ وَلَيْسَتْ دَارَ الْعَمَلِ.
(1) الرِّقَاقُ كِتَابٌ مَخْصُوصٌ فِي أَوَاخِرِ الْجَامِعِ الْمُسْنَدِ لِلْبُخَارِيِّ.