إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
كتاب الدرة الوضية في توحيد رب البرية
يليه: ترجمة شيخ علماء بيروت المحدث محمد الحوت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، فهذا كتاب الدرة الوضية في توحيد رب البرية للشيخ المحدث السيد محمد الحوت البيروتي. وهو من علماء بيروت المشهورين بل شيخ علمائها. ويليها ترجمته رحمه الله.
متن الكتاب
قال الشيخ مُحمد الحوت:
الحمد لله المنفرد بالإيجاد والإعدام، المتوحد بالتأثير والإبداع وخلق الأعراض والأجسام، المنزه عن الحلول والاتحاد بشيء غيره من جميع الأجرام، القاهر فوق عباده، المنعم على أهل وداده المتفضل بإرشاده فلا وجوب عليه ولا إلزام، الذي أبدع بلا مثال واتصف بكل كمال، يليق به، وقدّر الأرزاق والآجال، ودبّر الليالي والأيام، المحيط علماً بالكليات
والجزئيات، المتصرف بالعلويات والسفليات، المهيمن على جميع الجهات، فلا حصر له تعالى بخاص ولا عام. الذي تنزه عن الكيف والكم وعن الفرح والحزن والغم وعن الألم والذوق والشم، وتردى بالكبرياء والعظمة على الدوام، المتعالي عن الأين، المتحجب عن رؤية العين، المحسن بكشف الغطاء يوم رفع الرين (1) ليراه المحبون للإعزاز
والإكرام.
فسبحان من تعزز عن الإدراك وتعاظم عن الإشراك وتحجب عن الرسل والأملاك، فاستوى في الحجب عن حقيقته جميع الأنام.
أحمد من قدّر الأمور في القدم وأخرج الكائنات من العدم، وقضى وأمر وحكم، واتصف بالقدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام، وتعالى عن المكافأة والمماثلة، وعن المشابهة والمشاكلة وعن المضاهاة والمعادلة، ليس كمثله شيء فلا تتخيله الأوهام.
وأصلي وأسلم على رسوله الأعظم ونبيه الأكرم وخليله الأفخم الذي رقاه لأعلى مقام سيدنا محمد المصطفى وءاله وصحبه أولي الوفا وعترته الكرام الشرفا، المحفوظين من الإصرار على الآثام، متعنا الله باتباعه وجعلنا من أتباعه وأحيانا على سنته وأماتنا على ملته وجعلنا من حزبه المفلحين ومن أصحاب اليمين، يوم تتميز الرسل عن غيرهم بالمنابر والأعلام،
صلاة يفوق نشرها ويفوح عطرها ويدوم برها ويستمد منها بركات ذي الجلال والإكرام.
وبعد، فهذه درة نفيسة في علم التوحيد لا على طريقة الجدل ولا مدخل فيها للخلل وهي لنفع المبتدئ إن شاء الله تعالى.
إعلم هداك الله وبصّرك في ءالائه أن هذا العالم علامة على خالقه وأن كل أثر يرشد إلى مؤثره، قال تعالى: { وفي الأرض ءاياتٌ للموقنين وفي أنفسكم } وقال تعالى: { أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق اللهُ من شيء } وقال تعالى: { ولئن سألتهم مَن خلق السموات والأرضَ ليقولنّ الله } وقال تعالى: {
إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير } وقال تعالى: { وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجناتٌ من أعناب } الآية وقال تعالى. { هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه } وقال تعالى: { ما خلْقكم ولا بعثُكم إلا كنفسٍ واحدة } وقال تعالى: { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } الآية وقال
تعالى: { وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا } الآية وقال تعالى: { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } الآية وقال تعالى: { ألا يعلم مَن خلق وهو اللطيف الخبير } ومعناه ألا يعلم الخالقُ ما يخلقه أو ألا يعلم هو مَن خلقه.
وقال تعالى: { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } وقال تعالى: { وخلق كل شيء فقدّره تقديرا } وقال تعالى: { والله خلقكم وما تعملون } وقال تعالى: { وما تشاءون إلا أن يشاء الله } وقال تعالى: { يا أيها الناس ضُرِب مَثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له }
الآية وقال تعالى: { لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا } وقال تعالى: { قل لو كان معه ءالهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } وقال تعالى: { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كلُ إلهٍ بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } الآية وقال تعالى: { واسئل من أرسلنا مِن قبلِك مِن رسلنا أجعلنا من
دون الرحمن ءالهة يعبدون } وقال تعالى: { إن كلُ مَن في السموات والأرض إلا ءاتي الرحمن عبدا } وقال تعالى: { و هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم } أي هو معبود فيهما.
وقال تعالى: { قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين } وقال تعالى: { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده } وقال تعالى: { قل أرأيتم إن جعل اللهُ عليكم الليلَ سرمداً إلى يوم القيامة مَن إلهٌ غيرُ الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون } الآيات وقال تعالى: { وله ما
سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم } وقال تعالى حكاية عن إبراهيم: { الذي خلقني فهو يهدين } الآية وقال حكاية عن موسى: { كلا إن معي ربي سيهدين } وقال تعالى حكاية عن عيسى: { إن تعذبهم فإنهم عبادك } الآية وقال حكاية عن ءادم وحواء: { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا } الآية وقال حكاية عن يونس:
{ فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت } الآية وقال حكاية عن يعقوب: { إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله } وقال حكاية عن أيوب: { أني مسنيَ الضرُ وأنت أرحم الراحمين } وقال حكاية عن شعيب: { وما توفيقي إلا بالله } وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين: { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو
مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون } .
ولما تعلل أهل مكة بالخوف لو ءامنوا ردَ عليهم بما يدل على سعة علمه وبديع كلمه وعظيم قدرته قال تعالى: { وقالوا إن نتّبعِ الهدى معك نـُتخطف من أرضنا أوَلم نـُمَكـّن لهم حرماً ءامنا يُجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون } وقال تعالى: { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد
ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم } وقال تعالى: { والسماءَ بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } وقال تعالى: { قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات
رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون } وقال تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله } وقال تعالى: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } .
إذا تأملت ما في هذه الآيات البينات من الأسرار ونظرت ما فيها من سواطع الأنوار وما تضمنته من الدلالة على مالك الملك والملكوت أغناك ذلك عن النظر بغير كتابه فإن من لم يكن هُداهُ مِن قِبَلِه تعالى لا ينفعه براهينُ عقله، قال تعالى: { ومن لم يجعلِ اللهُ له نوراً فما له من نور } .
فعليك أخي بكتاب الله تعالى فإنه مشحون بالتوحيد وهو الدليل القاطع.
واعلم أن العقل لا يستقل بنفسه في الدلالة على الصانع المدبِر وإن اتسع فهمُه وتعاظم علمُه بل لا بد معه من معونة الله تعالى مع مقارنة اتباع الكتب المنزلة وإلا ضاع سعيه وقد ركب متنَ عمياء وخبط خبط عشواء وهوى في المهاوي المهلكة وهو لا يشعر، فكتاب الله تعالى هو حبل الله المتين مَن تمسك به أوصله إليه ودله عليه بواسطة الألطاف الإلهية فإنه
تعالى جعله طريق الهدى والسبيل المنجي من الردى (2) متعنا الله باتباعه.
واعلم أنه إذا ورد نصان ظاهرهما تناقض فلا بد من جمعٍ بينهما لتعمل بهما ولا تفرق بين ءاياته إلا إذا ورد نص ينسخ المتأخر للمتقدم فيكون العمل بالأخير، والنسخ (3) لا يكون في أمر يتعلق بالاعتقاد بل هو خاص بعلم الفروع كصلاة وصوم وحج ونحوها وكذا لا يكون النسخ في الخبر إذا كان المقصود منه الإخبار، وأما إذا كان خبراً يراد به أمر أو
نهي فيدخله نسخ لأن المراد به الحكم دون الخبر. أما الخبر المحض فلا يتعلق به نسخ لأنه لو نسخ للزم كذب في خبره تعالى وهو محال فالنسخ يتعلق بالأحكام فقط فافهم ذلك.
فبناء على ما تقرر من وجوب الجمع بين النصوص فإذا سمعت قوله تعالى { الرحمن على العرش استوى } وقوله تعالى: { يخافون ربهم من فوقهم } مع قوله تعالى: { فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } ومع قوله تعالى: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ومع قوله تعالى: { وهو معكم أينما كنتم }
ومع قوله تعالى: { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } ومع قوله تعالى: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } الآية.
فإن كنتَ واسعَ القلب فسيح الصدر عظيم الذوق والإدراك رددت عِلمَ جميعِ ذلك له تعالى ونزّهته عن المعنى الحسي المفهوم من ظاهر الرأي كما كان عليه قرن الصحابة ومن تبعهم بإحسان، وهذا المذهب الأسلم والطريق الأقوم؛ وإن كنت لست من فرسان هذا الميدان فارجع إلى التأويل كما عليه أئمة معتبرون وهم مَن جاء بعد القرون الثلاثة تقريباً لفهم القاصر
وتطميناً لقلبه دفعاً للخواطر، وقد أوّلَ الخلفُ الاستواءَ بالقهر والاستيلاءِ على العرش وما دونه من الخلق كلهم، فهو منزَهٌ عن الاستقرار والجلوس ونحوهما (4) .
قال الشاعر: قد استوى بشر على العراق … من غير سيف ولا دم مهراقِ.
فأراد أنه استولى عليه دون استقر. ولما فهمت اليهود من مثل هذه الآية في التوراة أن المراد الاستقرارُ الحسيُ قالوا إنه تعالى تعب من خلق السموات والأرض في ستة أيام فلما فرغ استلقى يوم السبت على العرش واتخذوه عيداً وراحة، وهذا من شؤم فهمهم كما فهِم مثلَ فهمهم جماعة من الحنابلة المتأخرين فوقعوا في ورطة التجسيم (5) وحملهم
على ذلك أن سيدنا الإمام أحمد يمنع التأويل (6) ، فيا ليتهم حيث قلدوه في منع التأويل كانوا قلدوه في وجوب التنزيه لكنهم تبعوه في بعض وخالفوه في بعض.
قال الشاعر: حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ.
متعنا الله باتباع كتابه العزيز وحمانا مما يوقع في الهوى.
والتأويل مذهب المعتزلة، ولا يلزم من كونه مذهب المعتزلة أن يكون ممنوعاً فإنه جرى عليه كثير من أهل السنة من المذاهب الأربعة مع أن الأئمة كلهم من السلف، لا من الخلف.
ومذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم. وقد سئل سيدنا الإمام مالك رضي الله عنه عن الاستواء فأجاب بقول: “الاستواء غير مجهول والكيف (7) غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعاً”. (8) وسئل سيدنا الإمام الشافعي رضي الله عنه فقال: “ءامنت بالله واتهمت نفسي” وسئل سيدنا
الإمام أحمد رضي الله عنه فقال: “الاستواء كما يقول لا كما يخطر”. فكل منهم أجاب بالتسليم، ومن أين لنا قلوب مثل هذه القلوب المملوءة بالأنوار ويؤول القرب والمعية بقرب الرحمة والتصرف كل شيء بحسبه.
وقد أوِلَتِ اليد (9) بالقدرة وقد جاء في كلام العرب اليد بمعنى النعمة وبمعنى القوة، وأوِلَ الوجهُ بالذات (10) أو بالوجود، والجانب بمعنى الحق، والفوقية (11) بمعنى التعالي في العظمة، والعين بالحفظ، والمعية بمعنى معية العلم (12) أو معية الحف، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فهذه الآية قاطعة في منع المشابهة
لشيء من الأشياء لأن الشيء واقع في سياق النفي وهو نكرة تعم فلا يبقى شيء فليس له شبيه أصلاً.
ثم إنهم اختلفوا في هذا التركيب من حيث العربية فقيل ان الكاف مزيدة لدخولها على لفظ “مثل” والكاف بمعنى مثل، وقيل الكاف أصلية و”مثل” مقحم أي مزيد، وقيل “المثل” بمعنى الصفة ولا زيادة، والمعنى: ليس كصفته شيء على حد قوله تعالى: { وله المثل الأعلى } فُسِرَ بالصفة العليا. وأما قول من قال ليس مثله مثل
شيء وهو أبلغ في نفي المثل فليس بجيد إذ ذلك يثبت المثل والمقصد نفيه وحينئذ يجب الجمع بين هذه الآية وبين النصوص التي في معناها حدوث وتغير كالغضب والعجب والمحبة والرحمة والضحك (13) فيؤوَل كل لفظ من هذه الألفاظ بعاقبته ومآله فعاقبة الغضب الانتقام وعاقبة العجب الرضى وعاقبة المحبة الرضى والإثابة وعاقبة الرحمة الإحسان
وعاقبة الضحك الرضى.
سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ءايات من كتاب الله تعالى ظاهرها شبه التعارض كقوله تعالى: { فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون } مع قوله: { يومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان } الآية وعن قوله تعالى: { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصمّا } وكقوله تعالى: { هذا يوم لا ينطقون
} الآية مع قوله تعالى: { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } ومع قوله تعالى: { وإذ يتحاجون في النار } الآية وقوله تعالى: { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم } وما أشبه ذلك من الآيات فقال للسائل هون عليك فإن القيامة مواقف شتى ومعناه أنهم بحسب المواقف يكون الجمع بين الآيات ففي موقف يُسألون
ويتكلمون، وفي موقف ءاخر يُمنعون من ذلك، وحينئذ فلا تناقض في خبره تعالى إذ الجمع واجب.
فإن قيل: كيف جوّز الخلفُ التأويلَ مع قوله تعالى: { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله } مع أن السلف كانوا يتعمدون الوقف على لفظ الجلالة؟ فالجواب عنه: المذموم تتبع المتشابه لقصد وقوع الناس في الفتنة والريب والشك بخلاف مَن أوّل المتشابه عند الحاجة للتأويل لإصلاح
الحال ودفع الشبه عمن لا يقدر على التسليم فليس ذلك لطلب الفتنة بل لدفعها عن الناس، وقد قال تعالى: { والله يعلم المفسدَ من الصلِح } وفي السنة: “إنما الأعمال بالنيات“.
والجواب عن وقوف السلف على لفظ الجلالة إنما كان بحسب علمهم وقوة إيمانهم فلا يرغبون التأويل ولا حاجة لهم به، وقد وقف مَن بعدَهم على قوله تعالى: { والراسخون في العلم } ثم يبتدئون بقوله تعالى: { يقولون ءامنا به كل من عند ربنا } أي كل من المتشابه (14) والمحكم (15) من عند الله يجب به الإيمان.
وأيضاً فمن جوّز تأويل المتشابه لا يجزم بأن هذا هو مراد الله تعالى وإنما هو تقريب للفهم مع جواز غيره، وهذا في كل تأويل لأنه قد يكون للآية جملة من المعاني لأن الحق تعالى محيط بما يتضمنه كل كلام وما يصلح له، انتهى.
إذا علم ما تقرر فاعلم أنه يجب على كل مكلف معرفته تعالى لقوله تعالى: { فاعلم أنه لا إله إلا الله } فالمعرفة فرض عين على كل مكلف وهو البالغ العاقل، الذي بلغته دعوة الإسلام، والمعرفة هي جزم القلب الموافق للحق عن دليل فلا يكفي الظن في أمر التوحيد لقوله تعالى: { وان الظن لا يغني من الحق شيئا } فلا بد من عقد القلب،
ولذلك سمي اعتقاداً وعقداً كأنه ربط قلبه بذلك الأمر وعقده عليه؛ والعرب تسمي الأمر المحتم عقداً ومنه قوله تعالى: { ولا تعزموا عقدة النكاح } .
قال الشاعر: قومٌ إذا عقدوا عقداً لجارهم … شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا.
وهذا العقد لا بد أن يتقدمه نظر في المصنوعات ليستدل على خالقها.
اختلفوا في أول واجب فقيل: معرفة الله، وقيل: النظر الموصل للمعرفة.
واختلفوا في إيمان المقلد، والمشهور صحة إيمانه. وكذا المشهور أن إيمان العوام ليس تقليداً بل عن نظر واستدلال لكنهم لا يقدرون على كيفية الدليل ودليلُهم مجمَلٌ من دون تفصيل، وذلك فإن الصحابة كانوا لا يسئلون عن الدليل عند إسلامهم لأن الإيمان والإسلام يتنوران بالممارسة على الأسباب المنتجة لهما.
والإيمان تصديق الرسول بكل ما جاء به من عند الله تعالى بأن ينسب النبيَ إلى الصدق في إخباره عن الله تعالى ويمتثل ذلك باطنا.
والإسلام هو الاستسلام في الظاهر بأخذ أحكام الشرع بالرضى والقبول وينقاد بظاهره لأحكام الشرع كلها، قال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما } فشرط لصحة الإيمان الانقياد في الظاهر والباطن والتسليم ودفع الحرج عن النفس.
ثم الإسلام والإيمان يتغايران لفظاً وهما متلازمان في نفس الأمر (16) لأنه لا يوجد مسلم حقيقة إلا وهو مسلم وعكسه بخلاف المنافق فإنه مؤمن في الدنيا فقط لأجل إجراء حكم الإسلام عليه وأما في الآخرة فهو أشد ضرراً ممن أظهر الكفر لأن ضرر النفاق في الدنيا على أهل الإسلام أشد من ضرر الكافر لأنا نقاتل الكافر دون المنافق حيث لا نعلم
حقيقة أمره، والكافرُ حاله ظاهر.
ثم اختلفوا في أن الإيمان يزيد وينقص والمشهور أنه يزيد وينقص بظهور الأدلة والأعمال الصالحة فيشرق في القلب كالشمس بدون حجاب ومع وجود حجاب.
واختلفوا في قول العبد أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، فمِن مانع مِن ذلك لكون إن تفيد الشك، ومِن مجيز لأن الأشياء لا تقع إلا بالمشيئة أو نظراً لما يؤول له الأمر، واتفقوا على جواز ذلك بقصد التبرك باسمه تعالى، وهذه مباحث فيها كلام كثير.
القاعدة الأولى: الوجود .
من قواعد التوحيد اعتقاد وجود الحق تعالى. وهي صفة نفسية لا يعقل الذات إلا بها، ووجوده تعالى بذاته لا من مادة وعنصر وليس موقوفاً على أمر ءاخر.
والوجود نوعان: وجودٌ قديم وهو واجبٌ وهو وجودُ الحق تعالى. قال تعالى: { ذلك بأن الله هو الحق } أي الثابت الوجود المحقق (17) . والوجود الثاني وجود جائز ممكن وهو وجود مَن عداه، وذلك كل الأكوان.
ثم وقع في كلام المتأخرين من المتصوفين ما لم يتكلم به أحد من السلف وهو قولهم بوحدة الوجود وأن الوجود واحد وهو وجود الحق تعالى، وهذه العبارة كفر فلذا وجب الإعراض عن القول بها ولا يُتمسك بمن قالها لأنا مقتدون به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه، ولا يقال فلان معتبَر وقد تكلم بها، لأنا نقول لم نؤمر بالاقتداء به وإنما أُمِرنا بالاقتداء بالسلف بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرجوع لما عليه السلف سلامة والخوض في قول غيرهم سبب للندامة. ثم هذا القول المذكور المعَبَرعنه بوحدة الوجود (18) أُريدَ به اتحاد الحق بالخلق وأنه لا شيء سواه ويقولون: الكل هو وأنا من أهوى ومَن أهوى أنا وفي كل شيء له ءاية تدل على أنه عينه. فهذا القول كفر وقد غلب أهله النصارى فإنهم
خصوا الحلول بعيسى وهؤلاء عمموا في كل شيء دفع اللهُ شرَهم عن الأمة وعمهم باللطف والرحمة.
إذا فهمت ما تقرر لك من ذلك فاعلم أنه تعالى منزَهٌ عن الحلول والاتحاد بشيء من الكون وأن الخالق تعالى مخالف للخليقة. وأول مَن أظهر هذا المذهب أبو سعيد القرمطي من أهل البحرين، وفعل أبو سعيد هذا وأخوه أبو طاهر بأهل الإيمان من القتل والاغتيال على بلاد الإسلام ما لم يفعله كافر من أهل الحرب حتى بلغ أن أبا طاهر قتل الحُجاجَ بمنى يوم
النحر وجعلهم مكان الأضحية وقد عجّل الله له العقوبة وأنزل الله تعالى عليه وعلى بعض أصحابه بلاء كالطاعون فهلك عن قرب هو وجملة من جنده بذلك الداء، ثم اقتلعوا الحجر الأسود وأخذوه لبلادهم فبئس الاعتقاد وبئس المذهب وبقي هذا الاعتقاد وانتشر مع كثير من الناس.
القاعدة الثانية: القِدَم (19) .
يجب له تعالى القِدَمُ فهو قديم أزلي، والقدم عبارة عن عدم الأولية (20) أو عن عدم سَبْق الحدوث، وذلك أنه لا مبدأ لوجوده ولا يدخل في وجوده زمان ولا مكان فإنه السابق على الزمان والمكان. وليس القدم بمعنى طول الأزمنة كما في قوله تعالى: { حتى عاد كالعرجون القديم } بل معناه كما تقرر، وحينئذ يجب اعتقاد حدوث العالم بأسره
ولا عبرة بقول الفلاسفة القائلين بقدم العناصر وهي الماء والتراب والرياح والنار، لأنها وإن كانت أصلاً للحوادث (21) لكنها متغيرة وكلُ متغيرٍ حادثٌ، فالقديم حقيقة هو الخالق الموجِد لكل شيء. قال تعالى: { وخلق كل شيء } والعناصر من جملة أفراد الشيء فهي حادثة. وقد عُلم مما تقرر انقسام الوجود إلى حادث وقديم، فالقدم
صفة الخالق، والحدوث صفة الخلق.
واعلم أنه يقع في تعبير من يتساهل في العبارة أنه صلى الله عليه وسلم نور (22) من القدم أو من الأزل، أو كان نوراً من القدم من العماء ونحو هذه العبارات، فهذا التعبير باطل مردود على قائله فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم من جملة خلق الله وهو سيدهم، وما يرويه أهل القصص من أن موسى سأل ربه منذ كم لك في الألوهية [الـخ] فهذا كذب
محض لأن رسل الله تعالى لا يجهلون ما يجب له تعالى. وكذا قولهم أبرز الحقيقة المحمدية من محض النور، فالله منزه عن صفات الحوادث فلا تأخذ بظواهر مثل تلك الكلمات التي تكتب من دون تأمل فمقام الحق لا يمثل فافهم.
القاعدة الثالثة: البقاء .
يجب له تعالى صفة البقاء وهي عبارة عن عدم انتهاء الوجود أو عبارة عن عدم اختتام الوجود، وليس ذلك بمحدود. وكل من ثبت قدمه يستحيل عدمه لاستحالة التغير على القديم، وهذا بقاء واجب له تعالى . وأما ما تقرر في الشريعة من دوام الجنة والنار والعرش فهذا البقاء ليس بالذات بل لأن الله شاء لهم البقاء فهم باعتبار ذاتهم يجوز عليهم الفناء،
ووجوده تعالى لم يتغير فبقاؤه واجب لذاته لا لغيره . وبقاؤنا إنما كان لوعد الله ولا يخلف الميعادَ .
ثم نعيم الجنة باقٍ بالإجماع لا ينقطع، وأما عذاب أهل النار المؤمنين منهم فهذا ينقطع بالإجماع ويدخلون الجنة برحمة الله تعالى، وأما عذاب أهل الكفر فقيل ينقطع وهو قول شاذ لا يعول عليه لقوله تعالى: { ونادوا يا مالك ليقضِ علينا ربُك قال إنكم ماكثون } وقوله تعالى: { كلما خبت زدناهم سعيرا } وقوله تعالى: { كلما نضجت
جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } وقوله تعالى: { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض } .
واستدلال هؤلاء بقوله تعالى: { لابثين فيها أحقابا } بأن الحقب ثمانون سنة ليس في محله لأنه يجب رجوع معناه إلى الآيات الدالة على التأبيد جمعاً بين كلمات الله تعالى. وكذا لا دلالة في حديث “يأتي على جهنم زمان ينبت في قعرها الجرجير” لأنه ضعيف.
اللهم عاملنا بعفوك ولطفك وأجرنا من خزيك وعقابك.
القاعدة الرابعة: المخالفة للحوادث .
مخالفته تعالى للحوادث وهي عبارة عن نفي المماثلة فليس بنار ولا نور ولا روح ولا ريح ولا جسم (23) ولا عرَض ولا يتصف بمكان (24) ولا زمان ولا هيئة ولا حركة ولا سكون (25) ولا قيام ولا قعود ولا جهة ولا بعلو ولا بسفل ولا بكونه فوق العالم أو تحته (26) ، ولا يقال كيف هو ولا أين هو ولا ما هو ولا لماذا فعل
كذا أو حكم بكذا. والعمدة في هذه العقيدة قوله تعالى: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } لا يُسئَلُ عما يفعل وهو يُسئلون.
ومما يدلك عقلاً على عدم إدراكه وعدم الإحاطة بكنهه أنك إذا تأملت في تدبير روحك لجسمك وأنت هي وهي أنت وعجزت عن إدراك حقيقتها وعن كيفية تصرفها في جسمك وأين قرارها منك حالَ نومك ومن أين تأتيك عند يقظتك وكيف يدخلك الألم والفرح والحزن والغضب والحلم واللطف والرحمة وما شاكل ذلك من العوارض وأنت جازم بوجودها، علمت
عظمة الخالق لها والمدبرِ. ثم إذا نظرت إلى عدد أصحاب الأرواح وتصرفه فيهم كتصرفه فيك وتأملت في سعة عقلك وإدراكك للأشياء وكيف ينمو جسمك ولا تشعر بنموه ولا تدري من أين يأتيك الطول والعرض في أعضاء جسمك وكذلك كل جسم نامٍ وتأملت في حواسك وكيف اختص السمع بالأذن والبصرُ بالعين والنطقُ باللسان والذوقُ بالحلق والشم
بالأنف والإدراكُ بالقلب مع أن كل جسمك فيه لحم وعظم وعصب، وتأملت الرياح وعدمَ رؤيتها مع تحقق وجودها واختلاف طباعها وتأملت الماءَ وإيجاده على الدوام وأين قراره وخزائنه والمطر والسحاب والبرق والرعد والنبات وكيفية رزق الخلق وتغذيتهم وإخراج ما يضرهم من فضلاته وغير ذلك مما لايحيط به عقلٌ، علمتَ وأيقنت بعجزك عن معرفة حقيقته
تعالى لأن العجز عن إدراك المصنوع مع مشاهدته أو مشاهدة أثره أعظم دليل على العجز عن إدراك مَن صنعَ ذلك وأنه عظيم فوق جميع ذلك. فسبحان من أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً. ربنا ءاتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رَشدا.
واعلم أن بعض أهل الرفض قد مثلوه تعالى بخلقه، وذلك أنه صح أن جبريل كان يتمثل بصفة دحية الكلبي وبصفة أعرابي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي، وتمثل لمريم بشراً سوياً كما نطق به الكتاب العزيز، ومع هذه الحالة هو جبريل بعينه لم يتغير عن المَلكية، قالوا إذا قدر المخلوق على أن يتطور ويتلون بأشكال مختلفة فالخالق القادر على ذلك أقدر بأن
يظهر في صورة مخصوصة أو في صورة الكون، فجسّموا وشبهوا وجوّزوا الحلول ومرقوا من الدين كالسهم من الرمية وقالوا بألوهية علي وجعفر واتسع الخرق معهم إلى الفاطميين فاعتقدوا فيهم الربوبية ولا سيما الحاكم بأمر الله منهم، فإنه توغل في هذا الشأن. وهذا جهل عظيم بقياس مَن ليس له مثل على من له مثل، فإن جبريل جسم نوراني حادث
يقبل التغير والتنقل، والخالقُ تعالى ليس له عنصر ولا مادة ولا دلّ دليل على هذه الدعوى الباطلة سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. وأول من ابتدع لهم مذهب الرفض عبد الله بن السبأ كان يهودياً أسلم نفاقاً قصداً لإدخال الشبه على أهل الإسلام وقد نال منهم منالاً عظيماً وهو أول من أظهر للناس حب علي وتفضيلَه على الصديق، ولما علم علي بحاله
نفاه من الكوفة ثم ما زال يزين للناس فضلَ علي وحبَه حتى أوقعه في بغض الأصحاب ثم في ربوبية أهل البيت. وكذا حصل نظيره لبعض أهل الاعتزال كالنظام والجاحظ فإنهما كانا من غلاة المعتزلة وهم من المجسمين، وقد محق الله تعالى أصحابَ هؤلاء المذاهب الباطلة وأبادهم، ومَن بقي منهم كُتب عليه الذلة. وإنما بينتُ لك هذا لتعلم المفسدَ مِن
المصلح، نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظنا بحفظه من كل سوء في الدنيا والآخرة.
القاعدة الخامسة: القيام بالنفس .
قيامه تعالى بنفسه ومعنى ذلك أنه تعالى غنيٌ عن موجِدٍ يوجدُه ويُخصّصُه، هو رب كل شيء وخالق كل شيء. فهو الغني بذاته عن كل شيء لأنه لو كان له موجِدٌ لاحتاج موجدُه لمن يوجده وهكذا حتى يدور الأمر ويتسلسل وكلاهما محال. قال تعالى: { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } الآية. فهو الغني عن كل
شيء وإليه يفتقر كل شيء. ومن جملة استغنائه أنه تعالى ليس صفة يقوم بغيره (27) كما أن البياض والحركة والسكون قائمات بالأجسام فليس هو بجسم يملأ الفراغ ولا عرَض يقوم بغيره كقيام الصفة بموصوفها، بل هو الغني عن كل شيء الذي لا يحتاج لشيء ولا يتكمل بشيء، فهو فاعل مختار لا يجب عليه لخلقه شيء، بل كل ما يفعله من أفعاله
بالعباد فهو بالاختيار. وما يلائم العبدَ فهو من فضله عليه وما لا يلائمه فهو من عدله به. لا يُسئَلُ عما يفعل وهم يُسئلون، لا معقبَ لحكمه ولا رادّ لما يقضيه في الخلق.
أحكامه في خلقه كلها مقرونة بالحكمة، منها ما يدركه الخلقُ أو بعضُهم ومنها ما لا يعلم سرَه إلا هو، فيكون أمراً تعبدياً كالطهارة بالماء دون غيره والوقوفِ بعرفة وأمثال ذلك.
وبالجملة فالعبد تحت قهره تعالى وهو القاهر فوق عباده. فصفة العبد العجزُ والجهلُ والفقر والضعف، وصفة الحق تضادُّ صفة العبد، فصفته تعالى الغنى والقدرة والعلم وغيرها من صفات الكمال. قال (28) أبو سعيد الخراز: “مَن عرف نفسه عرف ربَه” وليس هذا حديثا ومعناه أنك إذا عرفت نفسك بالجهل عرفت ربك بالعلم، وهكذا
بقية الصفات. وقول العارفين: “إذا أراد قُربَك منه سلبَ عنك وصفَك وكساك مِن وصفِهِ لتكون أهلاً لخطابه“.
ليس المراد منه أن صفة الحق تقوم بالعبد لأن هذا عين الحلول الذي نطق به النصارى، وقد حكم اللهُ بكفرهم، وإنما معناه أنه تعالى يطهّرُ العبدَ من الوصف الذميم كالغضب والبخل ويجمّلُهُ بآثار صفاته العلية كالحلم والعفو والكرم فافهم ذلك.
وقول السيدة عائشة في صفة خلقه: “كان خُلُقهُ صلى الله عليه وسلم القرءانَ يحلل حلالَه ويحرّم حرامه” (29) أي كان متخلقاً بأوامر القرءان ونواهيه. وقول بعض العارفين أنها تحاشت أن تقول كان متخلقاً بأخلاق الله تعالى فقالت ذلك، فهذا التعبير غير جميل وإن كان يؤول بما تقدم لكن فيه إيهام لفَهْمِ مَن لم يفهم.
القاعدة السادسة: الوحدانية .
وهي عبارة عن نفي التعدد في الذات والصفات والأفعال فتنفي هذه الصفة الكمَ المتصلَ في الذات والصفات والمنفصلَ فيهما وفي الأفعال، وهي غير صفة الأحدية (30) فإن الأحدية تدل على تفرد الذات فقط ولا ينظر معها إلى الصفات، وأما الوحدانية فتدل على تفرد الذات مع وصفها بما يليق. والكم عندهم هو التعدد والمقدار فينتفي بالوحدانية
التركيبُ والشريكُ وهما كمٌ متصل ومنفصل، وينتفي تعدد الصفة واتصافُ غيره بصفته وهما كم متصل ومنفصل. وينتفي فعلُ غيره بمعنى أنه لا تأثير لشيء في شيء من الأكوان. وفي هذه المسئلة قد اختلف الناس على مذاهب فمذهب الفلاسفة أن الأشياء تؤثر في بعضها بطبعها وقتها كالنار في الحطب والسكين في الحبل وهذا كفر صريح.
ومذهب المعتزلة أنها تؤثر بقدرة وقوة أوجدها الله فيها ولولا ذلك لم تؤثر وهو فاسد لأنه يلزم منه أن قدرة الله تعالى لا تنفذ في ايجاد شيء إلا بالسبب فيكون مقهوراً محصوراً وهو باطل، ويلزم منه تعدد المؤثر ولا يؤثر إلا الإله القادر – فتكون الآلهة متعددة، وعلى هذه العقيدة قالوا: العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية.
وذلك باطل (31) لقوله تعالى: { والله خلقكم وما تعملون } وقوله تعالى: { وخلق كل شيء فقدّره تقديرا } (32) .
ومذهب البعض أن الأسباب مخلوقة بخلق الله تعالى وهو المؤثر وحده، لكن الربط بينها وبين ما قارنها عقليٌ لازم لا ينفك أبداً بمعنى أنه متى وجِدَتِ النارُ مع حطب حصل الإحراق بقدَر الله تعالى، وهؤلاء ينكرون معجزاتِ الرسل بلازم مذهبهم وخرقَ العادات، وهو جهل بما ثبت بالنصوص القطعية كإخماد النار على إبراهيم وفلق البحر لموسى وإحياء الموتى
لعيسى. وإن أنكروا هذا كفروا لتكذيب كتاب الله تعالى.
ومذهب أهل السنة متوسط بين هذه المذاهب (33) وهو أن الحق تعالى هو المؤثر ولا يحتاج لسبب، وله خرق العادات فهو الفاعل المختار (34) ويوجِدُ المسبَبات عند وجود الأسباب. فهو المتصرف في السبب والمسَبَبِ، وما يقع على أيدي العباد من الأفعال فهي مخلوقة له تعالى وليس للعبد فيها إيجاد ولا تأثير إلا الكسب (35) وهو
المَيلُ الاختياري كما قال تعالى: { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } فأثبت للعبد كسباً لا خلقاً ورتب عليهم الحكم ثواباً وعقابا. وإدراك سر الكسب وحقيقته أمر غامض ولذا ضرب به المثل فقيل: “أخفى مِن كسب الأشعري” (36) .
والكسبُ وإن كان فهمُه خفيا إلا أنه تسمية ربانية فيجب الوقوف عندها وذلك من الأمور التعبدية التي لا تدرك. ولم يرد نص في تسميته فعل العباد خلقا، فقول المعتزلة مردود لأنهم قد سموه برأيهم فيُرَدُ عليهم بعد أن سماه الله تعالى كسباً. كما يُرَدُ قولُ الجبرية بأن العبد لا كسب له أصلاً ولا اختيار له في فعلٍ بل هو كريشة في الهواء تقلبها الرياح، وهو
باطل (37) بعد أن خاطب اللهُ الخلقَ بأفعالهم ومدح منها ما وافق حكمَه وذم منها ما خالفه، ورتب الثواب والعقاب على فعل العبد دون الأقدار.
فظهر توسط مذهب الأشعري وغيره من أهل السنة. وكتاب الله حجة لهم قال تعالى: { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } .
وكذا يرد قول القائلين بتصرف بعض الناس بطريق الباطن بعد قوله تعالى لأكمل خلقه: { ليس لك من الأمر شيء } { إنك لا تهدي من أحببت } والعجب كل العجب كيف خصوا بالتصرف وقد نفى عن أكمل الرسل، وأعجب مِن هذا مَن نبذ كتابَ الله وراء ظهره وتمسك بأقوال هؤلاء وهو يسمع قوله تعالى: { كتاب الله عليكم } فإن
الميلَ عن كتاب الله تعالى قبيح، لكنه مِن أهل العلم أقبح إذ هم النور الذي يستضاء به فإذا دخلوا في الظلام أظلم بهم الكون. فعُلِمَ مما تقرر أن التصرف لله وحده وأن العبد لا يملك من أمره شيئاً ولا من أمر غيره بالأولى وقد قال تعالى لنبيه ليخبر قومه (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرتُ من الخير وما مسني
السوء) الآية. فالتوحيد ردَّ كلَ الأمر لله تعالى لكن لا بد من النظر للأسباب التي نصبها فافهم. ولا يخفى عليك أن سيد الخلق أعرف بربه مِن كل أحد ومع ذلك حفر الخندق عام الأحزاب وظاهر بين درعين يوم أحد وكان يهيء الطعام لعياله ويتزود لأسفاره فافهم ذلك ولا تظن أن التوحيد الكامل في رفض الأسباب بل هو مع مباشرتها حسب إذن الشارع
مع العلم بأنه هو نصبها لنا وأنه المتصرف فينا وفيها، هذا أكمل وأتم لأنه مقام الرسل الكرام.
ولا نظر لقول المخالفين [ان كل فرقة ممن تقدم ذكره تقول نحن على السنة والجماعة ولا تعلم المحق من المبطل] لأنا نقول السنة والجماعة ليست مجرد اللفظ وإنما هي سلوك طريق الرسول صلى الله عليه وسلم والكتاب والسنة يعلمهما أهلهما فمن أخذ بهما بدون تأويل فاسد يخرجهما عن قانون العربية فهو مِن أهل السنة، ومَن أوّلَ النصوصَ برأيه على
خلاف ما قاله المفسرون فقد أخطأ طريق الحق.
واعلم أن هذه الصفات الخمسة يسمونها صفات السلب لأن كل صفة منها تدل على نفي نقيضها، والسلبُ هو النفي.
القاعدة السابعة في صفات الذات.
وهي القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام وهي سبعة وتسمى صفات المعاني لأنها تدل على أمور تدرَك في المخلوق. فقدرة زيد ظاهرة للناس وكذا علمه ومشيئته، ولما كانت ظاهرة في الحادث لا تنفك عنه سموها صفات الذات وصفات المعاني. وإضافتها بيانية أي صفاتٌ هي صفات المعاني. وهذه الصفات السبع نفاها المعتزلة
فراراً من تعداد القدماء وقالوا لو ثبتت لزم أن يكون الإله مركباً من ثمانية أشياء وقد كفر النصارى بالتثليث فكيف بثمانية. وقالوا هو قادر بذاته ومريد بذاته وعالم بذاته وحي بذاته وسميع بذاته وبصير بذاته ومتكلم بذاته وليس له هذه الصفات.
وجوابه أن المحال إنما هو تعداد الذات، لا ذات واحد اتصف بصفات. ومن المعلوم عند كل أحد أنه لا يقال لزيد عالم إلا إذا اتصف بصفة العلم وهكذا. وقد دلت النصوص على ثبوت قدرته وعلمه. وهذه الصفات الذاتية ليست عين الذات حتى يحصل تركيب، ولا غير الذات حتى يحصل تعدد القدماء. وذلك كالواحد من العشرة لا عينها والأحسن
في تمثيله أن علم زيد لا عينه ولا غيره وكذا الباقي فافهم لأن التمثيل بواحد من عشرة يوهم التركيب كما قال به النصارى أنه مركب من ثلاثة أقانيم -جمع أقنوم بمعنى الصفة- وهي العلم والحياة والكلمة، وجعلوا عيسى هو الكلمة. قال تعالى: { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } أي واحد منها وهذا هو قولهم بالتثليث لعنة الله عليهم.
وهؤلاء فرقة منهم.
واعلم أن الصفة الذاتية هي التي لا تقع خبراً عن الاسم فلا يقال زيد عِلمٌ ولا قدرة، والصفة المعبَر عنها بالحال من حيث اللفظ كالقادر والعالم فهي وصف للاسم، تقول: زيد عالم.
وأول صفات الذات في العدد:
القدرة وهي صفة وجودية قديمة أزلية يؤثر الله بها في الإيجاد والإعدام يُخرِجُ بها مِن العدم إلى الوجود ومن الوجود إلى العدم. ولا تتعلق إلا بالممكنات الجائزات وهي جميع الخلق (38) . فلا تتعلق بالواجب تعالى ولا بالمستحيل كالشريك لأنه يلزم على ذلك تحصيل الحاصل أو قلب الحقائق. فإيجاد واجب الوجود وإعدام واجب العدم تحصيل
حاصل، وإعدام الواجب وإيجاد المستحيل يوجب قلبَ حقيقتهما لصيرورتهما حينئذ من جملة الممكن، وكلُ ذلك مستحيل عقلاً. فبناءً على ما تقرر تعلم منعَ قولِ مَن لا يستحيي: [هل يقدر على خلق الولد] -بزعمهم هل يستطيع أن يجعل له ولدا- فمثل هذا لا يقال (39) فإن القدرة لا تتعلق بمستحيل ولا بواجب. وأما قوله تعالى:
{ لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا ان كنا فاعلين } فهي جملة شرطية ونتيجتها: لكنا لم نرِدْ فلا يقع ذلك لأنه محال.
وأما قوله تعالى: { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } معناه كما قيل: لو فرض ذلك كنت أول مَن يؤمَر به أو أول عالم بذلك لأنه أول الأمة علماً وعملاً، لكن هذا العلم لم يكن فليس لله ولد سبحانه عما يقولون.
واعلم أن القدرة لها تعلق قديم بمعنى أنه في الأزل صالحة لكل ممكن أن تتعلق به، فكل ما أراد الله إيجاده أوجده وكل ما أراد الله إعدامه أعدمه، فلا يخرج عن قدرته ممكن ما، إذ لو خرج فرد من الممكنات لكان مستغنياً عن الواحد القهار وذلك محال. فالممكن يجوز عليه الوجود والعدم على حدٍ سواء فترجيحُ أحد الطرفين على الآخر لا بد له من فاعل
مختار: { والله خلقكم وما تعملون } .
واعلم أن حقيقة صفاته تعالى لا تدرك كما أن ذاته لا يُدرَك. وقول العامة: “أنظر لقدرة الله تعالى” فذلك إشارة لآثارها من الأكوان كالسماء وما فيها والأرض وما عليها وما بينهما، وليس المراد حقيقة القدرة فافهم ذلك. وكذا يقال في مثل قول الجزولي: “وبما حمل كرسيُك من قدرتك” أي من ءاثارها. وقد أرشدنا سبحانه وتعالى
إلى هذا بقوله تعالى: { فانظر إلى ءاثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها } الآية.
واعلم أنه وقع في عباراتهم في مسئلة الحساب أنه يحاسب الخلق محاسبة واحدة في وقت واحد وتتسع قدرته تعالى لحساب الخلق، وهذه العبارة غير جميلة لأن فيها إيهاماً أن قدرته تعالى زاد تأثيرها في وقت الحساب، والقصد بذلك أنه يُظهِر للخلق سعةَ قدرته تعالى ويكشف لهم الغطاء عن قلوبهم فإن تصرفه تعالى في الكون واحد في الدنيا والآخرة وحال حياتهم
وحال موتهم وقبل إيجادهم وبعده، إذ هو الحافظ لهم والممد لهم في كل حال والحافظُ للنُطَفِ في الأصلاب وللتراب في القبور وللرزق والنمو وجميع التصاريف. فالكون المقدَرُ على حاله يتقلب من قدر إلى قدر كما قال عمر رضي الله عنه عمّن له غنم وأمامه واديان: “إن هبط الخصب كان بقدر الله وإن هبط غيرَه كان بقدره” وقال: “نفرّ مِن
قدَرِ الله إلى قدرِ الله” فكيف ما تقلب العبدُ فهو في قدرٍ فالأمر منه تعالى ورجوعُه إليه.
الصفة الثانية من المعاني: الإرادة (40) وهي المشيئة (41) وهي صفة أزلية قديمة يخصص بها تعالى الممكنَ ببعض ما يجوز عليه. ويجوز على كل ممكن الوجودُ والعدمُ والمقادير والألوان والهيئات والجهات والأزمنة والأمكنة. فكَوْنُ الممكن مخصوصاً ببعض أفراد هذه الأشياء دون بعض من ءاثار مشيئته يعالى، لأنه فاعل
مختار. قال تعالى: { وربك يخلق ما يشاء ويختار } { وما تشاؤن إلا أن يشاء الله } { ولو شئنا لرفعناه بها } فكل شيء ينشأ عن إرادته من دون تغيير ولا تبديل، والإرادة مرتبَة عقلاً على العلم (42) .
واعلم أن الإرادة غير الأمر (43) وغير الرضى فليس بينهما تلازم لأنه يأمر ويريد كإيمان الرسل، ولا يريد ولا يأمر كالكفر منهم، ويريد ولا يأمر كالمعاصي، ويأمر ولا يريد كالكفر ممن حتم كفره: أمره بالإيمان ولم يرده منه فلم يقع. ولا يقال كيف طلب منه الإيمان ولم يُرِدْهُ وحتم عليه الكفر؟ (44) لأنه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون
وقد سبق وعدُه: { لأملأنّ جهنم من الجِنة والناس أجمعين } .
وقول المعتزلة بالتلازم بين الأمر والإرادة والرضى مستدلين بقوله تعالى: { ولا يرضى لعباده الكفر } وقوله تعالى: { قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } فهو في غير محله لأنه لا يرضى لهم الكفر مذهباً وشرعاً ولولا أنه أراد لهم الكفر والمعاصي ما وقع ذلك منهم. والأمر يتعلق بفعل المكلف، والإرادةُ ترجع له تعالى لا دخل للمكلف في
إرادة الله تعالى.
واعلم أنه تعالى يفعل بالاختيار لا بإكراه ولا بالطبع.
الصفة الثالثة من المعاني العلم وهو صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تتعلق بالواجب والجائز والمستحيل لأن العلم صفةُ كشفٍ وتجلي لا صفة تأثير، فيعلم ما هو عليه وما يجب له وما يستحيل ويعلم الكونَ بما فيه تفصيلاً ويعلم استحالة الشريك والولد. كيف وقد كرر في كتابه العزيز أدلة توحيده حتى قال: { أفمن يخلق كمن لا يخلق } { ألا يعلم من
خلق } { وأحاط بما لديهم وأحصى كلَ شيءٍ عددا } { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض } الآية.
وربما عَظُمَ في عينك هذه الإحاطة فارجع لقوله تعالى: { ما خلْقُكُم ولا بعثكم إلا كنفسٍ واحدة } ولقوله تعالى: { وما قدروا اللهَ حقَ قدرِه والأرضُ جميعاً قبضتهُ يومَ القيامة والسمواتُ مطوياتٌ بيمينه } الآية. فأعلمنا عن عظمته بتقليل الكون حيث شبهه بقبضة يتصرف فيها قابضها من دون مشقة ولا عناء، فسبحان اللطيف الخبير فإن
أسرار الحق لا يدركها عقل فاطرح نفسك في بحر فضله واستمد به دون غيره واجتهد في مرضاته فإنه يعلّمُك ما لم تعلمه. قال تعالى: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } .
الصفة الرابعة من المعاني: الحياة ولا تتعلق بشيء، فهو الحي الدائم القيوم الباقي. والحياة في المخلوق مدرَكةٌ معلومة، وحياة الخالق صفة الله يعلمها (45) وهي عبارة عن الدوام. ومن اتصف بالحياة اتصف بسمعٍ وبصر وكلام (46) . وهذه الصفات الثلاثة تمام السبعة، فسمعُه يتعلق بكل موجود، وكذا بصرُه.
وليس سمعه بآلةٍ وجارحة كما أن بصرَه كذلك، فهو منزَهٌ عن سِمات الخلق. وهذه الصفات زائدةٌ على العلم وورد بها النص وهي كمال. والحق يجب له كلُ كمال (أي يليق به).
وأما كلامُه تعالى فقد كثر فيه الكلام لا سيما في عصر الشافعي رضي الله عنه حتى قال: “دعونا من علم إذا أخطأ فيه الإنسانُ يقال له كفر وعليكم بعلمٍ إذا أخطأ فيه الإنسان يقال له أخطأ“. ولما كثر الكلامُ في صفة كلامه تعالى سموا علمَ التوحيد علمَ الكلام.
قال المعتزلة أن كلامه تعالى مخلوق فهو متكلم بكلام يخلقه (47) . وقال جمعٌ: يتكلم بحروف قديمة. وقال جمع: ورق المصحف وجلده ونقشه قديمات، وهذا ظاهر البطلان، وكذا كون الحروف قديمة لأن الحروف لها تكيف وهيئات ومخارج، وذلك عين الحدوث. وقول المعتزلة مردود بأن الله تعالى سمى القرءان العظيم منزّلاً في
ءاياتٍ ولم يسمّهِ مخلوقا فنقف عند تسميته تعالى.
وأما مذهب أهل السنة أن كلامه النفسي القائم به تعالى صفتُهُ تتعلق بالواجب والجائز والمستحيل، لا حرف لها ولا صوت (48) هو بها ءامرٌ ناهٍ مخبِرٌ ولا يعلمها إلا هو تعالى وحده. وأن موسى سمع كلامَ الله الأزلي بغير حرفٍ ولا صوت (49) . فتفهموا ذلك رحمكم الله.
وأما القرءان العظيم والكتب المنزلة من السماء والحديث القدسي والصحف الربانية فكل ذلك كلامه تعالى (50) . ثم إطلاق هذا الاسم عليه إما من باب الإشتراك كالعين هي اسمٌ للباصرة والنابعة، أو من باب الحقيقة والمجاز كالأسد اسم للسبع حقيقة وللرجل الشجاع مجازا، ولا يجوز إطلاق لفظ الخلق عليها وإن قلنا منزلة والتنزيل حدوث (51)
لكن يجب الوقوف عند الوارد.
ثم المنزل إن كان مكتوباً كالتوراة فالمراد ما هو مكتوب، وإن كان وحياً كالقرءان فإنزاله بإنزال الملَك لأن الكلام عرَضٌ لا يقوم بنفسه بل بغيره؛ فإطلاق الإنزال عليه من إطلاق اسم المحل على الحالّ.
واعلم أنه لا فرق بين إنزال ونزل، خلافا لمن فرّق أخذا من قوله تعالى: { إنّا أنزلناه في ليلة القدر } فجعله لما أنزل تدريجاً، ومن قوله تعالى: { وقال الذين كفروا لولا نُزِّلَ عليه القرءان جملةً واحدة } الآية، فخَصَ لفظَ (نزّل) لما يكون جملةً، وهذا غلط لأنه لو اختص بالمجمل لما ذكر لفظ (جملة) مع لفظ (نزّل)، وقد قال
تعالى: { ونزلناه تنزيلا } فهما بمعنى واحد والله أعلم.
وقد قال كثير من العلماء أن اللفظ حادث والمعنى قديم وهذا قول صحيح، لكن فهِمَ بعضٌ أن المراد بالمعنى هو تفسير القرءان فقال: المعنى فيه قديم كذات الله تعالى وفيه حادث كفرعون، وهذا فهمٌ سقيم. وإنما المراد بالمعنى ما قام بالله تعالى لا ما قام بقلب السامع فإن الذي يستقر بقلب السامع كالملفوظ فافهم التعبير.
وقال بعض: كيف يأمر وينهى ويخبر في الأزل وليس هناك مَن يأتمر وينتهي ويسمع الأخبار؟ وفرّق بين الخبر والأمر والنهي فجعل الخبر قديما والأمرَ حادثا، وهذا وهمٌ خفي فإن صفة القدرة والحِلم والعفو والغفران وغيرها كذلك ليس هناك مَن تتعلق به القدرة وهذه الصفات وإنما هذا تعلق صلوحي كما تقدم، ثم لم يزل هذا التعلق إلى إبراز ذلك الأثر إلى ما
لم يزل. وإذا حدثتك نفسك بالاطلاع على حقيقة كلامه فارجع إلى كلامك تجد نفسك لا تقدر على إدراكه وهو قائم بك فحينئذ يجب رد العلم له تعالى وترك البحث.
فائدة: يجب السكوت عند قول القائلين بالتفضيل بين كلام الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم فالبحث في هذا الشأن حماقة وجهالة، وما ورد أن حرفا من القرءان خير من محمد وءال بيته هذا لم يصح فالواجب السكوت عن هذا. وأنت لا تدرك كيفية أكلك وشربك وبولك وألمك وفرحك، كيف تخوض في هذا الأمر؟ وقد تعذب أممٌ مِن العلماء على أن
يقولوا: “كلام الله مخلوق والقرءان مخلوق”، فتحمّلوا العذاب الشديد مِن أولاد الرشيد مدة من السنين ولم يقولوا هذه الكلمة وأنت تقولها من غير تعب.
القاعدة الثامنة: الصفات السبع المعنوية
يجب له تعالى سبع صفات يسمونها معنوية نسبة للمعاني وهي ملازمة للسبع السابقة، ولذا نسبت إليها وتسمى أحوالاً، وقيل الحال محال، والمراد تسميتها أحوالاً باللفظ النحوي لا بالمعنى المنتقل كجاء زيد راكبا، على أن الحال تكون مستمرة كخلق الله تعالى الغرابَ أسودَ فهي حالة لازمة.
وصفات الله السبعة المعنوية: قادر ومريد وعالم وحي وسميع وبصير ومتكلم. وهذه الصفات نفيها عنه تعالى كفر ولذا قال المعتزلة وغيرهم بها. فإن كل مؤمن وكل من نسب إليه الإيمان يشهد بهذه الصفات لكن على اختلاف في معناها. وقد علمت أنه تعالى: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } . ثم اختلف أهل العلم في
صفة الإدراك وهي تتعلق بالمشموم والملموس والمذوق من دون اتصال بمحالها فقيل: له صفة الإدراك لأنها من الكمالات، وقيل: صفة العلم والسمع والبصر كافية عنها، والله يعلم ما هو عليه. ولم يرد لها لفظ يدل عليها لا في كتاب ولا سنة.
واختلفوا في صفات الفعل كالتخليق والترزيق والإماتة والإحياء، فعند الأشاعرة لا يسمون ذلك صفة (52) بل يقولون: أفعاله تعالى حادثة لأنها تتعلق بالحادثات. وقال الماتريدية: أن صفات الأفعال قديمة (53) لأنه في الأزل متصف بالتخليق والترزيق وغيرها من صفات الأفعال. وقال الأشاعرة: هذا تعلق القدرة بالأشياء
قبل وجودها لا نفس الفعل. وهذا الخلاف لفظي لا معنوي، فإن تعلّق القدرة بالمقدورات قديم عندهما ولكن هذا التعلق ما اسمه؟ فقيل: اسمه صفة الفعل، وقيل: لا بل اسمه تعلق القدرة. وصفة الفعل هي إيجاد الموجود وإعدام المعدوم، وحينئذ فالمدار على اللفظ، والمعنى يرجع لأمر واحد.
فائدة: المالكية والشافعية أشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. والحنفية ماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي. وهما إماما أهل السنة والجماعة. والحنابلة أثرية لأنهم يتتبعون النصوص من دون تأويل، وأصحاب داود الظاهري يتبعون ظاهر النصوص حتى في الفقه. وهؤلاء كلهم على خير إن
شاء الله تعالى.
والمعتزلة فِرَقٌ، منهم مجسمون ومنهم القدرية يقولون: “لا قدَر” (54) ، ومنهم مَن ينكر العلم بالمفردات دون المجمَل من الخلق. وأما الذين يقولون بخلق القرءان وبالصلاح والأصلح والحسنُ ما حسّنه العقل وينفون الرؤية في الآخرة عن الله تعالى ويكفرون مرتكب الكبائر ويجعلون المنازل في الآخرة ثلاثة ويقولون: الخلق تخلق
أفعالها والله لا يخلق الفحشاء، فهؤلاء استمروا إلى مدة محمد الأمين وعبد الله المأمون أولاد هارون الرشيد وانتصروا بهما وشهروا مذهبهم وحملوا العلماء عليه بالسيف، ولما ظهر المعتصم ابن الرشيد فلم يسأل عن هذه الشرور فضعف حالهم. ثم لما ظهر المتوكل أظهر المذهب الشافعي رضي الله عنه ومذهب أهل السنة والجماعة ومحق اللهُ المعتزلة
ومزقهم كل ممزق. وكانوا من أتباع سيدنا أبي حنيفة في الفقه دون الاعتقاد، ولم يزل إلى الآن فيهم أهل اعتزال وسموا أنفسهم أهل العدل.
وأما الجبرية فإنهم ينفون الكسب عن العبد وربما أسقطوا عنه الكلف الشرعية لأنه لا فعل عندهم وعلى مذهبهم الإباحة القرندلية فعندهم لا حلال ولا حرام ولا كلفة.
وأما الجهمية (55) فإنهم يقولون لا يضر مع الإسلام ذنب كما لا ينفع مع الكفر عملٌ، فالإيمان عندهم كافٍ عن كل أمر لكنهم يتعبدون، ومنهم من يقول إذا عرف العبدُ ربَه لم يلزمه شيء بعد ذلك والتكليف لأهل الغفلة والحجاب.
وأما الرافضة (56) فإنهم اقسام، أخفهم مَن يفضل علياً على كل الصحابة، وباقي فرقهم لا يخلو من مكفِرٍ كقذف عائشة رضي الله عنه وغلط جبريل في النبوة والحلول في علي وجعفر وقذف الصحابة، وأهل الخفة منهم والرفق يتعبدون عبادة من غير دليل صحيح.
وأما الزنديق فهو الذي لا يتدين بدين.
وأما الملحدون فهم الذين يؤولون القرءان برأيهم الفاسد مثل: { صمٌ بكمٌ عميٌ } يقولون: صم عن غيره بكم عن غيره عمي عن غيره، والآية واردة في ذكر المنافقين فيخرجون القرءان عن مواضعه الواردة ويسمونهم الباطنية (57) فنسأل الله تعالى الحفظ والسلامة وأن يقبضنا إليه غير مفتونين حتى نلقاه على أحسن حال إنه أكرم
الأكرمين.
القاعدة التاسعة: في علم التوحيد.
إعلم أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) جامعة للصفات العشرين السابق ذكرها الواجبة له تعالى لأن معناها (لا معبود بحق موجود إلا الله). ويلزم من كونه متصفاً بذلك أن يكون غنيا عن كل ما سواه وأن يكون كل الكون يفتقر له تعالى، لأن هذا وصف الإله. قال الشافعي رضي الله عنه: “من تعلقت همته بغير موجود فهو معطل ومن
تعلقت همته بموجود محصور فهو مجسم ومن تعلقت همته بموجود غير محصور فهو موحد“.
وسئل رضي الله عنه عن دليل التوحيد عقلاً فقال: “اتحاد المصوِت مع اختلاف الأصوات دليل على أنه واحد، واجتماع أربع طبائع في جسم متضادة مع ائتلافها على بقائه دليل على أنه واحد“، ومعناه أنه تعالى خلق الخلق على شكل واحد في كل حيوان، فاختلاف أصوات الخلق مع اتحاد الخلق فيهم دليل على تصرف قادرٍ مختار وأن الخلق ليس له أثر،
وإلا لوجب اتحاد الأصوات لاتحاد مخرجها. وهذا مثال يهتدى به إلى أمور كثيرة من تصرفه تعالى في الخلق بما يشاء ويختار. وكذا يقال في أربع طبائع متنافرة وقد اتفقت على حياة جسم الحيوان مع أن كل طبيعة قاتلة، ثم ألـّفها تعالى على نفع الحيوان، وذلك دليل على وحدة المتصرف وعلى سعة قدرته وعظيم إحاطته وأنه فاعل مختار ليس لمراده مانع
يمنعه، لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله .
إذا علمت أن كلمة التوحيد تدل على غناه تعالى فخذ منها صفة الوجود والقِدَم والبقاء والقيام بالنفس ومخالفته للكائنات والوحدانية والحياة والسمع والبصر والكلام وكونه حياً سميعاً بصيراً متكلما.
وإذا علمت أنها تدل على افتقار ما سواه له تعالى فخذ منها القدرة والإرادة والعلم وكونه قادراً مريداً عالماً، لأن الكون لا يفتقر إلا لمن اتصف بهذه الصفات. وربما دخل الوجود مع الوحدانية في الشق الثاني .
ولما كانت كلمة التوحيد متضمنة للصفات الواجبة جعلها الشارعُ عنواناً على الإسلام بحيث لا يقبل إلا بها (58) وكذا بما دل عليها عند بعض العلماء .
وفي حديث ضعيف: (لا إله إلا الله حصني من دخله أمن من عذابي) ومعناه صحيح وإن كان في سنده مقال (59) . واعلم أن الشارع جعل قانوناً عربياً للكلمات العربية فلا بد من مراعاته من مدّ (لا) وإظهار همزة (إله) وهائه وتشديد (إلا) وإظهار مدة لفظ الجلالة والهاء، ولا تغيرها عن قانونها الشرعي ولا تغتر بما عليه
أهل العصر من الاختصار لبعض هيئة حروفها فإن الخير في الإحسان والإتقان، ولا خير فيما دخله خلل في القلب أو اللسان .
فإسقاط ألف (لا) يوجب ثبوت إله غيره تعالى، وإبدال ألف (إله) ياء أو إسقاط هائه يوجب تسميته تعالى بغير لفظ (إله)، وتخفيف (إلا) يفسد المعنى الذي وُضعت هذه الكلمة لأجله، وإسقاط هاء (الله) يوجب التسمية بغير الاسم المشروع، وكل ذلك خلل ومن رضي لنفسه بالخلل فهو مفرط في نفسه ومتبع هواها (60) . ولا بد
من مراعاة معنى الاستثناء بالقلب قبل التلفظ به ليتم لك نظام التوحيد.
واعلم أيها الذاكر أنك حالة ذكرك لربك فقدّر أنك وزير السلطان فانظر كيف يجالس الوزير الملك، وإذا نظرت أنك من أقل جنده فانظر كيف تجالسه وتخاطبه، وإذا عمي عليك الأمر وكنت جامد الذهن بعيد الفهم فانظر كيف أدبك في الصلاة فاجعل حالة الذكر كحالة الصلاة لأنها ذكر، فإذا تأملت ذلك ورسخ في قلبك، جعل الحقُ قلبَك طوراً لأسراره وأفاض عليك
أنواره ووسع صدرك لمعرفته وهيّأك لحكمته؛ واحذر تقليد أهل الغرور ومن يعتمد على عقله فحينئذ تكون كحمار الرحى يدور ثم يرجع لمكانه فيضيع سعيك وأنت في مكانك لم تبرح منه. والزم ثياب الذل في ذكرك تكن أقرب من غيرك لتلقي أنوار المعارف الربانية.
واعلم أنه تولع كثير من الناس بإدخال لفظ اللاهوت في كلامهم وهذا من ألفاظ أهل الكتاب يريدون به الإله، فلا ينبغي التمسك بما لم يرد في شرعنا ولا سيما أنهم قالوا: حل اللاهوت في الناسوت وأرادوا بذلك أن الإله حل في جسم عيسى وظهر بصورة الإنسان، فلا يليق التكلم بشيء نشأ عنه كفر.
واعلم أن جملة [محمد رسول الله] يجب معرفة معناها وأنه جاءنا من عند الله تعالى بالقرءان العظيم، ويجب الإيمان بكل الأنبياء لأن رسالته صلى الله عليه وسلم تضمنت رسالة غيره ونبوة الأنبياء (61) فيجب الإيمان بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والإيمانُ بالملائكة الكرام عليهم السلام والإيمان بالكتب السماوية وباليوم الآخر، وما يقع فيه من
الحساب بعد النشر والحشر وبالصراط والميزان والصحف والجنة والنار وبخلود أهلهما وبالحوض والشفاعة وبسلامة أهل الإيمان من الخلود في العذاب إن عذبوا، وبإظهار العدل في الخلق، وبرؤية المؤمنين لله كما يليق به تعالى، وبعذاب القبر ونعيمه والسؤال فيه عن التوحيد والرسولِ صلى الله عليه وسلم.
فكل هذه الأشياء جاءت بها الرسل فيجب الإيمان بها وهي من أمور الغيب جاء بها الصادق، فالإيمان بها واجب. ثم الإيمان بالأنبياء يوجب الإيمان بصدقهم وأمانتهم وعصمتهم وأنهم على أكمل حال ظاهر وباطن، لأن الله تعالى عالم وقادر فلا يرسل لعباده رسولاً يبلغ عنه حكمه إلا كامل العلم والمعرفة حسن الخُلُق والخَلق والصوت، حليماً رحيماً كريماً
شريف النسب معظماً في قلوب أمته ليرغبوا في الاتباع وتقوم حجة الله عليهم. فسيد الرسل أعظم الناس خلقا وخـُلـُقا وحلما وعلما وعقلاً وفهما ولطفا وكرما، وأوسعهم صدرا وقلبا. وكفانا بياناً لعظيم قدره كتاب الله العزيز المصرح برفعة شأنه لقوله تعالى: { وإنك لعلى خلـُق عظيم } أكد الحكم وأتى بلفظ (على) الدالة على تمكنه
كالمستعلي على الشيء، ونوّنه لتعظيمه ثم وصفه بعظيم للدلالة على أنه أمر لا يدرك. ففي هذه الآية من الإعلام برفعة مقامه ما لا يحيط به إلا من منحه وأعطاه ومنّ عليه وحباه فسبحان من اختاره واصطفاه.
وكقوله تعالى: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم } فوصفه بأنه من انفسهم وهم يدّعون كمال الشرف في النسب والحسب وعرّفهم بأنه من جملتهم ليس هو من جنسٍ لا يعرفونه أو مجهولاً يتهمونه، بل عرفوه بالصدق والعفاف والأمانة وكرم الأصل وشرف النفس، فلا يليق بهم الإعراض عنه.
ثم بيّن أنه يعز عليه مشقة أمته لفرط رحمته بالخلق ولكمال لطفه ورأفته فيحب لهم السلامة والنجاة من كل مكروه، وأنه حريص شديد الاعتناء بمنافعهم وهدايتهم ورشدهم وأنه رؤوف ورحيم بالمؤمنين، ومفهومه أنه شديد على الكافرين وهو كذلك، فإنه جامع لوصف الكمال من معاداة أعداء الله وموالاة أوليائه، وهذا وصْف الكمّل من الخلق لا تأخذهم في الله
لومة لائم.
وكقوله تعالى: { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } الآية ومدحُ أتباعِه مدحٌ له لأنهم تلقوا تلك الأنوار من نوره واهتدوا بهديه فهو الواسطة في وصفهم بالكمال، فكمالهم ناشئ عن كماله. وقد وصف سبحانه وتعالى أصحابه بصفات الكمال وأخبر أنه تعالى ذكر ذلك لأهل الكتاب ونبههم على فضيلة اتباع هذا الرسول
المكرم وذلك زيادة في رفعة شأنهم وأن لهم عناية عظيمة من قِبَل الله تعالى.
وكقوله تعالى: { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } الصلاة من الله رحمة خاصة تدل على اللطف والإكرام. ثم في هذه ما لا يُدرك من تعظيمِه والإعلامِ برفعة قدره فإنه تعالى أكّد الحكم بأن وعَطـَفَ الملائكة على اسمه الكريم للدلالة على اندراج صلاتهم عليه في ضمن صلاته تعالى، وأخبر بجملةٍ
فعليةٍ تدل على تجدد ذلك، وعرّف النبيَ بأل فكأنه عَـلـَمُ بالنبوة، ثم أمر العبادَ بالصلاة عليه تبعاً لصلاته عليه وزادهم لفظ السلام المؤكَدَ بالمصدر، فإن أريدَ به الانقياد لأمره ونهيهِ فلأنهم المكلفون بطاعته، وعلى كلٍ فالمراد يشير لرفعة قدره وعظيم مجده وفخره.
وكقوله تعالى: { وإن تطيعوه تهتدوا } وقوله تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } وبالجملة ففضلـُه عليه الصلاة والسلام جلي ظاهر.
ثم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم معظمون موقرون يجب الإيمان بهم من غير حصر لعددهم لأن النصوص الواردة في عددهم أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً (62) أو مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر أو خمسة عشر نصوص لم تصح فلا يعتمد عليها (63) كما أن الكتب لم يصح عددها
من مائة وأربعة أو أربعة عشر.
فنؤمن أن الله أرسل رسلاً وأنزل كتباً عدة، والمعلوم في كتاب أو سنة يجب تفصيله والمجمل يكفي فيه الإجمال.
ويجب الإيمان بالملائكة أي بوجودهم وأنهم أجسام نورانية (64) قادرون على (65) التشكل: { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } وأنهم محفوظون بحفظه تعالى. وما يرويه أهل القصص من خيانة هاروت وماروت فهو من الموضوع.
وأما إبليس فإنه من الجن لا من الملائكة (66) وإنما دخل في الأمر بالسجود لأنه كان مع الملائكة، فلفظ الملائكة من باب التغليب. ومن قال أنه ملك فهو محجوج بأن له نسلاً والملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة (67) ، فمن وصفهم بالأنوثة كفر لأنه قول المشركين القائلين بأنهم بنات الله تعالى وهم بنو مليح وفرَق من العرب لا كل
العرب. قال تعالى: { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشـَهِدوا خلقـَهـُم ستـُكتـَبُ شهادتـُهم ويُسئلون } { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل له عبادٌ مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } وقال تعالى: { يخافون ربهم من فوقهم
} وقال تعالى: { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } . فشهد الله بعصمتهم فهم أمناء على وحيه وسفراء إلى خلقه لم يركـّب فيهم شهوة. اصطفاهم لخدمته ووظف لهم وظائف كما حكى عنهم بقوله تعالى: { وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون} وقوله تعالى {أتجعل فيها من يفسد
فيها } الآية، ليس هو للاعتراض وإنما على سبيل الاستعطاف والاسترحام لكراهتهم للمعاصي التي وقعت من الجن في الأرض قبل خلق ءادم عليه السلام. وقد جعلهم الله تعالى حفظة لبني ءادم وكتبة وخدماً في مصالح الأرزاق والأمطار والسحاب وغير ذلك وفي نفخ الأرواح في الأجنة وقبضها عند الموت، وذلك ليس لحاجة منه لهم بل هذا عبادة شرعت
لهم كما أقام بعضهم في السجود وبعضهم في القيام أو الركوع أو التسبيح. وهم أكثر خلقه، قال تعالى: { وما يعلم جنودَ ربك إلا هو } وفي السنة “أطتِ السماءُ وحُق لها أن تئط ما فيها قدر راحة إلا وفيها ملك ساجد أو راكع” (68) . وصورهم مختلفة ولهم أجنحة ورؤوس متعددة وصور عظيمة فسبحان من أحاط علماً بكل ذلك.
ولا مانع من أن يقدر بعضُ بني ءادم على رؤيتهم الملكية، أما الأنبياء فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صورته مرتين (69) مرة في الأفق بين السماء والأرض فأرعب ومرة عند سدرة المنتهى. وفي غير ذلك كان يأتيه على صورة ءادمي وتارة يسمع صوته ولا يراه وتارة يُلقى الوحيُ في روعه أي قلبه من دون رؤية ولا صوت
(70) وتارة يسمع له صلصلة كالجرس وهذا النوع من الوحي كان أشد عليه من غيره وكانت تأخذه البرحاء عند الوحي بالقرءان قال تعالى: { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } وورد في شمائله عليه الصلاة والسلام أنه كان يتحدر جبينه عرقا وقت الوحي في اليوم البارد من ثقل الوحي، وورد أنه لما نزلت عليه سورة الفتح عند مرجعه من الحديبية
عام ستة من الهجرة في برك الغمام مكان قبيل عسفان وكان راكباً على ناقته العضباء فكادت تبرك به صلى الله عليه وسلم من ثقل الوحي زاده الله شرفاً وكرماً وأباح روضته الشريفة سحائب الصلوات وهواطل البركات ونظمنا في سلك محبيه وأهل وده وموالاة ءاله وأصحابه صلى الله عليه وعليهم أجمعين ءامين والحمد لله رب العالمين.
تم الكتاب.
الهوامــــــــــــش:
(1) الرين هو الطبع والدنس كما في الصحاح. وقال الراغب: “صدأ يعلو الشيءَ الجلي”. وقال أبو معاذ النحوي: “الرين أن يسْوَدَّ القلبُ من الذنوب”. وقال الحسن: “هو الذنب على الذنب حتى يسوَدَ القلبُ“.
(2) وهو الهلاك. ذكره ابن منظور في لسان العرب.
(3) النسخ معناه رفعُ حكمٍ شرعيٍ سابقٍ بحكم شرعي لاحق. وليس في النسخ نسبة البداء إلى الله كما زعمت اليهود مع اعترافهم بأن الله تعالى أحلّ في شريعة يعقوب الجمعَ بين الأختين ثم نسخ ذلك بعده. فكيف يعيبون النسخ فيما سوى ذلك كنسخ استقبال النبي بعد الهجرة إلى بيت المقدس للصلاة سبعة عشر شهراً بالأمر بالرجوع إلى استقبال
الكعبة بقوله تعالى: { فولّ وجهك شطر المسجد الحرام } . ثم إن من المعلوم أنه لا يمتنع في الحكمة أن يأمر الحكيم مريضاً باستعمال دواء في وقت ثم ينهاه عنه في وقت ءاخر لتعلق صلاحه بذلك في الحالين. والله تعالى لا يتغير علمه بل هو عالم في الأزل باختلاف مصالح عباده لتغيّر أحوالهم، فالله تعالى يتصرف في عباده بنقلهم من
الصحة إلى المرض ومن الغنى إلى الفقر ومن الحياة إلى الموت وعكس ذلك، ولا يخرج ذلك من الحكمة. ثم من موارد النسخ (لعن اللهُ زوارات القبور) رواه أبو داود وصححه الحافظ، نسخ بحديث: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها”. فيجب الإيمان بصحة النسخ ووقوعه.
(4) ذكر الفقيه اللغوي مرتضى الزبيدي نقلاً عن الحافظ تقي الدين السبكي: “المُقدِمُ على تفسير الاستواء بالاستيلاء لم يرتكب محذوراً، ولا وَصَفَ اللهَ بما لا يجوز عليه”. اهـ فتبين أن تفسير استوى باستولى ليس فيه تجسيم لله ولا نسبة نقص لأن الاستيلاء بمعنى القهر ولا عبرة لإنكار بعضهم لذلك، فإن كان إنكارُه من حيث اللغة فلا وجه له
ولا مستند. قال الشاعر:
فلما علونا واستوينا عليهمُ … جعلناهمُ مرعى لنسر وطائرِ.
وإن كان من حيث المعنى فقوله محتجاً لإنكار التفسير باستولى أن استوى جاء في القرءان في سبع مواضع ولو كان بمعنى استولى لجاء في موضع، قال الحافظ تقي الدين السبكي: “وهذا الذي قاله ليس بلازم فالمجاز قد يطّرِدُ“.
(5) ويكفي في تبرئة الإمام أحمد ما نقله الإمام أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها عن أحمد، قال: “أنكر أحمدُ على من قال بالجسم وقال أن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف، والله سبحانه وتعالى خارج عن ذلك ولم يجيء في الشريعة
فبطل”، نقله البيهقي عنه في كتاب مناقب أحمد.
(6) ثبت عن الإمام أحمد أنه أوّل لما روى البيهقي في كتاب مناقب أحمد عن حنبل بن إسحق قال سمعت عمي أبا عبد الله -يعني الإمام أحمد- يقول: احتجوا عليّ يومئذٍ \يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين، فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك، فقلت لهم: إنما هو الثواب. قال الله تعالى: { وجاء ربك }
إنما تأتي قدرته -أي أثر قدرتـه- وإنما القرءان أمثال ومواعظ”. اهـ. وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه.
(7) نقل البيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن الإمام أبي سليمان الخطابي أنه قال: “إن الذي علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة فإن الصورة تقتضي الكيفية، والكيفية منفية عن الله وعن صفاته”اهـ.
(8) رواه اللالكائي عن أم سلمة رضي الله عنها وربيعة بن أبي عبد الرحمن.
(9) ذكر البيهقي في كتابه الأسماء والصفات نقلاً عن أبي سليمان الخطابي أنه قال: “وليس معنى اليد عندنا الجارحة إنما هو صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيّف وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والأخبار المأثورة الصحيحة وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
(10) كقوله تعالى: { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } . [سورة الرحمن].
(11) كقوله تعالى: { يخافون ربهم من فوقهم } والمعنى هنا فوقية القهر دون المكان والجهة..
(12) كقوله تعالى: { وهو معكم أينما كنتم } .
(13) قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر: “ورضاه وغضبه من صفاته بلا كيف”. وقال أيضاً: “والتغيّر والاختلاف في الأحوال من صفات المخلوقين”. اهـ.
(14) وهو ما لم تتضح دلالته، أو يحتمل أوجهاً عديدة واحتاج إلى النظر لحمله على الوجه المطابق.
(15) وهو ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجهاً واحداً، أو ما عُرِف بوضوح المعنى المراد منه.
(16) ذكر التفتازاني في شرحه على العقيدة النسفية بعد أن ذكر أن الإيمان والإسلام واحد: “ويؤيده قوله تعالى: { فأخرجنا مَن كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } “.
(17) يجوز أن يقال: (الله موجود)، ذكر شارح القاموس الزبيدي في شرح الإحياء ما نصه: “والبارئ تعالى موجود فصح أن يُرى”. فلا عبرة بقول من زعم أن كلمة (موجود) هي اسم مفعول تدل على المخلوق فقط.
(18) قال الشيخ عبد الغني النابلسي في الفتح الرباني ما نصه: “ونشهد أنه تعالى لم يحل في شيء من مخلوقاته، ولا حلّ فيه شيء من مخلوقاته. لأن الحلول إنما يُتصَوَرُ بين الشيئين اللذَين يجمعهما وصف واحد. ولا مناسبة بين العبد والرب في شيء من الأشياء ولا في مجرد الوجود. فكيف يُتصَوَر أن يحل أحدُهما في الآخر ويتحد
أحدهما بالآخر” اهـ. وذكر أيضاً في أقسام الكفر في تبيان كفر التشبيه: “أو أنه ملأ السموات والأرض أو أن له الحلول في شيء من الأشياء أو في جميع الأشياء، أو أنه متحد بشيء من الأشياء أو في جميع الأشياء أو أن الأشياء منحلة منه، وجميع ذلك كفر صريح والعياذ بالله تعالى” اهـ.
(19) “أما برهان قِدَمه تعالى فهو لو لم يكن قديماً لزم حدوثه فيفتقر إلى محدِث فيلزم الدور أو التسلسل وكل منهما محال، لكن حدوثه تعالى محال قطعاً فثبت قدمه تعالى”، انتهى كلام الشيخ الحبشي في دليله.
(20) ذكر محمد بن يوسف في شرح الكبرى ما نصه: “اعلم أن الملل كلها اجتمعت على حدوث كل ما سوى الله، حتى اليهود والنصارى وحتى المجوس ولم يخالف في ذلك إلا شرذمة من الفلاسفة وتبعهم على ذلك بعضُ من ينسب نفسه إلى الإسلام وليس له فيه نصيب. والاشتغال بتفصيل مذاهبهم يطول. ومذاهبهم ركيكة جداً لا يرضى
بمقالتهم مؤمن بل ولا مطلق عاقل إلا من سُلِبَ عقله وإيمانه فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله” .انتهت عبارته. وقد علق الشيخ عبد الله الحبشي على هذا بقول: “وهنا ينكشف تمويه أحدهم وينجلي تلبيسه بنسبة هذا الرأي الفيلسوفي الذي هوِيَه لنفسه إلى أئمة أهل الحديث وما هو إلا فِرية، فقد اتضح لكل ذي عقل سليم يفهم معنى العبائر فسادُه عقلاً
ومعارضته للمنقول. وإذا حوقِق هؤلاء القائلون بهذا الرأي في المناظرة وأُلزِموا بأن النوع لا وجود له إلا في ضمن الأفراد انقطعوا، ومن حقق النظر في رأيهم هذا علم أنه يرجع إلى القول بأزلية الأفراد لأن النوع لا وجود له إلا ضمن الأفراد” اهـ كلام الحبشي.
(21) روى البخاري وابن الجارود والبيهقي من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: “أتى أناس من أهل اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين فأنبئنا عن بدء هذا الأمر ما كان. قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات
والأرض” وفي رواية ابن الجارود: “عن أول هذا الأمر” وفي رواية البيهقي من طريق أبي معاوية: “كان الله قبل كل شيء“. وقد ذكر الحافظ ابن حجر: “والمراد بكان في الأول الأزلية، وفي الثاني الحدوث” اهـ وقد روى ابن حبان وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل شيء خُلِق من
الماء”. ولفظ ابن حبان: “إن الله تعالى خلَقَ كلَ شيء من الماء”. فإذاً الماء أصل لغيره، والماء خُلِق من غير أصل. فبداية العالم من غير مادة ولا يحيل العقلُ وجودَ أصل العالم من العدم من غير مادة.
(22) ذكر السيوطي في شرح الترمذي ما نصه: “وأما حديث أولية النور المحمدي فلم يثبت” اهـ وأما قول ابن حجر المكي في شرح الأربعين النووية: “إن أولية النور المحمدي أولية مطلقة وأولية ما سواه من الماء والعقل والقلم فأولية نسبية” فباطل. والقاعدة الحديثية أن الضعيف إذا عارض الصحيح فلا حاجة إلى تأويل الصحيح
من أجل الضعيف، وابن حجر جعل الحديث الصحيح –حديث أولية الماء- تابعاً مرجوحاً لحديث أولية النور الذي هو غير ثابت، بل قال المحدث أحمد الغماري في [المغير على الجامع الصغير]: “إن حديث (أول ما خلق الله تعالى نور نبيك يا جابر خلقه من نوره قبل الأشياء) موضوع وهو جدير بكونه موضوعاً” اهـ. ومثله ما ذكر في
كتاب مولد العروس الملصق بابن الجوزي: إن الله قبض قبضة من نوره فقال كوني محمداً فكانت محمدا. فما أعظم ضرر هذا الحديث المفترى على بعض الجهال فقد اعتقدوا بسببه أن الله جسم نوراني وأن الرسول جزء منه، فكأن هؤلاء لم يسمعوا قوله تعالى: { قل إنما أنا بشر مثلكم } ، وهذا منشؤه ترك النص الثابت الصحيح من أجل
الخبر السقيم والموضوع. وقد شُهِرَ نسبةُ ذلك إلى عبد الرزاق مع أنه لا وجود له في مصنفه.
(23) نقل الزركشي في تشنيف المسامع عن صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد بن حنبل تكفير من قال أنه تعالى جسم لا كالأجسام.
(24) ذكر البيهقي في كتابه الأسماء والصفات نقلاً عن الأشعري: “إن الله تعالى لا مكان له“.
(25) ونقل البيهقي أيضاً عنه أن الحركة والسكون والاستقرار من صفات الأجسام وأنه قال في حديث النزول: “إنه ليس حركة ولا نقلة“.
(26) ذكر البيهقي في الأسماء والصفات في باب ما جاء في العرش فقال: واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء) وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان” اهـ.
(27) قد ثبت وجوبُ قِدَمِه تعالى وبقائه فانتفى عنه أن يكون صفة بل هو ذات موصوف بالصفات: القدرة والعلم وسائر صفاته. فلو كان صفة لزم أن يكون قدرة وإرادة وعلماً وكلاماً وحياة، وذلك ظاهر البطلان، إذ لا يعقل أن تكون القدرة هي السمع والبصر والحياة. قال النسفي: “وهي لا هو ولا غيره” اهـ.
(28) وهو أحمد بن عيسى الخراز البغدادي (أبو سعيد) صوفي من أقران الجنيد. توفي سنة 279 هـ أنظر معجم المؤلفين 2\ 38.
(29) حديث صحيح رواه البخاري.
(30) في تشنيف المسامع ما نصه: “فإن قيل وهل في العقل دليل أن صانع العالم واحد”؟ قيل: دلالة التمانع المشار إليه في قوله تعالى: { لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا } واعلم أن الوحدة تطلق في حق الإله من ثلاثة أوجه
–أحدها بمعنى نفي الكثرة المصححة للقسمة عن ذاته وهي تفسير الأحد الصمد.
–الثاني بمعنى نفي النظير عنه في ذاته وصفاته كما يقال للشمس واحدة بمعنى أنه لا نظير لها في الوجود. ووجود نظير الرب محال.
–والثالث بمعنى أنه منفرد بالخلق والإيجاد والتدبير فلا مساهم له في اختراع المصنوعات وتدبير المخترَعا“.
(31) ذكر الشيخ الحبشي في (الدليل القويم على الصراط المستقيم) ما نصه تحت عنوان دليل عقلي: “أنه لو كان فِعلُ العبدِ بخلقه لكان عالماً به على وجه الإحاطة ضرورة أنه مختار والاختيار فرع العلم، لكنه لا يحيط علماً بفعله لِما يجد كلُ عاقلٍ عدمَ علمه حالَ قطعِه لمسافةٍ معينة بالأجزاء والأحيان والحركات التي بين المبدأ والمنتهى.
وكذا حالة نُطقِهِ بالحروف يجدُ كلُ عاقلٍ من نفسه عدمَ العلم بالأعضاء التي هي ءالتها والمحالِّ التي فيها مواقعها وعدمَ العلم بهيئاتها وأوضاعها. وكل ذلك ظاهر قرره الماتريدي” اهـ.
(32) ذكر الشيخ الحبشي نقلاً عن الخطابي ما نصه: “يتوهم كثير من الناس أن معنى القدر من الله والقضاء منه الإجبارُ والقهرُ للعبد على ما قضاه وقدّره وليس كذلك، وإنما معناه الإخبار عن تقدُّمِ عِلمِ الله بما يكون من أفعال العباد واكتسابها وصدورها عن تقديرٍ منه وخلقِه لها خيرها وشرها” اهـ. وقد روى ابن حبان من حديث حذيفة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله صانعُ كلِ صانعٍ وصَنعتِه” فافهم رحمك الله.
(33) روى الإمام الشافعي والحافظ ابن عساكر عن عبد الله بن جعفر عن علي رضي الله عنه أنه قال للسائل عن القدر: ” سر الله فلا تتكلف ” فلما ألحّ عليه قال له: أما إذ أبيتَ فإنه أمر بين أمرين: لا جبر ولا تفويض.
(34) ذكر الزركشي في تشنيف المسامع ما نصه: إن الله فاعلٌ بالاختيار، فله تقديم الحادث وله تأخيره بحسب اختياره، والدليل عليه قوله تعالى: { وربُك يخلق ما يشاء } اهـ.
(35) قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر: وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبُهُم على الحقيقة واللهُ خالقُها. اهـ
(36) هو أبو الحسن علي بن إسماعيل ابن أبي بشر إسحق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال ابن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري. ولد في البصرة سنة 260 هـ وقيل سنة 266 هـ وتوفي سنة 324 هـ ودفن ببغداد.
(37) كتب الحسن بن علي إلى الحسن البصري: لو جبر الخلقَ على الطاعة لأسقط عنهم الثواب، ولو جبرهم على المعصية لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم كان ذلك عجزاً في القدرة ولكن له فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم. ذكره أبو نعيم في حليته.
(38) الحكم العقلي ينقسم إلى ثلاثة: الوجوب والاستحالة والجواز. فالواجب العقلي: ما لا يتصور في العقل عدمُه وهو الله تعالى وصفاته. والمستحيل العقلي: ما لا يتصور في العقل وجودُه كوجود الشريك لله. والجائز العقلي: ما يتصور في العقل وجودُه تارة وعدمه تارة أخرى كسائر المخلوقات.
(39) قال بعضهم: “كما لا يقال عن الحجر عالم ولا جاهل” اهـ. وذكر الأستاذ أبو اسحق الإسفراييني في كتابه [الترتيب في أصول الفقه]: “أن أول من أخِذَ منه معنى المحال وتحقيقه إدريس عليه السلام حيث جاءه إبليس في صورة إنسان وهو كان يخيط وفي كل دخلة وخرجة يقول سبحان الله والحمد لله؛ فجاءه بقشرة وقال:
الله تعالى يقدر أن يجعل الدنيا في هذه القشرة. فقال: الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سم هذه الإبرة” ونخس بالإبرة في إحدى عينيه وجعله أعور. اهـ.
(40) قال الشيخ عبد الله الحبشي في (الدليل القويم على الصراط المستقيم) الإرادة على وجهين: إرادة تكوين وإرادة محبة. فإرادة التكوين هي بمعنى المشيئة ومعناها التخصيص. وإرادة المحبة كقوله تعالى: { تريدون عرَضَ الحياة الدنيا والله يريد الآخرة } اهـ.
(41) روى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم بعض بناته أن تقول: “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن“.
(42) قال الإمام أبو منصور الماتريدي: [وقال أبو حنيفة رحمه الله: “بيننا وبين القدرية الكلام في حرفين: أن نسألهم هل علِمَ اللهُ ما يكون أبداً على ما يكون؟ فإن قالوا لا، كفروا لأنهم جهّلوا ربَهم. وإن قالوا نعم، قيل: شاء أن يَنفَذَ علمه كما علِمَ أولاً؟ فإن قالوا لا، قالوا بأن الله شاء أن يكون جاهلاً ومن شاء ذلك فليس بحكيم.
وإن قالوا نعم، أقروا بأنه شاء أن يكون كل شيء كما علم أن يكون”] انتهى كلامه ذكره في التأويلات. وذكر البيهقي في مناقب الشافعي بإسناده إلى الربيع المرادي: “سئل الشافعي عن القدر فقال:
ما شئتَ كان وإن لم أشأ … وما شئتُ إن لم تشأ لم يكنْ
خلقتَ العبادَ على ما علمتَ … ففي العلم يجري الفتى والمسِنّْ
على ذا مننتَ وهذا خذلتَ … وهذا أعنتَ وذا لم تُعِنْ
فمنهم شقيٌ ومنهم سعيد … وهذا قبيحٌ وهذا حسنْ
(43) ذكر أبو منصور الماتريدي في التأويلات في إثبات مغايرة الإرادة للأمر: إن الله أمر إبراهيم بالذبح وفداه بكبش فلا يجوز أن يكون أراد فعلَ حقيقة الذبح ثم يمنع عنه بالبدل لأنه ءاية البداء وعلامة الجهل، فكان الأمر لا بالذي به حقيقة الإرادة اهـ.
(44) قال الشيخ عبد الله الحبشي في (الدليل القويم على الصراط المستقيم) فإن قالوا كيف أمرَ اللهُ الكافرَ بالإيمان وشاء منه الكفرَ؟ قلنا كيف أمره بالإيمان وقد علم أنه سيكفر فإنه لا يؤمن أبد الدهر اهـ.
(45) ذكر الشيخ عبد الله الحبشي في (الدليل القويم على الصراط المستقيم) ما نصه: قد ثبت علمُ الله وقدرته بالبرهان. ومِن شرطِ العالم القادر أن يكون حياً فوضح وجوبُ الحياة له” اهـ.
(46) ودليل السمع والبصر الآيات والأحاديث كقوله تعالى: { وهو السميع البصير } وقوله صلى الله عليه وسلم في تعداد أسماء الله الحسنى (السميع البصير) وهو في حديث أخرجه الترمذي وحسنه. قال البيهقي في رد قول مَن يقول أن الله متكلم بمعنى خالق الكلام في غيره كالشجرة التي كان موسى عندها: “ولا يجوز أن
يكون كلامُ المتكلمِ قائماً بغيره ثم يكون هو به متكلما مكلما دون ذلك الغير. كما لا يجوز ذلك في العلم والسمع والبصر، وقال تعالى: { وما كان لبشرٍ أن يكلمَه اللهُ إلا وحيا أو مِن وراء حجاب أو يرسلَ رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء } فلو كان كلام الله لا يوجد إلا مخلوقاً في شيء مخلوق لم يكن لاشتراط هذه الوجوه معنى لاستواء جميع الخلق في
سماعه من غير الله ووجودهم ذلك عند الجهمية مخلوقاً في غير الله، وهذا يوجب إسقاط مرتبة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين” اهـ.
(47) قال الإمام أبو حنيفة الذي هو من رؤوس السلف في الفقه الأبسط: ويتكلم لا ككلامنا. نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف، واللهُ متكلم بلا ءالة ولا حرف. فصفاته غير مخلوقة ولا محدَثة، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين. ومن قال أنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر” اهـ.
(48) قال الأشعري: “إن الله تعالى أسمعه الكلامَ القديمَ الذي ليس بحرف ولا صوت”. وقال الغزالي: “إنه سمع الكلامَ الذاتي بلا صوت ولا حرف كما يَرى ذاتَه بلا كمٍ ولا كيفٍ المؤمنون في الجنة”. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه في كتاب العالم والمتعلم: “وخصه بكلامه إياه حيث لم يجعل بينه وبين موسى رسولاً”، وقال
أيضاً: “وسمع موسى كلامَ الله كما في قوله تعالى: { وكلّم اللهُ موسى تكليما } “. اهـ.
(49) قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر والوصية: “والقرءان كلام الله غير مخلوق، ووحيه وتنزيله على رسول الله. وهو صفته على التحقيق مكتوب في المصاحف، مقروء بالألسنة، محفوظ في الصدور غير حالٍ فيها. والحبر والكاغد والكتابة والقراءة مخلوقة لأنها أفعال العباد. فمن قال بأن كلام الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم”
اهـ.
(50) ومن أوضح دليل على أن القرءان بمعنى اللفظ المنزل غير كلام الله الذاتي قولهُ تعالى: { يريدون أن يبَدّلوا كلامَ الله } فإن الكلامَ هنا هو اللفظي لأنهم لا يقصدون تبديلَ كلام الله الذي هو صفة ذاته، فإن صفة ذاته لا تتغير. فوضح أن كلامَ الله له إطلاقان أحدهما اللفظ المنزل والثاني كلامه الذاتي الذي ليس حرفاً ولا صوتاً، بل
أزلي أبدي لا هو عين ذاته ولا هو غيره إنتهى كلام الشيخ الحبشي.
(51) قال الزركشي في تشنيف المسامع: “وهو من لوازم القول بخلق الأفعال كلها. وهي مسئلة القضاء والقدر التي لا يتم الإيمان إلا به، أن يعتقد أن كل شيء من الطاعة والعصيان والنفع والضر بمشيئة الله خلافاً للمعتزلة فإنهم يعتقدون أن الأمر مستأنف بمشيئة العبد مستقل به من غير سبق قضاء وقدر . ولذلك قيل لهم القدرية لأنهم
نفوا القدر . وجاء في الحديث: (القدرية مجوس هذه الأمة) اهـ رواه ابن حبان وأبو داود وذكر الاسفراييني في كتابه التبصير في الدين أن “القدرية ينقسمون إلى عشرين فرقة. وأن واصل بن عطاء الغزال وهو رأس المعتزلة وأول من دعا الخلق إلى بدعتهم وذلك أن معبداً الجهني وغيلان الدمشقي كانا يضمران بدعة القدرية ويخفيانها عن
الناس” اهـ.
(52) ذكر العسقلاني في شرحه على البخاري ما نصه: “ومسئلة التكوين مشهورة بين المتكلمين، وأصلها أنهم اختلفوا هل هو صفة قديمة أو حادثة، فقال جمع من السلف منهم أبو حنيفة: “هو قديم”. وقال ءاخرون منهم ابن كُلاب والأشعري: “هو حادث لئلا يلزم أن يكون المخلوق قديما” وأجاب الأول بأنه يوجد في الأزل
صفة الخلق ولا مخلوق. وأجاب الأشعري بأنه لا يكون خلق ولا مخلوق كما لا يكون ضربٌ ولا مضروب. فألزَموه بحدوث صفات فيلزم حلول الحوادث بالله، فأجاب بأن هذه الصفات لا تُحدِثُ في الذات شيئا جديدا. فتعقبوه بأنه يلزم أن لا يسمى في الأزل خالقاً ولا رازقا، وكلام الله قديم وقد ثبت فيه أنه الخالق الرازق. فانفصل بعض الأشعرية
بأن إطلاق ذلك إنما هو بطريق المجاز وليس المراد بعدم التسمية عدمها بطريق الحقيقة. ولم يرتضِ هذا بعضُهم بل قال وهو المنقول عن الأشعري نفسه: أن الأسامي جارية مجرى الأعلام، والعَلَمُ ليس بحقيقة ولا مجاز في اللغة. وأما الشرع فلفظ الخالق الرازق صادق عليه تعالى في الحقيقة الشرعية. والبحث إنما هو فيها لا في الحقيقة اللغوية،
فألزموه بتجويز إطلاق اسم الفاعل على من لم يقم به الفعل. فأجاب بأن الإطلاق هنا شرعي لا لغوي لغوي” اهـ.
(53) قال البخاري في باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق: “وهو فِعلُ الربِ تبارك وتعالى وأمرُه. فالرب بصفاته وفعله وأمره وهو الخالق هو المكوِن غير مخلوق. وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكوَن”اهـ وقال أبو حنيفة: “فالفعلية التخليق والإنشاء والإبداع والصنع وغير
ذلك. والله تعالى لم يزل خالقاً بتخليقه، والتخليق صفة في الأزل. وفاعلاً بفعله والفعل صفة في الأزل. فكان الله خالقا قبل أن يَخلُق ورازقا قبل أن يَرزق. وفعله صفته في الأزل، والفاعل هو الله غير مخلوق والمفعولُ مخلوق” اهـ. وقال البخاري في كتابه [خلق أفعال العباد]: “اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول.
فقالت القدرية: الأفاعيل كلها من البشر. وقالت الجبرية: الأفاعيل كلها من الله. وقالت الجهمية: الفعل والمفعول واحد، لذلك قالوا: “مخلوق”. وقال السلف: التخليق فِعْلُ الله، وأفاعيلنا مخلوقة، ففِعلُ الله صفته، والمفعول مَن سواه من الخلوقات” اهـ.
(54) وقال اللالكائي في شرح السنة: “أخبرنا عبد الله بن عبيد ثنا أحمد بن سليمان ثنا جعفر بن محمد ومحمد بن إسماعيل قالا ثنا صفوان بن صالح ثنا عمرو بن شعيب قال سمعت الأوزاعي يقول: “إن أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن كان نصرانياً فأسلم ثم تنصر فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد”
اهـ.
(55) وهم أتباع جهم بن صفوان، ومع كل بدعه كان يحمل السلاح ويخرج على السلطان وينصب القتال معه. ورافق سريج بن الحارث في وقائعه، وخرج على نصر بن سيار حتى قتله سلم بن أحوز المازني في ءاخر أيام المروانية. وأكثر أتباعه بنواحي ترمذ وأهل السنة والجماعة يكفرونهم” اهـ. أنظر التبصير للاسفراييني والفرق بين
الفرق لأبي منصور البغدادي.
(56) ذكر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق أنهم عشرون فرقة منها ثلاث زيدية، وفرقتان الكيسانية، وخمس عشرة فرقة من الإمامية. فأما غلاتهم الذين قالوا بإلهية الأئمة، وأباحوا محرمات الشريعة وأسقطوا وجوب فرائض الشريعة كالبيانية والمُغيرية والجناحية والمنصورية والخطابية والحلولية ومَن جرى مجراهم فما هم من فرق الإسلام وإن
كانوا منتسبين إليه” اهـ.
(57) وذكر أهل التواريخ أن الذين وضعوا دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس وكان مَيلُهم إلى دين أسلافهم، ولكنهم لم يقدروا على أظهاره مخافة سيوف المسلمين. انظر التبصير للاسفراييني.
(58) قال الفقيه محمد بن أحمد ميارة المالكي في كتابه (الدر الثمين) ما نصه: “وانظر المسلم الذي ولِد في الإسلام إذا اتفق له أنه لم ينطق بالشهادتين قط، فإن كان لعجز كالأخرس فهو كمن نطق، وإن كان إبايةً وامتناعاً فهو كافر بلا شك، وإن كان لغفلة فقط فهل هو كمن امتنع فهو كافر قطعاً أو هو كمن نطق فهو مؤمن ونسب للجمهور
قولان” اهـ. وقال النووي: “من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو كافر مخلد في النار بالإجماع” اهـ وقال محمد بن يوسف السنوسي: “وأما الكافر فذكره لهذه الكلمة واجب شرط في صحة إيمانه القلبي مع القدرة، وإن عجز عن ذكرها بعد حصول إيمانه القلبي لمفاجأة الموت ونحو ذلك سقط عنه الوجوب” اهـ.
(59) ورد في فضل كلمة الإخلاص ما رواه مالك في الموطأ والترمذي عنه صلى الله عليه وسلم: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له) وعند الترمذي زيادة: (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). ويكفي في فضلها أن الكافر الأصلي إذا نطق بها انهدم جميع ذنوبه، فقد روى مسلم أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص لما أسلم: (ألم تعلم أن الإسلام يهدم ما قبله) وروى أحمد من حديث رفاعة الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أشهد عند الله لا يموت عبدٌ شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً مِن قلبه ثم يسدّد إلا سلك في الجنة، وقد وعدني ربي عز وجل أن يُدخِل من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا
عذاب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تتبوّؤا أنتم ومن صلح من ءابائكم وأزواجكم وذرياتكم مساكنَ في الجنة) قال الهيثمي: رجاله موّثقون.
(60) وقد قرر أهل المذاهب الأربعة أن الأنين والتأوه يفسد الصلاة. و(آه) من جملة ألفاظ الأنين وقد عدها الزبيدي في شرح القاموس اثنتين وعشرين كلمة. وما يروى أن الأنين اسم من أسماء الله فلا أصل له. أخرجه الرافعي في تاريخ قزوين بإسناد تالف وهو مناقض لقول الله في سورة الأعراف: { ولله الأسماء الحسنى
} فقد فسروا الحسنى بالدالة على الكمال فلا يجوز أن يكون اسمٌ من أسماء الله تعالى دالاً على خلاف الكمال. انتهى كلام الشيخ عبد الله الحبشي في كتابه الدليل.
(61) يجتمع النبي والرسول في أن كلاً منهما أوحي إليه بشرع. ويفترق الرسول عن النبي بأنه أوحي إليه بشرع جديد. والنبي يتبع شرع الرسول الذي قبله.
(62) أخرج ابن حبان من حديث أبي ذر أنه سأل رسولَ الله عن عدد الأنبياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً) وأنه قال: كم الرسل منهم؟ فقال (ثلاثمائة وثلاثة عشر) وصححه، ولكن في سنده مَن هو مختلف في توثيقه. إنتهى كلام الشيخ عبد الله الحبشي في الدليل.
(63) إذ إن عند جمهور علماء التوحيد يشترطون للاحتجاج بالحديث في العقائد أن يكون الحديث مشهوراً وإن كان دون المتواتر.
(64) روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق اللهُ الملائكةَ من نور).
(65) روى البخاري ومسلم والدارقطني والبيهقي وغيرهم مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر.
(66) قال الله تعالى: { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } .
(67) ثبت عن سعيد بن المسيب أنه قال إن الملائكة لا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون وأنهم ليسوا ذكوراً ولا إناثاً. نقله عنه الشيخ عبد الله الحبشي في دليله.
(68) رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم وحسنوه، ولفظ الترمذي: (ساجد لله تعالى).
(69) جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته التي هي ذات ستمائة جناح.
(70) قال الله تعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسلَ رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء } .
ترجمة العلامة المحدث الشيخ محمد الحوت البيروتي
هو قدوة المحققين وعمدة المدققين وصدر العلماء العاملين والفضلاء الكاملين، بقية السلف الصالح الإمام المحدث الولي الكامل والتقي الفاضل الناسك الزاهد الورع العابد، صاحب المواهب الجليلة والمناقب الجزيلة السيد أبو عبد الله محمد ابن السيد درويش ابن السيد محمد الحوت البيروتي مولداً الشافعي مذهباً العلوي نسباً (نسبة إلى سيدنا علي رضي الله
عنه) من عائلة تقى وصلاح، ورهط فضل وفلاح.
مولده ونشأته
ولد في بيروت سنة تسع ومائتين وألف من الهجرة النبوية ونشأ في بيت والده السيد درويش، في بيت خرّج للمسلمين أكثر من عالم خدموا العلم والأمة. وما أن شب حتى انكب على الاغتراف من بحور العلم فحفظ القرءان الكريم اتقانا واستظهارا وترتيلاً على الشيخ علي الفاخوري. ثم تولع في طلب العلم والفنون فحفظ ألفية ابن مالك وحفظ كثيراً من
المتون.
وبأثنائها حضر من الديار المصرية العالم الرباني الشيخ محمد المسيري الاسكندراني فلازمه وأخذ عنه علم التوحيد وشرح الخلاصة النحوية وغير ذلك. وقرأ على مفتي بيروت العالم الفاضل الشيخ عبد اللطيف فتح الله. ثم رحل إلى دمشق الشام تتميما لمرغوبه ورغبة بإكمال مطلوبه فأخذ عن أجلاء علمائها الأعلام وكان أكثر تحصيله على علامة عصره
الشيخ عبد الرحمن الطيبي الشهير بالشافعي الصغير، وعلى مسند الديار الشامية الشيخ محمد الكزبري، كما إنه أدرك العلامة الكبير الشيخ عبد الرحمن الكزبري وغيره من العلماء العاملين أمثال الشيخ صالح القزاز والشيخ خليل الخشي والشيخ أحمد بيبرس. كما إنه قرأ على العلامة الشيخ محمد بن عابدين الحنفي صاحب الفتاوى المشهورة.
رجوعه إلى بيروت
ولما عاد إلى موطنه بيروت أشار عليه الشيخ علي الفاخوري أن يدرّس في الجامع العمري الكبير رغبة بنفع الخاص والعام لما شاهد أن كثيرا من الأهالي ببحار جهله قد عام فأخذ يدرّس في جوار مقام سيدنا النبي يحيى عليه السلام رجاءً منه بأن العلم بعد موته ببلدته يحيا. غير أن ما كان جرى في ذلك الزمان بين مفتي بيروت والنائب من القيل والقال وسوء
الأحوال كان من أعظم المصائب على الأهالي حتى أفضاه الأمر إلى ترك القراءة والتدريس معتزلاً في بيته حينا من الزمن لم يكن عند قومه شيئا مذكورا إلى سنة ست وأربعين فإنها تغيرت الأحوال وهؤلاء الرجال، وعاد إلى التدريس فأشرقت شموس مواهبه وبزغت أنوار مناقبه وتفجرت عيون علومه فأشفت العليل، وتدفقت ينابيع فنونه فأروت الغليل فشهد
بفضله الخاص والعام وأنعش قلوب الأنام بلفظ كالبحر الزاخر ووعظ كعقود الدر في نحور الحرائر.
تلاميذه
وقد تخرج على يديه أكثر علماء بيروت ومنهم الشيخ عبد الباسط أفندي الفاخوري مفتي ولاية بيروت وهو أكبر تلاميذ الإمام، والأستاذ قاسم أبو الحسن الكستي والشيخ توفيق خالد والشيخ عمر الأنسي والسيد حسين أفندي بيهم وغيرهم من أهل العلم والفضل.
مؤلفاته
له مؤلفات مفيدة ومصنفات فريدة في كافة العلوم والفنون وهي:
1- كتاب في أسماء رجال الإمام البخاري مرتب على حروف الهجاء.
2- ذكر رتبة الأحاديث التي جردها الإمام عبد الرحمن التميمي من البخاري.
3- كتاب في أخبار مأخوذة من كتاب الإمام أبي حفص عمر الأندلسي المرسي وهو الكتاب المعروف بـ (حسن الأثر فيما فيه ضعف واختلاف من حديث وخبر وأثر) وهو في جملته مبني على أبواب الفقه، وليس في الكتاب شيء من ذاتيات الحوت، إلا طائفة من تعليقات أحسن فيها الإحسان كله. ذكره العانوتي في كتابه (الحركة الأدبية في بلاد
الشام)، والزركلي في الأعلام. وقد وجد هذا الكتاب مخطوطا في مكتبة الأزهر الشريف.
4- كتاب في ذكر أسماء الرجال الضعفاء والمتروكين. وهو شرح لتراجم رجال البخاري. وقد ذكر المناسبة بين الترجمة والحديث اللذَين طالما حارت فيهما أفكار أولي الألباب وكلت في المطابقة بينهما أقلام جهابذة العلماء الأعلام. ذكره العزوزي في كتابه (إتحاف ذوي العناية) وقد وجد هذا الكتاب الذي هو بخط المؤلف في مكتبة عبد
الحي الكتاني تحت رقم 328 ك حديث، وقد ضمت للخزانة العامة بالرباط. وهذا من جملة الكتب التي حملها عبد الحي إلى بلاده.
5- كتاب في بيان الضعيف من أحاديث الجامع الصغير. وقد ذكر فيها الأحاديث الضعيفة المعللة بذكر الراوي المضعف أو المتروك أو الوضاع أو المتهم بالوضع ورتبها كالأصل على حروف الهجاء. وقد وجد هذا الكتاب الذي هو بخط المؤلف في دار الكتب المصرية تحت رقم 20357 ب، وقد فرغ من كتابته في شهر رجب سنة
1266 هـ.
6- رسالة مشتملة على أخبار موضوعة.
7- كتاب يشتمل على أحاديث تتعلق بأحكام مختلفة في المعفوات.
8- رسالة تحتوي على منثورات فقهية.
9- حاشية على شرح ابن حجر للأربعين النووية.
10- كتاب مطول في المعفوات.
11- كتاب موجز في الميراث. (ولعل هذا الكتاب هو الحاشية التي وضعها الشيخ محمد الحوت على شرح الرحبية لسبط المارديني، وقد وجد هذا الكتاب في مكتبة جمعية المقاصد الخيرية تحت رقم 109 ن، كتبت بخط الشيخ عمر الأنسي تلميذ المؤلف).
12- شرح بانت سعاد (مطول).
13- شرح بانت سعاد (موجز).
14- رسالة في أمر يزيد. (وقد وجدَت هذه النسخة في أحد بيوتات ءال الحوت).
15- رسالة في البيان. (ولعل هذا الكتاب هو الحاشية التي وضعها على كتاب مختصر المعاني والبيان للتفتازاني، وقد وجد هذا الكتاب في مكتبة جمعية المقاصد الخيرية تحت رقم 58).
16- رسالة في الإسناد والاشتقاق.
17- حاشية على شرح الأخضري للسلّم.
18- كتاب يحتوي على بعض الكلمات العربية التي يحتاج إليها كل طالب علم لدورانها في الكلام.
19- رسالة في الحساب.
20- رسالة في علم الفلك. (وقد وجدَت هذه الرسالة التي هي بخط الشيخ عمر الأنسي في مكتبة جمعية المقاصد الخيرية تحت رقم 109ن).
21- كتاب في تاريخ الصحابة.
22- كتاب في شرح بيتي الموصلي.
23- كتاب في التوحيد اسمه “الدرة الوضية في توحيد رب البرية”. ذكره كحالة في معجم المؤلفين 9: 299 وفهرس الأزهرية 459: 1.
24- رسالة بخلق الأفعال.
25- عقيدته التي أملاها على تلميذه الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت الأسبق، وقد املاها عليه في جلسة واحدة.
26- كتاب الأحاديث المشتهرة المشكلة في الرتبة. وهو مصنف في الحديث المشهور على ألسنة الناس مما ينعت بالصحة حيناً وبالضعف أو الوضع حيناً ءاخر. وقد ذكر فيه الأحاديث التي ذكرها الشيخ عبد الرحمن بن الديبع اليمني التي جردها من مختصر المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة للسخاوي، فذكر رتبها وأقسامها
واعتمد في ذلك على شرح الجامع الصغير للمناوي ورتبها على حروف المعجم. وقد وجد هذا الكتاب الذي هو بخط المؤلف في دار الكتب المصرية تحت رقم 20361ب وقد فرغ من كتابته في شهر جمادى الأولى سنة 1265 هـ، وبهامش الكتاب تقييدات كثيرة بخطه. وقد رتبه ترتيباً أبجديا ولد الإمام العلامةُ الفاضل أبو زيد عبد الرحمن الحوت
وسماه “أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب“.
27- كتاب الوضاعون وما وضعوا. وهو كتاب رتبه على حروف المعجم في كل حرف يذكر الأحاديث التي وضعها أولئك الوضاعون ففاق بذلك كل كتاب وضع في هذا الباب.
صفاته الخلقية
كان رضي الله عنه جامعا بين العلم والزهد وله اليد الطولى بتعليم العلوم الدينية، جليل القدر مسموع الكلمة يعزه أهل زمانه لعلمهم بتقواه وفضله. له مروءة تامة بعمل الخير والسعي فيه، يرغب الألفة بين العموم متصفاً بعلو الهمة ومكارم الأخلاق، يقول الحق ولا يخشى لومة لائم. وكان مكسبه من التجارة رغبة بالاستغناء عن الاحتياج للناس ومتقشفا
بملابسه اعراضا عن زهرة الدنيا، كان شافعي المذهب صوفي المشرب.
وكان طيب الله ثراه طويل القامة نحيف الجسم ابيض اللون خفيف اللحية والعارضين واسع الجبين أقنى الأنف أشهل العينين، سمحا كريما طيب النفس كثير الذكر والخشوع، جمّ التواضع فعالاً للخير برا بالطلبة حريصا على إفادتهم وتعليمهم، له نفس زكية لا تعرف الكبر، قوي الحجة ثابت الجأش.
كان ذا منطق عذب وحكمة بالغة، له لفظ أغلى من الدر إذا قال، وكان شديد التمسك بالسنة متولعا بدراستها، أنّى رأيته رأيت الخير والبركة والعلم والنور.
له نثر رائق وشعر فائق لم يُعثر إلا على اليسير منه لأنه كان مقلاً من الشعر لاستغراق وقته في الوعظ والإرشاد وإلقاء الدروس الخاصة والعامة. له تشطير هذين البيتين المشهورين يقول:
ومن عجبٍ أن الصوارم والقنا … رحى كل حرب في الفلاة تدورُ
ولم أر من عيب بها غير أنها … تحيض بأيدي القوم وهي ذكورُ
وأعجب من ذا أنها في أكفهم … تميل لها الأرواح وهي تمورُ
كآل رسول الله أضحت سيوفهم … تؤجج نارا والأكف بحورُ
وفاته
وفي ليلة الأربعاء لسبع ليالٍ خلت من شهر ذي الحجة الحرام من سنة ست وسبعين ومائتين وألف قضى نحبه بعد أن مرض برهة يسيرة.
وصلي عليه ظهرا في الجامع العمري الكبير ودفن بتربة الباشورة في مشهد شهده الكبير والصغير والأمير والحقير. وقد قال تلميذه الشيخ عبد الباسط الفاخوري: “لم أنظر له نظيرا لما حواه من الجموع على اختلاف الملل وتباين النحل فكان ذلك دليلاً بينا وبرهانا ساطعا على اعتبار العموم له، واعترافهم بتقواه وفضله.
وخلاصة القول أنه عاش كريما ومات عظيما فبكت عليه العلوم وأهلها وحزن لمصابه القريب والبعيد ورثاه جملة من أدباء عصره.
وقد نزل على الأمة بفقد هذا الإمام الجليل خطب عظيم ومصاب جسيم. فقام شعراء عصره على منابر نعيه معددين ءاثاره ومناقبه فقال العالم الفاضل والشاعر الشيخ قاسم افندي الكستي في رثاء شيخه:
أقيموا فروض الصبر واغتنموا الأجرا … على حوتِ علمٍ أبحرَ الدمع قد أجرى
هو المرشد الحبر المسمى محمدا … ومن هو بالعرفان من غيره أدرى
بمسراه ودعنا الفضائل كلها … ونادى لسان الحال سبحان من أسرى
ورثاه العالم العامل والجهبذ الكامل الشيخ مصطفى أفندي نجا فقال:
مضى حوت بحر العلم وهو محمدُ … وبالفضل ما زالت له الناس تشهدُ
نعم هذه ءاثاره وحديثها … حديث صحيح طيب النشر مسنَدُ
هو العالم العلامة العلم الذي … به لطريق الحق من ضل يُرشدُ
وقد رثاه أيضا ناصيف اليازجي فقال:
قف فوق رابية تُجاه المسجد … وقل السلام على ضريح محمد
واتل الفواتح فوق تربته التي … حُفّت بأملاك تروح وتغتدي
ما زال يسعى كل يومٍ باحثا … في يومه عما يحاسب في غد
علم من الأقطاب أصبح مفردا … في العالمين بفضله المتعدد
قد صح وضع الحوت في لقب له … إذ خاض في بحر العلوم المزبد
صافي السريرة مخلص لله في … عملٍ سليم القلب عذب المورد
متواضع فوق الكرامة كلما … قامت عُلاه يقول للنفس اقعدي
لم تغرهِ الدنيا فكان نصيبه … نَصَبَ العبادة لا نصاب العسجد
حزن القريب عليه ملتاعا كما … حزن البعيد على الحديث المسند
لم تبق عين في البلاد عليه ولم … تدمع ولا شفة له لم تُحمَدِ
بيروت نوحي في الأصائل والضحى … حزنا عليه ولا أقول تجلّدي
قد غاب عنك وفيك بدر مشرق … بدر التمام إزاءه كالفرقد
بدر يدور على العيون فتنجلي … أبصارها وعلى القلوب فتهتدي
ما عيب قط بريبة إذ لم يزل … طول الحياة لنفسه بالمرصد
يشكى إليه ليس منه فإنه … عن كل سوء كان مكفوف اليد
يا أيها الميت الذي يبقى له … في أرضنا ذكر ليوم الموعد
قد مُتَّ في الدنيا كأنك لم تمت … والبعض مات كأنه لم يولَدِ
ومرقده الشريف في الجبانة العامة وهو مقصد للزوار، وبركاته الكثيرة كالشمس في رابعة النهار.
أولاده
أعقب عقباً صالحاً وذرية صالحة وهما:
العالم الفاضل الشيخ محمد أفندي.
والمحقق الكامل بقية السلف الصالح العامل على إقامة الشعائر وتشييد المساجد والمدارس وإحياء العلوم الشيخ عبد الرحمن نقيب السادة الأشراف في ولاية بيروت.
ولد في بيروت سنة 1846 وانتخب رئيساً لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وله اليد الطولى في تعمير أغلب مساجد بيروت والأزهر. توفي سنة 1916. وكلاهما قد اقتفيا أثر والدهما ونهجا منهجه القويم بالعلم والعمل الصالح وفقنا الله لما فيه رضاه.
الترجمة من إعداد فضيلة الشيخ الدكتور كمال يوسف الحوت حفظه الله.