إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
مما يحرم الثواب المذكور في حديث (من توضَّأَ كما أمر وصلَّى كما أمر غُفِرَ له ما تقدمَ من ذنبه) الوسوَسَةُ التي تؤدّي بصاحبها إلى الإسرافِ في الماءِ، كثيرٌ من الناس يُسرِفُون في الماء بسببِ الوسوسة هؤلاءِ وقعوا في المعصية، وقيل لنا عن رجلٍ إنه كان في سفر فنزل إلى فندق فكان يتوضأ ويُسرف حتى كاد أن يُنهى الماءَ في الفندق لشدةِ إسرافه، الله تعالى يعافينا من هذه الوَسوسة، الله يعافينا، هذا حُرِمَ الثوابَ ووقَع في المعصية لأن صاحبَ الفندق لا يرضى أن يُستنفَدَ الماءُ الذي في الفندق، فهذا الذي وقع في ذنبٍ كبير وحُرِم الثوابَ مثلُ هذا وضوؤُه وصلاتُه لا شىءَ.
والوسوسةُ في الصلاة أشدُّ فمن الناس من لا يكتفونَ بالتكبيرة الواحدةِ حتى يكبروا بضعَ تكبيراتٍ أو أكثر من عشرِ تكبيراتٍ، وذكر بعض الفقهاء الشافعيّين من أحوالِ الموسوسِين أن أحدَهم دخلَ النيلَ ليُسقِط الجنابة عن نفسِه فظلَ إلى غروبِ الشمس في النيل قال اليوم ما صحّ لي سأعود غداً، قال ما صح غُسلي اليومَ وهو في النيل.
وأما الوسوسة في الصلاةِ التي يُحرَم صاحبها ثوابَ الصلاة فإما في التكبير بتَكراره إلى بضع تكبيراتٍ أو أزيدَ من ذلك إمّا شكَّ في صحةِ اللفظ وإما شكَّ في اقتران النية مع هذه التكبيرة، هذا الشخصُ عليه أن يرحَمَ نفسَه فإمّا بطرد هذه الوسوسةِ بالمرةِ وإما أن يعدِلَ إلى مذهبِ الإمامِ مالكٍ، في مذهب الإمام مالك وأبي حنيفة وأحمد ابن حنبل لا يشترط أن تكون النية مقترنة بلفظ التكبير أي لا يشترط أن ينوي الرجل فعلَ الصلاة التي يصليها ضمن التكبير بل إذا نوى قبل التكبير بمدةٍ يسيرةٍ صح تكبيرُه، صحت نيته فليعدِل إلى هذا المذهب حتى يريح نفسه من هذا التعب الذي لا خير فيه إلا أن يُنهك قِوى جسمه ويضيع وقته وقد يشوش على من حوله، هذا الموسوِس لما يشعر من حوله بحاله هذه يستاؤون منه فيُذهب عليه بعضَ صفوه، يفقد بعض صفوه هذا الإنسان الذي حوله.
ومنهم من تكون وسوستهم في حروف الفاتحة وهؤلاء أيضاً لو رحموا أنفسهم بالأخذ بمذهب مالك كان خيراً لهم، في مذهب مالك المأموم إذا لم يقرأ الفاتحة ما عليه شىء ليس واجباً على المأموم أن يقرأ الفاتحة فقراءة الإمام تكفي أو يقرأ بتحريك اللسان فقط من غير أن يُسمع نفسه الحروف يحرّك لسانه في مواقع الحروف ويكتفي بذلك من غير أن يسمع نفسه حرفاً من الحروف لا سيناً ولا صاداً وغيرَ ذلك، أراح نفسه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
فأَمرُ الوسوسَةِ يؤدّي إلى تنفير الناس، شخصٌ قال مرّة لكثرة ما يحصل لي من الوسوسة أختي كفرت، لكثرةِ ما ظهرَ منّي من هذه الحالات القبيحة كفرت، قالت إن كان الدين هكذا فأنا بريئةٌ منه، أنظروا هذا ضرّ نفسه وضرّ غيره، هذا بسبب سوء فعلِه كفَرت، هذا تنفير من الدين.
فالذي تطلع منه أصوات غريبة وهو يعاني هذه الوسوسة تطلَع منه ألفاظ غريبة بهيئة غريبة ينفر منها الناس الذين يرونه، ليعلَم أنه ليس المقصود إتعاب النفس إلى هذا الحد إنما إتعابُ النفس له مواضعهُ التي يكون للشخص فيها ثوابٌ، ليس هذا موضعه، يتعب نفسه كأنه يواجه عدواً في وجهه، ليوبّخ هؤلاء أنفسهم وليبكوا عليها حيث ضيّعوا أوقاتاً لهم بهذا العمل الذي لا يُجدي نفعاً بل يضُر فَيَا ضَيعان الأوقات يا ضيعان الساعات التي يَقْضونها في هذه الحالة.
اللهم عافنا منها لا حول ولا قوة إلا بك، انظروا إلى هذا الفضل العظيم الذي ذكره الرسول في هذا الحديث أن الشّخص مهما كانت له من الذنوب الصغيرة إذا أحسنَ وضوءَه أي أتقنَه بموافقةِ الشّرع وأحسنَ صلاتَه أي أتقنَها بموافقة الشرع تُغفَر له كلُ صغيرة قدّمَها قبلَ ذلك مهما كان عددُها لو بلغ عددُها الملايين.
هذا الشخص والعياذ بالله من هذا الصنيع القبيح حرَم نفسَه بوسوسته فلا وضوءُه فيه ثواب ولا صلاتُه فيها ثواب لأن هؤلاء الموسوِسين يحصل لهم في أثناء وسوستهم حركات قبيحة هذا يحرك رأسه بقصد تحقيق حروف الفاتحة وهذا يَلوي لسانه فما أبشع منظره.
هذا الحديث صحيح فاحفظوه (من توضّأ كما أُمِر وصَلّى كَمَا أُمِر غُفِرَ لهُ ما تقدَّم من ذنبِهِ) هذا في صحيح ابن حبان.