إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
في شرح مختصر سيّدي خليل للفقيه الأصولي أبي عبد الله محمد الخراشي المالكي (المتوفى 1101 هـ) باب الوقت المختار، فصل في بيان شروط الجمعة وسننها ومندوباتها ((ص) كَكَلَامٍ فِي خُطْبَتَيْهِ بِقِيَامِهِ وَبَيْنَهُمَا وَلَوْ لِغَيْرِ سَامِعٍ (ش) هَذَا تَشْبِيهٌ فِي التَّحْرِيمِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكَلَامَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مُحَرَّمٌ لِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ…) إلخ.
وفي شرح التلقين للإمام الكبير أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي (المتوفى 536 هـ) كتاب الطهارة باب الجمعة، فالجواب عن السؤال الأول أن يقال الإنصات عندنا للخطبة واجب والكلام حينئذ محرم وبه قال عثمان وابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم وأبو حنيفة والأوزاعي وابن حنبل وبه قال الشافعي في القديم، ورأى الإمساك عن الكلام مستحبًا وليس بواجب وهو قول عروة بن الزبير والنخعي والشعبي والثوري.
فدليلنا في وجوب الإنصات قوله صلى الله عليه وسلم (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) قيل معناه فعلت اللغو الذي هو الإثم، قال الله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) فإذا نهى عن مثل هذا الكلام الذي هو تغيير منكر فنهيه عما سواه من الكلام المباح جنسه أولى ولا يصح أن يقال يحتمل أن يكون المراد لغوت إذا أمرت بالإنصات من لا يجب عليه لأن الإنصات مأمور به ولو كان الكلام مباحًا والتشاغل به عن الإِمام سائغًا لم يكن للخطبة معنى إذ لا فائدة في خطاب من لا يفهم ما يقال له).