إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

لا يجوز اختراع اسم للنبيّ غير ما هو مأذون به في الشريعة بالإجماع
 
جاء في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للشيخ أحمد بن غانم بن سالم ابن مهنا شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى 1126 ه) لِأَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى وَكَذَا صِفَاتُهُ تَوْقِيفِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الْخِلَافِ (في ‏ذلك) بِخِلَافِ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ اتِّفَاقًا (أي لا خلاف في ذلك ألبتة، والمعنى كما تقدّم أنه لا يجوز اختراع ‏اسم للنبي لم يأذن به الشرع) لِمُشَاحَّةِ الْآدَمِيِّ فِي حَقِّهِ وَمُسَامَحَةِ خَالِقِهِ وَلِأَنَّ تَنَزُّهَ الْبَارِي عَنْ النَّقَائِصِ قَطْعِيٌّ، بِخِلَافِ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ بَشَرٌ يُمْكِنُ تَطَرُّقُ الْأَلْسِنَةِ إلَيْهِ بِمَا لَا يَلِيقُ).
وفيه (فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَّا بِمَا وَرَدَ بِهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ أَوْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ عَارِفٌ أَوْ فَطِنٌ أَوْ عَاقِلٌ أَوْ دَارٍ…).
 
وقال الشبراملسيّ الشافعي قوله (أي ‏مؤلف المتن) فلا يجوز اختراع اسم أو وصف لله تعالى (أي إلا ما أذنت به الشريعة ولو من طريق الإجماع)، ومثله النبيّ عليه الصلاة ‏والسلام (في ذلك)، فلا يجوز لنا أن نسميه (أي النبيّ) باسم لم يسمّه به أبوه ولا سمّى به نفسه كذا نقل عن سيرة الشامي، ومراده بأبيه جدّه ‏عبد المطلب لموت أبيه (يريد والد النبيّ عبد الله) قبل ولادته (هذا على قول لبعض أهل العلم) ونقله عنه الشروانيّ في حاشيته على ‏التحفة وأقرّه.
 
وقال القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري في الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص 64 (ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾ وقوله ﴿ولم يكن له كفوًا أحد﴾ ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك). اهـ
وقال رحمه الله (ما أطلق الله على نفسه أطلقناه عليه وما لا فلا). اهـ
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه (لا يجوز على الله التغيّر في ذاته ولا التبدّل في ‏صفاته).
 
ونقول:
هذا فصل في أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وكنيته:
قال الله تعالى (محمد رسول الله) (سورة الفتح)، وقال حكاية عن قول عيسى (ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) (سورة الصف).
وروى البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم [1] عن جبير ابن مُطْعِم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن لي أسماء أنا محمدٌ، وأنا أحمدُ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشرُ الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقبُ الذي ليس بعده أحد).
 
وروى مسلم [2] عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمي لنا نفسه أسماء فقال (أنا محمدٌ، وأحمدُ، والمُقَفّي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة).
 
وروى الإمام أحمد [3] عن جبير بن مطعم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أنا محمد، وأنا أحمد، والحاشر، والماحي، والخاتِم، والعاقب).
 
وروى البيهقي [4] عن أبي هريرة رضيّ الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما أنا رحمةٌ مُهداةٌ)، وفي رواية (يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة).
 
وروى البيهقي والطيالسي [5] عن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (أنا محمد، وأحمد، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الملحمة).
 
أما كنيته عليه الصلاة والسلام فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما [6] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تسمَّوا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي).
 
وروى البيهقي [7] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي، أنا أبو القاسم، الله يرزق وأنا أَقْسِمُ).
 
وروى الحاكم [8] عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما وُلد إبراهيمُ ابن مارية أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له (السلام عليك يا أبا إبراهيم) وحديث الحاكم في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
 
[1] – أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتاب التفسير، تفسير سورة الصف، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم، والترمذي في سننه، كتاب الأدب، باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، ومالك في الموطأ، في أسماء النبي، وأحمد في مسنده (4/80 – 84) ، والبيهقي في الدلائل (1/152 – 153)، والدرامي في سننه، كتاب الرقاق، باب في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.
 
[2] – أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم.
 
[3] – أخرجه أحمد في مسنده (4/81).
 
[4] – دلائل النبوة (1/157 – 158).
 
[5] – دلائل النبوة (1/156 – 157)، وأبو داود الطاليسي في مسنده (ص/127).
 
[6] – أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب كنية النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب الأدب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي) وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأدب، أوله، وابن ماجه في سننه، كتاب الأدب، باب الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته، والبيهقي في الدلائل (1/162).
 
[7] – دلائل النبوة (1/163).
 
[8] – الحاكم في المستدرك (2/604).