إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
– فقد قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. وقال عز وجل: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. وقال الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه: “خذوا عني مناسككم” رواه البيهقي. وقال: “صلوا كما رأيتموني أصلي” رواه البخاري.
– وقد درج المسلمون على ذلك قرونا طويلة يلتزمون بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتمسكون به في صلواتهم ومناسكهم وغير ذلك، ومن ذلك السعي في الحج بين الصفا والمروة تكلم فيه العلماء من المذاهب الأربعة وبينوا كيفيته ووقته ومكانه وطول المسعى وعرضه وماذا يدخل فيه وماذا يخرج عنه وتوارث ذلك المسلمون جيلا عن جيل.
– وقد حدث في هذا الزمن حادث يهدد بإدخال الفساد على حج الناس وهذا خطب جليل وهو أن بعض الموسومين بالعلم ادعى أنه يجوز زيادة عرض المسعى لأجل المصلحة وضيق المكان بالناس بحيث يسعى الساعي خارج حدوده وادعى أن الصورة الجيولوجية للأرض هناك أظهرت اتساع قاعدة جبل الصفا وجبل المروة عما يظهر منهما.
– ومن المعلوم عند كل من له إلمام بالسنة الشريفة والسيرة الطاهرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمى ما ظهر من الجبلين الصفا والمروة وجعل السعي بين ما ظهر منهما وكلامه عليه الصلاة والسلام جار على سنن اللغة العربية.
– والعرب لم يكونوا يطلقون الجبل على ما تحت الأرض كما هو معلوم مشهور. وأما الزحمة فلا تبيح تغيير المنسك ولا تبديله وقد يزدحم الناس في الصلاة بحيث لا يستطيعون السجود مع الإمام فهل يبيح ذلك لهم تعمد الانحراف عن القبلة ليسجدوا إلى غير القبلة. وهل قال ذلك أحد من الأئمة أو أنهم تكلموا في المسئلة مراعين حكم الشرع والمصلحة في ءان.
– وهكذا أمر السعي كم قد حج منا في السنين الأخيرة ولم يجد مانعا له من إتمام سعيه على ما هو المسعى عليه الآن وما المانع من أن يسعى الناس دفعة بعد دفعة لا سيما مع اتساع وقت السعي؟ وما المانع من بناء طابق فوق طابق لذلك كما فعلوا للطواف حول الكعبة فيتم الحاج نسكه على وجهه من غير إدخال فساد عليه؟ أما ابتداع مكان جديد للسعي تحت ذريعة الزحمة أو ما شابه فهو خروج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبديل لما جاء به وقد قال ربنا تبارك وتعالى : {فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم}.
– قال النووي في المجموع ، كتاب الحج ، باب صفة الحج والعمرة ، السعي ركن من أركان الحج ، فرع السعي في غير موضع السعي :
( فرع ) قال الشافعي والأصحاب :لا يجوز السعي في غير موضع السعي ، فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه ؛ لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف. قال أبو علي البندنيجي في كتابه الجامع : موضع السعي بطن الوادي . قال الشافعي في القديم : فإن التوى شيئا يسيرا أجزأه . وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجز وكذا قال الدارمي : إن التوى في السعي يسيرا جاز ، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا ، والله أعلم .اهـ.
قال ملا علي القاري الحنفي “فلو سعى في ((غير المسعى المتفق عليه)) لم يصح سعيه، وعليه أن يرجع من بلده ليسعى في المكان الأصلي” .. هذا نقل للإجماع على أن المسعى (المتفق عليه) هو المكان الذي سعى فيه النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه مسألة إجماعية.
اليوم، نسعى في الممر الأقرب إلى الكعبة، ذهابا وإيابا .. فإن قيل: هذه التوسعة لأجل تخفيف الزحمة على الحجاج.. فالجواب: هناك حل موافق للشرع لتخفيف الزحمة على الحجاج، وهو أن تكون التوسعة صعوداً ونزولا، بأن يتم بناء طوابق علوية وإن بلغت الـ 10 طوابق فوق الأرض، وبناء طوابق سفلية وإن بلغت الـ 10 طوابق تحت الأرض، لكن مع المحافظة على (عرض المسعى القديم) أي من غير زيادة في عرض المسعى الذي سعى فيه نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم … صعوداً ونزولاً يصح، لماذا؟؟؟ لأن المسعى قديماً كان منخفضاً، وكانت السيدة هاجر ترتقي جبل الصفا ثم ترتقي جبل المروة … وهم يتهربون من الموضوع فيقولون: المسألة خلافية … وكذبوا … هم أنفسهم (كانوا يحرمون سابقاً السعي في المكان الجديد) كما سنرى الآن في بيان كبارهم وتواقيعهم، واليوم يوجد خلاف بينهم بين مَن يُجيز التوسعة ومَن يريد أن يبقى على المسعى القديم… فتبيّن مرادهم من قولهم بأن المسألة خلافية، يريدون بذلك : خلافية بينهم هم أنفسهم .. بينما هي إجماعية عند أهل الحق … تارة يحتجون بامتداد الجبلين تحت الأرض، فعلى معنى كلامهم هذا أنه يصح السعي في الساحة الخارجية وفي الطريق بين السيارات بسبب امتداد الجبلين، والعياذ بالله تعالى …
لم يكن عندهم شيء من هذا الكلام حين اعترضوا على التوسعة، بل كانوا يُنكرون على من يخرج عن المسعى القديم، أما الآن تضاربت فتاويهم لأجل إرضاء من يأتيهم بالمدد المالي … انظر إلى زعماءهم كيف سبق لهم أن اعترضوا على التوسعة الحاليّة … انظر إلى كلامهم جيداً حيث يعترفون بالنص الحرفي: أن العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه، ومن ثم فإنه ((لا يجوز توسعتها))، ويمكن عند الحاجة (حل المشكلة رأسياً)، بإضافة بناء فوق المسعى… والله تعالى أعلم، إليه المرجع والمآب وهو نعم المولى ونعم الوكيل.