إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى:
 
ثم أقول: للأشاعرة قولان مشهوران في إثبات الصفات، هل تمر على ظاهرها مع اعتقاد التنزيه، أو تُؤَوَّل؟
والقول بالإمرار مع اعتقاد التنزيه هو المعزو إلى السلف، وهو اختيار الإمام في الرسالة النظامية (أي إمام الحرمين الجويني رحمه الله) وفي مواضع من كلامه، فرجوعه معناه الرجوع عن التأويل إلى التفويض، ولا إنكار فِي هذا، ولا في مقابله، فإنها مسألة اجتهادية، أعني مسألة التأويل أو التفويض مع اعتقاد التنزيه.
 
إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإمرار على الظاهر، والاعتقاد أنه المراد، وأنه لا يستحيل على الباري، فذلك قول المجسمة عباد الوثن، الذين في قلوبهم زيغ يحملهم الزيغ على اتباع المتشابه، ابتغاء الفتنة، عليهم لعائن الله تترى واحدة بعد أخرى، ما أجرأهم على الكذب، وأقل فهمهم للحقائق. اهـ من طبقات الشافعية الكبرى.
 
والقرءان وحديث الرسول لا يناقض بعضه بعضا، فوجب التوفيق بين النصوص وتجنب إلغاء واحد منها، ولا يمكن ذلك إلا بحمل ءايات الصفات على مقتضى المحكم الصريح كقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ) [سورة الشورى] ومقتضى البرهان العقلي القطعي على استحالة مشابهة الخالق المخلوق بالجسمية واللون والأعضاء والتحيز في المكان والحد والكمية والعقل شاهد الشرع فلا يأتي الشرع إلا بمُجَوزات العقول ولا يأتي بما يحيله العقل، قال تعالى (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [سورة الحشر] فيحتم العقل تنزُّهه تعالى عن الانفعال بالغضب والرضا والاتصاف بالذوق للمطعومات والمشمومات والروائح والشهوة والحزن والتأسّف والإشفاق والتمني والتندم فلا يتَّصف ذاته بقبول التغير والانتقال ومقارنة الزمن لأن الزمان إن فسّر بمرور الأيام والليالي أو مقارنة متجدد لمتجدد توقيتًا للمجهول بالمعلوم أو بحركات الأفلاك فهو حادث.
 
فالله كان ولا زمان كما أنه كان ولا مكان، وقد قام البرهان العقلي على حدوث جميع ما سوى الله.
 
قال بعض أهل السنة كما أن الله يرى بلا أحداقٍ وأجفان ويسمع بلا أصمخة وءاذان فهو متكلم بكلام ليس حرفًا ولا صوتًا وهذا الذي يُفهم من قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ) إلا عند من أقفل الله قلبه فإنه لا يفهم الفرق بين الصفات الحادثة التي لا تجوز على الله القديم الأزلي الأبدي ويجعلُه كخلقه محلًّا للحوادث.