إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
لو تبينوا لنا الدليل على مشروعية القنوت؟ وهل كان الرسول يقنت في صلاة الصبح؟
روى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم بالإِسناد الصحيح عن الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما قال: علّمني رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلماتٍ أقولُهُنَّ في الوتر (اللَّهُمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلّني فِيمَن تَوَلَّيْتَ، وبَارِكْ لِي فِيما أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ ما قَضَيْتَ، فإنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنا وَتَعالَيْتَ).
قال الترمذي هذا حديث حسن، قال: ولا نعرف عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا. وفي رواية ذكرها البيهقي أن محمد ابن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: إن هذا الدعاء هو الدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته.
ويستحبُّ أن يقولَ عقيب هذا الدعاء (اللَّهُمَّ صَلّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلِّم).
وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان حسناً، وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال (اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك) وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْلَعُ (ونترك) مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُد، ولَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُد، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ عَذّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقاتِلُونَ أوْلِيَاءَكَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ والمُسْلِمِيَن والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِم الإِيمَانَ وَالحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه وسلم، وَأَوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ على عَدُّوَكَ وَعَدُوِّهِمْ إِلهَ الحَقّ وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ). (سنن البيهقي 2/211 باب دعاء القنوت) وهو موقوف صحيح موصول.
وقوله نخلع أي: نترك،
وقوله يفجر أي يلحد في صفاتك،
وقوله نحفِد بكسر الفاء أي نُسارع،
وقوله الجِدّ بكسر الجيم أي الحق،
وقوله مُلْحِق بكسر الحاء على المشهور ويقال بفتحها،
وقوله ذات بينهم أي أمورهم ومواصلاتهم،
وقوله الحكمة هي كل ما منع من القبيح،
وقوله وأوزعهم أي ألهمهم،
وقوله واجعلنا منهم أي ممّن هذه صفته.
واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأيّ دعاء دعا به حصل القنوت ولو قَنَتَ بآيةٍ أو ءاياتٍ من القرءان العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنّة. واعلم أنه يستحبّ إذا كان المصلِّي إماماً أن يقول (اللَّهمّ اهدِنا بلفظ الجمع وكذلك الباقي).
وعن أنس رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا. رواه الحاكم أبو عبد اللّه في كتاب الأربعين، وقال حديث صحيح.
وقال النووي الشافعي في الأذكار ،كتاب ما يقوله إذا دخل في الصّلاة ، بابُ القُنوتِ في الصُّبح:
واعلم أن القنوت مشروع عندنا في الصبح وهو سنّة متأكدة…ويستحبُّ القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر. اهـ
قلنا : روى أبو داود أن أبي بن كعب قنت فيه لما جمع عمر الناس عليه فصلى بهم صلاة التراويح. اهـ
وقال المالكية :
القنوت في الصبح ويجوز بعد الرفع من الركوع وقبل الركوع بعد تـمام القراءة أفضل ويستحب كونه بلفظ اللهم إنا نستعينك إلى ءاخره، ويستحب كونه سرا ومن تركه عمدا أو سهوا فلا شىء عليه، ومن سجد لتركه قبل السلام بطلت صلاته، ومن أدرك ثانية الصبح لم يقنت في قضاء الأولى على الـمشهور.
جاء في مختصر خليل المالكي رحمه الله: ونُدِبَ قُنُوتٌ سِرًّا بِصُبْحٍ فَقَطْ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ.
وقال الإمام الخرشي المالكي رحمه الله كما في شرحه: وَنُدِبَ الْقُنُوتُ عَلَى الْمَشْهُورِ…وَيُنْدَبُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سِرًّا وَيُنْدَبُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي الصُّبْحِ لَا فِي وِتْرٍ وَلَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَهُ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ وَقَعَ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ.
ونقل الإمام الحطاب المالكي رحمه الله في مواهب الجليل عن الجلَّابُ قوله: لا بَأْسَ بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ.
وقال النووي في المجموع شرح المهذب، كتاب الصلاة ، باب صفة الصلاة ، أحكام القنوت، فرع في مذاهب العلماء في إثبات القنوت في الصبح :
في مذاهب العلماء في إثبات القنوت في الصبح مذهبنا أنه يستحب القنوت فيها سواء نزلت نازلة أو لم تنـزل وبهذا قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم وممن قال به أبو بكرٍ الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن عباسٍ والبراء بن عازبٍ رضي الله عنهم رواه البيهقي بأسانيد صحيحةٍ ، وقال به من التابعين فمن بعدهم خلائق وهو مذهب ابن أبي ليلى والحسن بن صالحٍ ومالكٍ وداود……واحتج أصحابنا بحديث أنسٍ رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو عليهم ثم ترك فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا} حديث صحيح رواه جماعة من الحفاظ وصححوه، وممن نص على صحته الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي البلخي والحاكم أبو عبد الله في مواضع من كتبه والبيهقي ورواه الدارقطني من طرقٍ بأسانيد صحيحةٍ وعن العوام بن حمزة قال سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح قال بعد الركوع قلت عمن؟ قال عن أبي بكرٍ وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم. رواه البيهقي وقال هذا إسناد حسن ورواه البيهقي عن عمر أيضا من طرقٍ وعن عبد الله بن معقلٍ (بفتح الميم وإسكان العين المهملة وكسر القاف) التابعي قال قنت علي رضي الله عنه في الفجر. رواه البيهقي وقال هذا عن علي صحيح مشهور وعن البراء رضي الله تعالى عنه عنه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب} رواه مسلم ورواه أبو داود وليس في روايته ذكر المغرب. اهـ