إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة شريفة عظيمة مباركة
 
روى أحمد والبيهقي وغيرهما [1] عن العرباض بن سارية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إني عبد الله وخاتم النبيين، وإن ءادم لمنجدلٌ في طينته، وسأخبركم عن ذلك دعوةُ أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يَرَيْنَ)، وأن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورًا أضاءت له قصور الشام.
 
قال الحافظ البيهقي عقبه قوله صلى الله عليه وسلم (إني عبد الله وخاتم النبيين، وإن ءادم لمنجدل في طينته) يريد به أنه كان كذلك في قضاء الله وتقديره قبل أن يكون أبو البشر وأول الأنبياء صلوات الله عليهم.
 
وروى أحمد والبيهقي [2] والطيالسي بإسنادهم عن أبي أمامة قال قيل يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال (دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى ابن مريم، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام).
 
وروى ابن سعد [3] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (رأت أمي حين وضعتني سَطَعَ منها نورٌ أضاءت له قصور بُصرى) [4].
 
ويروى أنه صلى الله عليه وسلم حين وضعته ءامنة وقع جاثيًا على ركبتيه، رافعًا رأسه إلى السماء، وخرج معه نورٌ أضاءت له قصور الشام، حتى رأت أمه أعناق الإبل ببُصرى.
 
أما قوله عليه الصلاة والسلام (دعوة أبي ابراهيم) فهو أن إبراهيم عليه السلام لما بنى البيت دعا ربه فقال (رب اجعل هذا بلدًا ءامنًا وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر) (سورة البقرة)، ثم قال (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم ءاياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) (سورة البقرة) فاستجاب الله تعالى دعاءه في نبينا صلى الله عليه وسلم وجعله الذي سأله إبراهيم عليه السلام.
 
وأما قوله عليه الصلاة والسلام (وبشرى عيسى ابن مريم) فهو أن سيدنا عيسى عليه السلام بشّر قومه بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر القرءان الكريم حكاية عن عيسى عليه السلام (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يديَّ من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) (سورة الصف).
 
والمقصود أن ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة شريفة عظيمة مباركة، ظاهرة الأنوار، جليلة المقدار، أبرز الله تعالى فيها سيدنا محمدًا إلى الوجود، فولدته ءامنة في هذه الليلة الشريفة من نكاح لا من سفاح، فظهر له من الفضل والخير والبركة ما بهر العقول والأبصار، كما شهدت بذلك الأحاديث والأخبار.
 
[1] – أخرجه أحمد في مسنده (4 – 127 – 128) والبيهقي في الدلائل (1 – 80)، والحاكم في المستدرك (2 – 600) وقال حديث صحيح الإسناد، وأقره الذهبي، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (8 – 223) لأحمد، والطبراني، والبزار، وقال وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان.
 
[2] – أخرجه أحمد في مسنده (5 – 262) والبيهقي في الدلائل (1 – 84)، وأبو داود الطيالسي في مسنده حديث 1140، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (8 – 222).
 
[3] – طبقات ابن سعد (1 – 102).
 
[4] – هي بالشام من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حوران، معجم البلدان (1 – 441).