إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
ما هِي عَقِيدة الأشاعِرة؟
هو اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى واحِدٌ لا شريكَ له، ليس بِجِسْمٍ، ولا مَحْدودٍ ولا يُشْبِه شيئا ولا يُشْبِهُه شىءٌ (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير)، لا بداية لوجوده فهو لا يُشبِهُ المخلوقات وكلُّ المخلوقات لها بِداية، لا يَطْرَأ عليه فناء، لا يُعْجِزه شىء، ولا تُحِيط به الجِهات والأماكِن، كان قبل أن خَلَقَ المَكانَ بِلا مكان وهو بَعْدَ خَلْقِ المكانِ بِلا مَكانٍ، لا يقال متى كـان ولا أينَ كان ولا كـيف، لا يَجْرِي عليه زمان ولا يَتَخَصَّص بالمكان، سبحانه مُنَزَّهٌ عن الجلوس والمُمَاسّة والاستِقرار والحُلول والانتِقال، لا تَبْلُغُه الأوهام ولا تُدْرِكُـه الأفهام مَهْمَا تَصَّوَرْتَ بِبَالِكَ فالله لا يُشْبِهُ ذلك لأنّكَ لا تَتَصّوَّرُ في عَقْلِكَ إلا مَخْلُوقًا والله لا يُشبِهُ المخلوقات، ومن وَصَفَ الله بصِفَةٍ من صِفاتِ البَشَر فقد كفر.
وعقِيدة الأشاعِرة أنّ الله سبحانه وتعالى خَلَقَ الخَلْقَ وأعمَالَهم وقَدَّر لهم أرزاقهم وأعمارَهم، يَفْعَل في مُلْكِه ما يُرِيد (لا يُسْئَل عَمّا يَفْعَلُ وهم يُسْئَلُون)، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو سبحانه مَوصُوٌف بِكُلّ كَمَالٍ يَلِيقُ به مُنَزَّهٌ عن كُلِّ نَقْصٍ في حَقِّه.
واعتِقادُ الأشاعِرة أنّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم خاتَمُ الأنبياء وسَيِّدُ المُرْسَلِين مَبْعُوثٌ إلى عامّة الإنسِ والجِنّ صَادِقٌ في كُلِّ ما يُبَلِّغُهُ عن الله تَعالَى.
والأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية المحمدية وهم الصحابة ومن تبعهم في أصول الاعتقاد، وإنما سموا بالأشاعرة نسبة للإمام الجليل أبي الحسن الأشعري، وسموا بالماتريدي نسبة للإمام أبي منصور الماتريدي رضي الله عنهما، كما سمي أتباع أبي حنيفة بالحنفية وأتباع مالك بالمالكية وأتباع الشافعي بالشافعي وأتباع أحمد بالحنابلة وكلٌّ أهل السنة والجماعة وفي أصول العقائد متحدون.
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة 54، وقد أخرج الحافظ ابن عساكر فى تبيين كذب المفترى والحاكم فى المستدرك لما نزلت (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم قومك يا أبا موسى) وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ورواه الإمام الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم كذلك، وابن سعد في طبقاته والطبراني في معجمه الكبير وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ورجالُه رجالُ الصحيح، وقال القشيرى فأتباع أبى الحسن الأشعرى من قومه لأن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به الأتباع قاله القرطبى فى تفسيره (ج 6 – 220).
ومن مسائل الفقيه الإمام الحافظ أبي الوليد ابن رشد رشد القرطبي (المتوفى 520 هـ) هل أئمة الأشعرية مالكيون؟
وكتب إليه رضي الله عنه الأمير أبو إسحق ابن أمير المسلمين رحمه الله من مدينة أشيبلية حرسها الله سائلا عن أئمته الأشعريين هل هم مالكيون أم لا؟ وهل ابن أبي زيد ونظراؤه من فقهاء المغرب أشعريون أم لا؟ وهل أبو بكر ابن الباقلاني مالكي أم لا؟
فأجابه على ذلك بما هذا نصه:
لا تختلف مذاهب أهل السنة في أصول الديانات وما يجب أن يعتقد من الصفات ويتأول عليه ما جاء في القرآن والسنن والآثار من المشكلات، فلا يخرج أئمة الأشعريين بتكلمهم في الأصول واختصاصهم بالمعرفة بها عن مذاهب الفقهاء في الأحكام الشرعيات التي تجب معرفتها فيما تعبد الله به عباده من العبادات وإن اختلفوا في كثير منها، فتباينت في ذلك مذاهبهم لأنها كلها على اختلافها مبنية على أصول الديانات التي يختص بمعرفتها أئمة الأشعرية ومن عنى بها بَعْدَهم، فلا يعتقد في ابن أبي زيد وغيره من نظرائه أنه جاهل بها، وكفى من الدليل على معرفته بها ما ذكره في صدر رسالته مما يجب اعتقاده في الدين، وأما أبو بكر ابن الباقلاني فهو عارف بأصول الديانات وأصول الفقه على مذهب مالك رحمه الله وسائر المذاهب ولا أقفُ هل ترجح عنده مذهب مالك عن سائر المذاهب أم لا لأن المالكي إنما هو من ترجح عنده مذهب مالك على سائر المذاهب لمعرفته بأصول الترجيح أو اعتقد أنه أصح المذاهب من غير علم فمال إليه والعالم على الحقيقة هو العالم بالأصول والفروع لا من عني بحفظ الفروع ولم يتحقق بِمَعْرِفَةِ الأصول، وبالله التوفيق لا شريك له.