إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
مَحَبَّةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ اللهُ تعالى: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ” مَعْنَاهُ الَّذِي يُحِبُّ اللهَ مَحَبَّةً كَامِلَةً يَتَّبِعُ الرَّسُولَ اتِّباعًا كَامِلاً بِأَدَاءِ الوَاجِبَاتِ واجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فَيَصِيرُ حَبِيبًا لِرَبِّ العالمينَ لأَنَّهُ مِنَ الصَّالحِينَ، وَمَعْنَى قَوْلِنا لِلْمُسْلِمِ أَحَبَّكَ اللهُ أَيْ جَعَلَكَ خَالِيًا مِنَ الذُّنُوبِ حَتَّى تَصِيرَ مِنَ الأولياءِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ وَرِضَاهُ وَكَذَلِكَ غَضَبُهُ وَسَخَطُهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الانْفِعَالِ لأنَّ الانْفِعَالَ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ، مَعْنَى رِضا اللهِ إِرَادَتُهُ الإنْعَامَ، وَمَعْنَى غَضَبِهِ إِرَادَتُهُ الانْتِقَامَ، وَقَدْ ثَبَت في الحديثِ أنَّ رَجُلاً قَالَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ عَلى المِنْبَرِ مَتى السَّاعَةُ؟ فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: وَماذَا أعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: “الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ” مَعْنَاهُ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ تَنْفَعُهُ، فَمَنْ كَانَ صَادِقًا في مَحَبَّةِ الرَّسُولِ قَدْ يُنْقِذُهُ اللهُ مِنَ النَّارِ بِهَذِهِ الْمَحَبَّةِ.
وَقَدْ ثَبَتَ في الْحَديثِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ للرسُولِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي أُحِبُّكَ يَا رَسولَ اللهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ “انْظُرْ مَا تَقُولُ فَإِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلى مُنْتَهَاهُ” وَفي رِوَايَةٍ قالَ “فَأعِدَّ لِلْفَقْرِ تَجْفَافَا” مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي يُحِبُّ الرَّسُولَ مَحَبَّةً كَامِلَةً فَيَتَّبِعُهُ اتِّبَاعًا كَامِلاً مِنْ شَأنِهِ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْبَلاءِ في الدُّنْيَا لأَنَّ الْبَلاءَ في الدُّنيا لِلتَّقِيِّ رِفْعَةُ دَرَجَاتٍ عِنْدَ اللهِ