إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
إنّ الدين عند الله الإسلامُ
قال الله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام)، وقال تعالى (ومن يَبْتَغِ غيرَ الإسلام دِينًا فلَن يُقْبَل منه وهو في الآخرة مِن الخاسِرِين) فالدين المقبول المرضي عند الله هو الإسلام وكل الأنبياء جاؤا بدين واحد هو الإسلام، كلهم جاءوا بعبادة الله وحده وعدم الإشراك به وأنه لا دين صحيح إلا الإسلام وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، قال تعالى (شَرَعَ لَكُم مِن الدِّينِ ما وَصَّى به نُوْحًا) والدين قانون سماوي وضعه الله لعباده فأحَلَّ لهم ما شاء وحَرَّم عليهم ما شاء، فمن ءامن بالله ورسوله ومات على ذلك فهو الناجي.
معرفةُ الله ومعرفةُ رسولِه، هذا أَهمّ أمورِ الاعتقاد، إيمانٌ بالله ورسولِه ثم بعدَ ذلكَ أهَمُّ الأمور معرفةُ الصّلاةِ ثم معرفةُ سائرِ أمُور الدِّين مِن اعتقاديّات وعملِيّات، الاعتقاديّات الإيمانُ بالملائكة والرُّسلِ سوى سيّدنا محمّد بما فيهم مِن الأنبياء الذينَ هُم غَيرُ الرُّسل والإيمان بكتُب اللهِ التي أنزَلها الله تعالى، هذه الأربعَةُ المذكورَةُ في القرآن التي أحَدُها القرآن هذِه فَرضُ عَينٍ معرفتُها، الإيمانُ بها فَرضُ عَين ويَكفِي الإيمان جُمْلةً بأنّ الله أنزلَ كتُباً على بعضِ أنبيائه ووَردَ في ذِكْرِ عَدَدِها حديثٌ فيهِ أنها مائةُ كِتاب وأربعة، فإذا قال الإنسانُ في قَلبِه معتَقدًا جَازمًا أنّ الله أنزَل كتباً سماويّة منها التوراةُ والإنجيل والزَّبُور والفُرقان وصحفِ إبراهيم وموسى والأُخْرَيات غيرُ المسَمَّيات يكفي ذلكَ كما أنهُ إذا آمَن الإنسان بالتَّعيِين بالأنبياء الذين ذُكِروا في القرآن إذا آمَن بهؤلاء الخمسةِ والعِشرين المذكورين في القرآن وآمَن بالآخَرِين الذين لم يُسمّهِم الله بأسمائهم في القُرآن يكفي ذلكَ.
ثم مِن أصُولِ الإيمان التي يجبُ الإيمانُ بها الإيمانُ باليوم الآخِر أي أنه يُبعثُ الناسُ والجن بعدَ أن يموتوا فلا يَبقَى مِنهُم على وَجهِ الأرضِ أحَدٌ ثم تُعادُ أجسَامُ الذينَ بلِيَت أجسامُهم، أكلَها التّراب، تُعادُ تلكَ الأجسام ثم تُعاد أرواحها إليها فيُحشَرُونَ للجَزاء، هذا يُجازَى على حسَناتِه إنْ كانَ مؤمنًا بالله ورسولِه وهذا (أي الكافر) يُجازَى بالعَذاب الأليم ليسَ لهُ ثَوابٌ في تلكَ الدّار مهما عمِلَ في الدّنيا مِنَ الحسَنات ومهمَا حَسَّن مُعاملتَهُ للنّاس، ليسَ لهُ جَزاءٌ بالثّواب إنما يُجازَى بالعقَاب في الآخرة، هذا الإيمانُ باليوم الآخِر، ثم الذي يؤمِن باليوم الآخِر يعتقدُ أنّ الله يُعيدُ الجِسم الذي أكلَه التّراب، يُعِيدُ الرّوح إليه، ثم يُحشَرون أي الجسمُ والرّوحُ معًا، الأجسام والأرواح يحشَرُونَ معًا، ولَيسَ الجزاءُ على الأرواح فقَط ولا على الأجسَام فقَط بل الأرواحُ والأجسَام يَشتَرِكُونَ في الجزاء، المؤمنونَ يجِدُون النّعيم بأجسادِهم وأرواحِهم والكفّارُ يجِدُونَ العذابَ الألِيم بأجسَادِهم وأرواحِهم، هذا معنى الإيمان باليوم الآخِر، أمّا مَن لا يؤمِنُ هكذا بل يقولُ الأرواح تُحشَرُ فقَط أمّا الجِسم الذي أكلَهُ التّراب ليسَ لهُ رجُوعٌ هذا كافِرٌ لا يصِحُّ لهُ إسلامٌ ولا إيمانٌ لأنّ سيّدَنا محمّدًا وجميع الأنبياء كانوا يُثبِتُون أنّ الإنسانَ يُعادُ يومَ البَعثِ جَسدُه ورُوحُه أي يُجمَعان، الرّوحُ لم يَبلَ إنما الجسَدُ هو الذي يَبلَى، هذا الإيمانُ الذي أمَرَ اللهُ بهِ عِبادَه، هوَ أن نَعتقدَ جَازمِينَ بلا شَكّ أنّ اللهَ يُعِيدُ الأرواحَ إلى أجسَادِها التي أكَلَها التّراب فيَشترك الرّوح والجسَدُ لنَيلِ الجزَاء.