إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قال الكوثري في معرض كلامه عن بعض مقالات رؤوس المجسمة (فلا محيص في عدِّهم واعين لما نطقوا به، فتعيين إلزامهم بما يترتب على تلك التَّقوُّلات في نظر أهل البرهان الصحيح) بعد هذا لا يُلتفت إلى أهل الفتنة الذين يزعمون أن الشافعي ما كفَّر المجسمة أو أنه ما ثبت أنه كان يكفِّرهم فالمجسم الذي ينسب الجهة والمكان في حق الله يكفر ولا يفيده إنكاره كما قال الإمام السبكي رحمه الله (ومن أطلق القعود وقال إنه لم يرد صفات الأجسام قال شيئًا لم تشهد به اللغة فيكون باطلًا وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له) السبكي مات في أواسط القرن الثامن هجري كان قاضي قضاة المذاهب الأربعة لكل مذهب قاض وهو فوق الأربعة يقضي وكان من أكابر الشافعية فهل كان يحكم بكفر المجسمة خلافًا لقول إمام مذهبه؟
وقال الكشميري في إكفار الملحدين (والحاصل في مسئلة اللزوم والالتزام أن مَن لَزِمَ مِن رأيه كُفر لم يشعر به، وإذَا وقف عليه أنكر اللزوم وكان في غير الضروريات وكان اللزوم غير بَيِّنٍ فهو ليس بكافر (أي إن لم يلتزمه)) وكلامه صريح أنه يتكلم في اللازم الخفي ليس في اللازم البيِّن أما إن كان اللازم بيِّنًا فلا يكون مقبولًا إلا أن يقال لازم المذهب مذهب.
وللتقريب الذي يعرف معنى الجسم وهو يعرف أن الجسم يعني ما كان له أجزاء ثم قال الله جسم فهذا لا ينفك عن الكفر لأنه من الواضح وضوحًا شديدًا أنه يقول إن الله له أجزاء فلا يُتوقَّف في كفر من قال عن الله جسم طالما يعرف معنى الجسم فالخلاصة أن كل كتاب أو موضع ذُكِرَ فيه أن المُجسِّم مختلف في تكفيره فهذا غير صحيح وهو تعبير ظاهره باطل فقد قال شيخ جامع الزيتونة سيّدي إبراهيم المارغني التونسي المالكي في كتابه طالع البشرى على العقيدة الصغرى (ويسمى الاعتقاد الفاسد كاعتقاد قِدمِ العالم أو تعدد الإله أو أن الله تعالى جسم وصاحب هذا الاعتقاد مجمع على كفره)، لاحظوا كيف دلَّ أن الإجماع منعقد على كفر من نسب الجسم إلى الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون لتعلموا أن الحكم بالكفر على المجسمة إجماعيٌّ أي بإجماع علماء أمة محمد بإجماع المعتبرين من العلماء وما خالف الإجماع فهو ضلال بلا شك لأن أمتنا معصومة أن تجتمع على ضلالة والحمد لله.
وقال الإمام تقي الدين الحصني الشافعي رحمه الله في كتابه دفع شبه من شبّه وتمرّد (مَن شبَّهه أو كيَّفه طغى وكفر هذا مذهب أهل الحق والسُّنَّة وإنَّ دليلهم لَجَلِيٌّ واضح….مَن شبَّهه أو مثَّل أو جسَّم فهُو مع السَّامرة واليهود ومِن حزبهم) فهذا نص أن من جسَّم الله لا يكون مسلمًا بالمرة، وقال الإمام الشافعي (المُجسِّم كافر) ذكره الحافظ السيوطي في الأشباه والنظائر، ونُقِلَ عن الإمام الشافعي غير هذا النقل كذلك في تكفير المجسمة.
وقال الإمام أحمد (من قال الله جسم لا كالأجسام كفر) رواه عن الإمام أحمد أبو محمد البغدادي صاحب الخصال من الحنابلة كما رواه عن أبي محمد الحافظ الفقيه الزركشي في كتابه تشنيف المسامع.
وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي وهو من أصحاب الوجوه في المذهب (لا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشىء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيّز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قِدمِ الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام) ولاحظوا قوله (وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام) لتحسموا أن الأمر ليس مثار خلاف لا بين المتقدمين ولا بين المتأخرين من العلماء فلاحظوا كم مرة ورد معنًا فيما ننقل عن العلماء أن نسبة الله إلى الجسم كفر عن كافة العلماء لتتيقنوا أن المسألة إجماعية لا خلاف فيها وليس كما توهم بعض أهل الزيغ لأن الإجماع منعقد على تكفير المجسمة وأنه محمول على مَن يفهم مدلول لفظ الجسم لا على من لا يعرف فالتفصيل ليس في (هل كفر أم لم يكفر)، لا، إنما المسألة إن كان يعرف معنى الجسم فلا تفصيل في الحكم بكفره وإن كان لا يعرف معنى الجسم فهنا التفصيل، فهنا يُنظر هل يعتقد التشبيه أم لا، ولا يقول بخلاف ما ذكرنا عالِم معتبر من السلف أو الخلف، ومما يكفر به الإنسان أن يصف الله تعالى بأنه جسم ولأن الجسم يستلزم أن يكون محتاجًا للمكان والمحتاج لا يكون إلهًا بل حادثًا مخلوقًا وهذا مستحيل في حق الله تعالى فمن يكون جسمًا يكون ذا أبعاضٍ وأجزاء تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، فنسبة الله إلى الجسمية تشبيه لله بالخلق وهو كفر بلا شك إلا في حالة لم يعرف المتكلم معنى الجسم فإذا جهل المتلفظ معنى الجسم وظن أن معناه الموجود فهنا لا يُكفَّر بل يُعلَّم الصواب.
واحفظوا كلام الشيخ محمد الدسوقي المالكي في حاشيته على الكبير فهو يختصر كل الإشكال الذي غرق فيه الجهلة المتصولحة فقد قال الشيخ محمد الدسوقي رحمه الله (وأما قولهم لازم المذهب ليس بمذهب فمحمول على اللازم الخفي) وبعد كل هذا الشرح أو قبله اعلم أن العبرة بالدليل وما تمسك به هؤلاء لا دليل عليه من الشرع.
ويناسب هنا إيراد ما نقله الزبيدي في الاتحاف عن تقي الدين السبكي قال (والقعود ومعناه مفهوم من صفات الأجسام لا يعقل منه في اللغة غير ذلك والله تعالى منزه عنها ومن أطلق القعود وقال إنه لم يُرد صفات الأجسام قال شيئًا لم تشهد له به اللغة فيكون باطلًا وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤاخذ بإقراره ولا يفيد إنكاره).
وجاء في حاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع قولهم (لازم المذهب ليس بمذهب، مقيد بما إذا لم يكن اللازم لازمًا بيِّنًا).
وقد قال في حاشية العدوي على شرح مختصر خليل (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَيَّنَّا مَعَ أَنَّ اللَّازِمَ إذَا كَانَ بَيِّنًا يَكُونُ كُفْرًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ هُنَا بَيِّنٌ).
ومن أراد النظرَ في بيانِ إلزامِ العلماءِ المبتدعةَ مذاهِبَهُم الكُفْريّةَ وتكفيرهِم عليها فلينظر في كتابِ الأسماءِ والصِفاتِ لأبي منصورٍ البغدادي ق – 35 ق – 52 وفي كتابِ القلائِدِ في شرحِ العقائِدِ ص – 200 – 210 للإمام النسفي وفي كتابِ ذخائِرِ القصرِ ص- 32 للحافظ شمس الدين بن طولون وفي كتاب إكفارِ المُلحدينَ ص – 17 – 19 – 21 – 22 – 72-123- 124-126-128 للمُحدِث محمد أنور شاه الكشميري وفي كتاب نجم المهتديللإمام ابن المعلم القرشي ق 268 – 287 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.