إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

فاللازم البيِّن لمذهب العاقل مذهبٌ له، وأما من يقول بملزوم مع نفيه للازمه البيِّن فلا يعتبر هذا اللازم مذهبًا له فلا عبرة بقوله لأنه يسقطه هذا النفي من مرتبة العقلاء إلى درك الأنعام فهو من السفسطة، وهذا هو التحقيق في لازم المذهب، فيدور أمر القائل بما يستلزم الكفر لزومًا بيِّنًا بين أن يكون كافرًا لنفيه القطعي مع التزام اللازم أو حمارًا لإنكاره ما اجتمعت العقلاء لثبوته فيكفر أيضًا.

 
كما أنّ القائلينَ بأنّ كلامَ اللهِ الذي هو صفةُ ذاتهِ مخلوقٌ كفروا بلا شكٍّ لأنّ هذا اللُزومُ فيهِ بيِّنٌ، فلذا هو منَ الكُفرِ لأنَ قيامَ الحوادثِ بذاتِ اللهِ يؤدي إلى حدوثِ ذاتِهِ تعالى، ولو كان ذاتُهُ حادثًا لما كانَ خالقًا بل لاحتاج إلى من أوجدهُ وهذا كُلُّهُ محالٌ، فلازمُ مذهبِ القائلينَ بأنَّ كلامَ اللهِ الذي هو صِفةُ ذاتهِ مخلوقٌ قيامُ الحوادثِ بذاتِ اللهِ وهذا ظاهرُ البُطلانِ حتى لو هُمْ أنكروا اللُزومَ فلا عُذرَ لهم لأن اللُزومَ في هذه المسألةِ بيِّنٌ، فثبتَ بعد هذا البيان أن كِلا الفريقينِ الذينَ قالوا لازمُ المذهبِ مذهبٌ، ولازمُ المذهبِ ليسَ بمذهبٍ إذا لم يكن اللُزومُ بيِّنًا قد كفّروا من كانَ لازمُ مذهبِهِ الكُفْرِي بيِّنًا.
وقال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتاب مناهل العرفان (وقد كفَّر العراقيُّ وغيره مُثبِتَ الجهة لله تعالى وهو واضح لأن معتقد الجهة لا يمكنه إلا أن يعتقد التحيز والجسمية ولا يتأتى غير هذا فإن سمعت منهم سوى ذلك فهو قول متناقض وكلامهم لا معنى له) ولاحظوا قوله وهو واضح لتعلموا أنه وجد اللازم بيِّنًا واضحًا فحكم عليهم بالكفر.
وقال في معرض كلامه عن المتشابهات (ولا ريب أن حقائقها تستلزم الحدوث وأعراض الحدوث كالجسمية والتجزؤ والحركة والانتقال لكنهم بعد أن يثبتوا تلك المتشابهات على حقائقها ينفون هذه اللوازم مع أن القول بثبوت الملزومات ونفي لوازمها تناقض لا يرضاه لنفسه عاقل فضلًا عن طالب أو عالم فقولهم في مسألة الاستواء الآنفة إن الاستواء باق على حقيقته يفيد أنه الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز وقولهم بعد ذلك ليس هذا الاستواء على ما نعرف يفيد أنه ليس الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز فكأنهم يقولون (إنه مستو غير مستو) و (مستقر فوق العرش غير مستقر) أو (متحيز غير متحيز) و (جسم غير جسم) أو (أن الاستواء على العرش ليس هو الاستواء على العرش) و (الاستقرار فوقه ليس هو الاستقرار فوقه) إلى غير ذلك من الإسفاف والتهافت) يعني أن القول بالتجسيم لازم بيِّن لا ينفك عن اعتقاد التحيز والمماثلة والعياذ بالله، لذلك اعلم أخي القارئ أن وصف الله بالجسم لمن يعرف معنى الجسم كفر بلا خلاف ولو قال أنا لا ألتزم لوازم الجسم.
 
وقال الشيخ محمد عليش المالكي (رحمه الله) في كتاب منح الجليل شرح على مختصر العلامة خليل (وسواء كفر بقول صريح في الكفر، كقوله أكفر بالله أو برسول الله أو بالقرآن أو الإله اثنان أو ثلاثة أو المسيح ابن الله أو العزير ابن الله أو بلفظ يقتضيه أي يستلزم اللفظ الكفر استلزامًا بَيِّنًا كجحد مشروعية شىء مجمع عليه معلوم من الدين ضرورة، فإنه يستلزم تكذيب القرآن أو الرسول وكاعتقاد جسمية الله وتحيُّزه فإنَّه يستلزم حدوثه واحتياجه لمُحدِث) إلخ……، الشيخ محمد عليش يؤكد هنا أن نسبة الجسم إلى الله يستلزم الكفر استلزامًا بيِّنًا فكلامه واضح ونصه جلي في الدلالة على المسألة الصحيحة.
وقال الشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (رحمه الله) (قوله (ويستلزم إلخ..) أي وأمَّا قولهم لازم المذهب ليس بمذهب فمحمول على اللَّازم الخفيِّ) وهذا من أوضح ما يدلك يا أخي القارئ على تفصيل الحكم في اللازم فإن كان بيِّنًا فهو مذهب وإن كان خفيًّا فليس مذهبًا ما لم يلتزمه صاحبه فمعنى هذا الكلام أنك متى رأيت العلماء قالوا لازم المذهب ليس مذهبًا فاعلم أنه يقصدون اللازم الخفي وليس اللازم البَيِّن.
وقال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي (رحمه الله) في كتاب إستحالة المعية بالذات وما يضاهيها من متشابه الصفات (وأما إن كان اللزوم بيِّنًا فهو كالقول بلا خلاف) ولاحظ قوله (بلا خلاف) كذلك المعنى هنا أن من قال كلامًا لازمه الكفر كأنه نطق بالكفر بلا خلاف يعني حكمه الكفر بلا خلاف.

يتبع في الجزء الرابع.