إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال الفقيه الإمام الكبير أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري المَالكي في المعلم بفوائد مسلم (الزكاة – اللقطة) 23 – اللقطة (1) قوله صلى الله عليه وسلم في اللقطة (اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَشَأْنَكَ بِهَا، قَالَ فَضَالَّةُ الغَنَمِ (2)؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم لَكَ أوْ لَأخِيكَ أوْ لِلذِّئْبِ، قال فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ عليه السلام مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ المَاءَ وَتَأْكُلُ الشجر حتَّى يَلقَاهَا رَبُّهَا) وَفي بعض طُرقة (عَرَّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتِنْفِقْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدّهَا إِلَيْهِ) وَفِي بعض طرقه (ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ (3) فَاسْتَنْفقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإنْ جَاء طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ) وفي بعض طرقه (بَعْد التعريف أَنْ يَعْرِفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا ووِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ وإِلاَّ فَهْيَ لَكَ) وفي بعض طرقه (بَعْد التعريف أَنْ يَعْرِفَ العِفَاصَ وَالوِكَاءَ، قال ثُمَّ كُلْهَا فإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ) وفي بعض طرقه (وَجَدْتُ سَوْطًا فَأَخَذْتُهُ فَقَالاَ لِي دَعْهُ، فَقْلُتَ لاَ وَلَكنِي أَعَرِّفُهُ، فَلَقِيتُ أُبَىّ بن كعب فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا جَرَى، فَقَالَ وَجَدْتُ صُرَّةً فِيهَا مَائِة دِينَارٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عَرِّفْهَا حَوْلاً قَال فعَرّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا ثُمَّ أَتَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَال عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَعَرّفْتُهَا فَلَمْ أجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثم أتيته صلى الله عليه وسلم، فقال عرِّفها حولا فعَرَّفتُهَا فلم أجد من يَعْرِفُهَا، فَقَالَ احْفَظ عَدَدَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا فَإنْ جَاءَهَا صَاحِبُهَا وَإلاَّ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا) وفي بعض طرقه (قَالَ شَعْبَةُ فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ عَرَّفَهَا عَامًا وَاحِدًا) (ص 1346 إلى 1350).
 
قال الشيخ (أي المازري) (اختلف الناس في اللقطة هل يجوز أخذها ابتداء أو يكره؟ واختلف الناس أيضاً إذا جاء صاحبها فوصف العفاص والوكَاء على ما ذُكِر في الحديث هَلْ يجب إعطاؤها له وهو مَذهب مالك أو لا يحكم له بها إلا حتى يقيم بينة وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي؟ (4)، واختلف الناس أيضاً إذا عَرَّفها حَوْلاً هل يجوز له أكلها أم لا؟ فعندنا يَجُوزُ عَلى كراهية فيه، وعند أبي حنيفة إنما يجوز بشرط أن يكون فقيرا، واختلف الناس أيضاً إذا أكلها بعد الحول وجاء صاحبها هل عليه غرامتها له أم لا؟ فعندنا عليه الغرامة، وعند دَاوُدَ لا غرامة عليه). انتهى كلام الإمام
 
ونقول:
الشىء الذي يَضيعُ في بَيتٍ أو يُوجَدُ في سَيَّـارةٍ إذا لم يَأخُـذهُ صاحِبُـهُ مِنَ السَّـيارةِ أو إنْ لم يَقُل إنَّـهُ لي، وَصَاحِبُ البيتِ إذا كانَ ليسَ لَهُ، يَنتَطِرُ مُدَّةً يَحفَظُـهُ لا يَجِبُ عَلَيهِ التَّعريفُ إنَّما عَلَيهِ أَن يَحفَظَ، إِنْ أَيِسَ مِن مَعرِفَةِ صاحِبِهِ يَتَصَدَّقُ بِهِ على فَقيرٍ بِنِيَّةِ أَن يَكونَ الثَّوابُ لِذلكَ إن كان مُسلِماً، ثُمَّ إِن ظَهَرَ صاحِبُهُ بعدَ سِنينَ يُخَيِّـرُهُ بَينَ أَن يَدفَعَ لَهُ أَو أَن يَرضى بِالثَّـوابِ، هذا مـا يوجدُ في بَيتٍ أَو في سَيَّـارةٍ، أمـَّـا مـا يُوجَدُ في البَحرِ أَو شَواطِىءِ البَحرِ أَو في مَسجِدٍ أوْ في الطَّريقِ العامِّ أَو في البرِيَّةِ في الغَاباتِ هَـذا يُـعَرَّفُ سَنَةً ثُمَّ إِن لم يَظهَر صَاحِبُهُ بَعدَ سَنَةٍ يَـقولُ (تَمَلـَّـكتُ هـذا)، ثُمَّ إِن ظَهَرَ صَاحِبُهُ يَـوْمـاً مـا يَغْـرَمُ لَه، مَن فَعَلَ هَذا لَيسَ عَلَيهِ في الآخِرَةِ عِقَابٌ.
 
أمَّـا مَن أَكَلَهُ بِدونِ هذا، فَـوراً أَكَلَهُ تَصَرَّفَ فِيهِ فَوَيْلٌ لَهُ ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ يُعَذَّبُ يَوْمَ القِيامة، أَمَّـا إِذا كَـانَ يَفْسُدُ فَوْراً هَذا مِنَ الآن يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَبيعُهُ وَيَحفَظُ ثَمَنَهُ لِشَخْصٍ، لا يَأكُلُهُ لِنَفسِهِ، لَو كانَ هذا الشىءُ يَتلَفُ بِسُرعَةٍ فَظَنَّ أَنَّهُ يَجوزُ أَن يَأكُلَهُ كَيْ لا يَتلَفَ بِنِيَّةِ أَن يَغْرَمَ لِصَاحِبِهِ لا يَضُرُّ العَقِيدةَ.
 
بِالنِسبةِ لِلُّقَطة إِذا لَم يَخَفْ ضَرَراً يُعَرِّفُهُ في المكانِ الذي وَجَدَهُ فِيهِ، يَقِفُ هُناكَ أَوَّلَ مَرَّة يُعَرِّفُ، يُعَرِّفُ أَكثَر ثُمَّ بَعدَ ذَلِكَ يُخَفِّفُ إلى نِهايَةِ السَّنة أَو يَكتُبُ وَرَقَةً بِخطٍّ وَاضِحٍ يُلصِقُهُ على شَارِعٍ عَامٍّ بِالـمَـمَـرَّاتِ وَلا سِيَّما بِالشَّارِع الذي هُوَ أَقرَبُ إلى المكان الذي وَجَدَهُ فِيهِ، يَكتُبُ مَن ضَاعَ لَهُ عُملَةٌ يَقولُ أَقَلُّ مِن كَذا وَأكثَرُ مِن كَذا، لا يُحَدِّد وَلا يُعَيِّنها تَعييناً، يُحَاوِلُ أَن يَقولَ: ثَوْبٌ أَو غَرَضُ كَذا فَليُراجِع مَحَلَّ فُلانٍ، دُكَّانَ فُلانٍ أَو مَنْـزِلَ فُلانٍ، فإِذا جَاءَ الشَّخْصُ وَأَعطَاهُ الوَصفَ تَماماً يُعطِيهِ، أَمَّا إِن أَكَلَهُ فَـوْراً يَـا وَيْلَهُ.
 
مَرَّةً شَخْصٌ وَجَدَ مبلغا كبيرا قَبْلَ ثَلاثِينَ سَنَة فَوْراً فَتَحَ مَعمَلاً بِهَذا المال، مِثْلُ هَذا وَيْلٌ لَهُ،اِعْتَبَرَهُ لُقْمَةً سَائِغَة كَأَنَّهُ اصطَادَ مِنَ البَحرِ سَمَكاً فَبَاعَهُ فَأَكَلَهُ.
 
فَإنْ رَأَى اللُّقَطَةَ وَلَم يَرفَعَها مَا عَلَيهِ ذَنبٌ، السُّنَّةُ أَن لا يَرفَعَها مِن مَكَانِها الأَفضَلُ إِلاَّ إِن وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفسِهِ، إِن وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفسِهِ يَأخُذُها، الأَخذُ أَفضَلُ وَإلاَّ فَالتَّـركُ، هَذا قَريبٌ مِنَ الذي يَأكُلُ أَمْوالَ اليَتامَى عَذَابُهُ، الذي يَأكُلُ أَموَالَ اليَتيم لَمَّـا يَخرُجُ النَّـاسُ مِن قُبورِهِم يَخرُجُ وَفَمُهُ يَتَأَجَّجُ نـارًا، النَّـارُ في الدَّاخِل وَيَظهَرُ على الفَمِ.
 
هَذِهِ مَسئَلةُ اللُّقَطَة ومَسئَلَةُ المال الذي يُوجَدُ فِي بَيتِ شَخصٍ أَو في سَيَّارَةِ شَخصٍ وَلَيسَ لِصَاحِبِ البَيتِ وَلا لِصَاحِبِ السَّـيارة، حُكْمُ هَذِهِ المسئَلَةِ، انشُروها لأَنَّ كَثيراً مِنَ النَّـاسِ لا يَعرِفُونَها.
 
وإذا كَانت اللُّقَطَةُ فِيها شَىءٌ مُحتَرَمٌ (كَآيَةٍ) أَو (اسمِ الله) لا يُترَكُ بِحَيْثُ تَدُوسُهُ الأَرجُلُ رَفعُهُ وَاجِبٌ يُرفَعُ وَتُعَرَّفُ، وَإِذا حُفِظَت اللُّقَطَة ثُمَّ لَمَّا ظَهَرَ صَاحِبُها وَطَلَعَت لَهُ تَمَاماً جَاءَ لَها أَو جَاءَ لَهُ بِهَدِيَّة يَجُـوز أَن يَأخُذَها، إنْ هُوَ أَكرَمَهُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ يَأخُذ.
وَهَذِهِ اللُّقَطَة إِنْ لَم تكن شعار كفر، إِذا كـانَت شعار كفر لا تُعَرَّفُ، تُكسَرُ وَيَتَصَدَّقُ بِها، لا تُعطَى هِبَةً وَلا تُرَدُّ وَلا تُعطَى لِكَافِرٍ، رجل كان ذاهبا الى الحج قال وجدت شعار كفر فأعطيته لكافر، أعوذ بالله هذا إن خطر له أنه سيعبده كفر، مَا تَعَلَّموا الـحُكمَ، يَحُجُّونَ وَيَصُومونَ وَيُزَكُّونَ وَهُم جُهَّالٌ، لا يَعرِفُونَ الأَحكَامَ التي فِيها، إِذا جَهِلُوها فِيها هَلاكُهُم في الآخِرة، واللهُ المُوَفِّق والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى اللهُ على سيِّدنا محمد وعلى ءالِهِ وصحبه وسلَّم.
 
(1) هذا العنوان جاء بهامش (أ) خاصة ومثله ما ثبت في أصول مسلم.
(2) في (ج) (فضلّت الغنم) وهو تحريف.
(3) جاء في (أ) ضبط (لم تعرف) بالبناء للنائب.
(4) ما بين القوسين ساقط من (ب).