إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
من هم أهل السنة والجماعة؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد، فإن أهل السّنة والجماعة هم جمهور الأمة المحمدية وهم الصحابة ومن تبعهم في أصول الاعتقاد وهي الأمور الستة المذكورة في حديث جبريل الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)، وأفضل هؤلاء أهل القرون الثلاثة المرادون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) والقرن معناه مائة سنة كما رجح ذلك الحافظ أبو القاسم بن عساكر وغيره، وهم المرادون أيضًا بحديث الترمذي وغيره (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وفيه قوله (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة) صححه الحاكم وقال الترمذي حسن صحيح، وهم المرادون أيضًا بالجماعة الواردة فيما رواه أبو داود أن رسول الله قال (وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة) والجماعة هم السواد الأعظم ليس معناه صلاة الجماعة، كما يوضح ذلك حديث زيد بن ثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (ثلاث لا يُغَل عليهن قلب المؤمن إخلاص العمل والنصيحة لولي الأمر ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تكون من وراءَهم) قال الحافظ ابن حجر حديث حسن.
وأهل السنة والجماعة هم السواد الاعظم الفرقة الناجية وقد حدث بعد سنة مائتين وستين للهجرة انتشار بدعة المعتزلة والمشبهة وغيرهما فقيض الله إمامين جليلين أبا الحسن الاشعري المتوفى سنة 324 هـ وأبا منصور الماتريدي المتوفى سنة 333 هـ رضي الله عنهما فقاما بايضاح عقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم بإيراد أدلة نقلية وعقلية مع رد شبه المعتزلة والمشبهة وغيرهما فنسب إليهما أهل السنة فصار يقال لاهل السنة أشعريون وماتريديون.
قال الإمام البيهقي إن أبا الحسن الأشعري رحمه الله لم يحدث في دين الله حَدَثا ولم يأت فيه ببدعة بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها بزيادة وشرح وتبيين، وذكر العز بن عبد السلام أن عقيدة الأشعري أجمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيري وأقره على ذلك التقي السبكي.
ويقول تاج الدين السبكي وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة يدينون لله تعالى بطريق شيخ السنّة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، ثم يقول وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة.
قال الحافظ مرتضى الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين الفصل الثاني إذا اطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية.
وقال الفقيه الحنفي ابن عابدين في حاشيته أهل السنة والجماعة وهم الأشاعرة والماتريدية.
وهذا هو دين الله الذي كان عليه السلف الصالح وتلقاه عنهم الخلف الصالح، وطريقة الأشعري والماتريدي في أصول العقائد متحدة، فالمذهب الحق الذي كان عليه السلف الصالح هو ما عليه الأشعرية والماتريدية وهم مئات الملايين من المسلمين فكيف يكون هؤلاء السواد الأعظم على ضلال، وتكون شرذمة هي نحو ثلاثة ملايين على الحق، والصواب أن الرسول عليه السلام أخبر بأن جمهور أمته لا يضلون وذلك من خصائص هذه الأمة، ويدل على ذلك ما رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة) وعند ابن ماجة زيادة (فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم) ويقوي هذا الحديث الحديث الموقوف على أبي مسعود البدري (وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة) قال الحافظ ابن حجر وإسناده حسن، والحديث الموقوف على عبد الله بن مسعود وهو أيضًا ثابت عنه (ما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رءاه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح)، قال الحافظ ابن حجر هذا موقوف حسن.
فالعقيدة الحقة التي كان عليها السلف الصالح هو ما عليه الأشعرية والماتريدية وهم مئات الملايين من المسلمين السواد الأعظم الحنفية والمالكية والشافعية وفضلاء الحنابلة وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن جمهور أمته لا يضلون فيا فوز من تمسك بهم، فيجب الاعتناء بمعرفة عقيدة الفرقة الناجية الذين هم السواد الاعظم وذلك لأن علم العقيدة هو أفضل العلوم لأنه يبيّن أصل الدين، فقد سُئل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن افضل الأعمال فقال (إيمانٌ بالله ورسوله) رواه البخاري، ولا عبرة بقدح المشبهة في هذا العلم بقولهم إنه علم الكلام المذموم لدى السلف، ولم يدروا أن علم الكلام المذموم هو ما ألفه واشتغل به المعتزلة والمشبهة وأمثالهما من أهل البدع أما علم الكلام الممدوح الذي اشتغل به أهل السنة فأصله كان موجـودا بين الصحابـة والكـلام فيه بالـرّد على اهـل البدع بدأ في عصر الصحابـة، فقد ردّ سيدنـا علي رضي الله عنه على الخوارج بالحجة وقطع دَهريّاً (الدهرية فرقة تُنكر أنّ للعالم خالقا) وأقام الحجة على أربعين رجلا من اليهود المجسّمة بكلام نفيس وردّ على المعتزلة وكذلك قطع ابن عباس الخوارج بالحجّة وردّ ابن عباس أيضا والحسن بن علي وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم على المعتزلة ومن التابعين رد على المعتزلة الإمام الحسن البصري والإمام الحسن بن محمد بن الحنفية حفيد سيدنا علي والامام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم وغيرهم كثير من علماء السلف، وكان الإمام أبو حنيفة يتقن هذا العلم وكذلك الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد رضي الله عنهم كما ذكر الامام الزركشي المتوفى سنة 794 هـ في تشنيف المسامع والحافظ أبو القاسم ابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ في تبيين كذب المفتري والامام أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429 هـ في أصول الدين والعلامة البياضي المتوفى سنة 1098هـ في إشارات المرام وغيرهم.
وقد ألّف الكثير من العلماء كتبًا خاصة في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ككتاب العقيدة الطحاوية للامام السلفي أبي جعفر الطحاوي المتوفى سنة 321 هـ والعقيدة النسفية للإمام عمر النسفي المتوفى سنة 537 هـ والعقيدة المرشدة لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحسني المعروف بابن تومرت المتوفى سنة 524 هـ والتي كان يعلمها فخر الدين ابن عساكر المتوفى سنة 620 هـ والعقيدة الصلاحية وهي التي ألفها الامام محمد بن هبة الله المكي المتوفى سنة 599هـ وأسماها حدائق الفصول وجواهر الأصول وأهداها للسلطان صلاح الدين الايوبي المتوفى سنة 589 هـ فأقبل عليها وأمر بتعليمها حتى للصبيان في المدارس حتى صارت تسمى فيما بعد بالعقيدة الصلاحية وكان للسلطان صلاح الدين العالم الشافعـي اعتناء خاص بنشر العقيدة السنيّة فقد أمر المؤذنين في وقـت التسبيح أن يعلنوا بذكرهـا كل ليلـة في مصر وكل بلاد الشـام ومكـة والمدينة كما قال الحافظ السيوطـي المتوفى سنة 911 هـ في الوسائل الى مسامرة الأوائل وغيره، كما انه توجد كتب أخرى كثيرة ألّفت في العقيدة السنية ولا تزال تؤلف وتكتب.
وعلى هذا الاعتقاد مئات الملايين من المسلمين سلفًا وخلفًا في الشرق والغرب تدريسًا وتعليمًا ويشهد بذلك الواقع المُشاهَد، ويكفي لبيان حقّية هذا كون الصحابة والتابعين وأتباع التابعين وهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان على هذه العقيدة، فممن تبعهم بإحسان هؤلاء الحفّاظ الذين هم رؤوس أهل الحديث الحافظ أبو بكر الإسماعيلي صاحب المستخرج على البخاري، ثمّ الحافظ العَلَمُ المشهور أبو بكر البيهقى والحافظ ابن بطال وشيخ الإسلام الإمام المازري والقاضي عياض والحافظ أبو الوليد الباجي والإمام الحافظ المتبحر أبو بكر بن العربي الإشبيلي ثمّ الحافظ الذي وُصف بأنّه أفضل المحدّثين بالشام في زمانه ابن عساكر والحافظ الفقيه عبد الحق الإشبيلي المالكي ويعرف بابن الخراط والحافظ الفقيه أبو العباس أحمد بن عمر الأندلسي ثم القرطبي المالكي كان كل واحد من هؤلاء علَماً في الحديث في زمانه، ثمّ جاء من هو على هذا المنوال الحافظ الموصوف بأنّه أمير المؤمنين في الحديث أحمد ابن حجر العسقلاني.
فمن حقّق عرف أن الأشاعرة فرسان ميادين العلم والحديث ومنهم الإمام أبو الطيب سهلُ بن محمّد و أبو الحسن الباهلي وأبو بكر بن فورك وأبو بكر الباقلاّني وأبو إسحق الأسفراييني والقاضي ابن رشد الجد زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب والفقيه الحافظ أحد أئمة المسلمين من أهل الأندلس أبو الحسن علي بن بطال والفقيه المتكلم الأصولي أحد أئمة المسلمين من أهل الأندلس القاضي أبو الوليد الباجي وعُبَيْدُ اللَّهِ بْن الْجَلَّاب شَيْخُ المَالِكِيَّةِ فِيِ العِرَاقِ وشَيْخُ المَالِكِيَّةِ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ القَصَّارِ البَغْدَادِيُّ وأَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيّ شَيْخُ المَالِكِيَّةِ فِيِ العِرَاقِ والإمام العلامة الفقيه الأصولي عالم أهل المغرب أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي والفقيه الأصولي المتكلم أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بابن القابسي والحافظ أبو نعيم الأصبهاني والقاضي عبد الوهّاب المالكي والشيخُ أبو محمّد الجويني وابنه أبو المعالي إمام الحرمين وأبو منصور البغدادي والحافظ الدّارقطني والحافظ الخطيب البغدادي والأستاذ أبو القاسم القشيري وابنه أبو نصر والشيخ أبو إسحق الشيرازي ونصر المقدسي والغزالي والفراوي وأبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي وقاضي القضاة الدامغاني الحنفي والإمام السيّد أحمد الرفاعي وابن السمعاني والقاضي عياض والحافظ السّـِلَفي والنووي وفخر الدين الرازي والعزّ بن عبد السلام وأبو عمرو بن الحاجب المالكي وابن دقيق العيد وعلاء الدين الباجي وقاضي القضاة تقيّ الدين السبكي والحافظ العلائي والحافظ زين الدين العراقي وابنه الحافظ ولىّ الدين والحافظ مُرتضى الزبيدي الحنفي والشيخ زكريّا الأنصاري والشيخ بهاء الدين الروّاس الصوفي ومفتي مكّة أحمد زيني دحلان ومُسنِد الهند وليّ الله الدهلوي ومفتي مصر الشيخ محمّد عليش المالكي المشهور وشيخ الجامع الأزهر عبدالله الشرقاوي والشيخ المشهور أبو الحسن القاوُقجي نُقطة البيكار في أسانيد المتأخّرين والشيخ حسين الجسر الطرابلسي والشيخ عبد الباسط الفاخوري والعلامة علوي بن طاهر الحضرمي الحداد وشافعي العصر رفاعي الأوان الشيخ الفقيه المحدث عبد الله الهرري والشيخ الصوفي الصادق مصطفى نجا وغيرهم من أئمة الدين كثير لا يُحصيهم إلا الله.