إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

من هم الأشاعرة والماتريدية وما البشائر الواردة في حقهما؟
 
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد، فإن الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية المحمدية وهم الصحابة ومن تبعهم في أصول الاعتقاد، وإنما سموا بالأشاعرة نسبة للإمام الجليل أبي الحسن الأشعري، وسموا بالماتريدي نسبة للإمام أبي منصور الماتريدي رضي الله عنهما، كما سمي أتباع أبي حنيفة بالحنفية وأتباع مالك بالمالكية وأتباع الشافعي بالشافعي وأتباع أحمد بالحنابلة وكلٌّ أهل السنة والجماعة وفي أصول العقائد متحدون.
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة 54، وقد أخرج الحافظ ابن عساكر فى تبيين كذب المفترى والحاكم فى المستدرك لما نزلت (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم قومك يا أبا موسى) وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ورواه الإمام الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم كذلك، وابن سعد في طبقاته والطبراني في معجمه الكبير وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ورجالُه رجالُ الصحيح، وقال القشيرى فأتباع أبى الحسن الأشعرى من قومه لأن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به الأتباع قاله القرطبى فى تفسيره (ج 6 – 220).
 
وقال البيهقى وذلك لما وجد فيه من الفضيلة الجليلة والمرتبة الشريفة للإمام أبى الحسن الأشعرى رضى الله عنه فهو من قوم أبى موسى وأولاده الذين أوتوا العلم ورزقوا الفهم مخصوصاً من بينهم بتقوية السنة وقمع البدعة بإظهار الحجة ورد الشبهة. ذكره ابن عساكر في تبيين كذب المفتري.
وذكر الإمام البخاري في صحيحه باب قدوم الأشعريّين وأهل اليمن وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم هم منّي وأنا منهم.
ولما نزلت هذه الآية قدم بعد ذلك بيسير سفائن الأشعريين وقبائل اليمن فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبًا الايمان يمان والحكمة يمانية).
وأخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن الحصين أن النبي أتاه أناس من بني تميم فقال عليه الصلاة والسلام (اقبلوا البشرى يا بني تميم) قالوا بشرتنا فأعطنا مرتين فتغير وجهه (أي للأسف عليهم كيف ءاثروا الدنيا)، فجاءه أناس من أهل اليمن فقال (يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم) قالوا قد قبلنا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان، قال (كان الله ولم يكن شىء غيره)، أي كان الله في الأزل ولم يكن مكان ولا زمان ولا جهة ولا عرش ولا سماء ولا جسم ولا حركة ولا سكون ولا مخلوق ثم خلق الله الخلق ، وبعد خلقه الخلق لازال كما كان، فهو سبحانه موجود بلا كيف ولا مكان ولا جهة.
ونحن نحمد الله تعالى على هذه العقيدة السنية التى نحن عليها والتى كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، والتى مدحَ الرسول صلى الله عليه وسلم معتنقها، فقال فيما رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني والحاكم بسند صحيح (لَتُفْتَحَنَّ القسطنطينية فلنِعم الأمير أميرها ولنِعم الجيش ذلك الجيش) ولقد فتحت القسطنطينية بعد تسعمائة عام، فتحها السلطان محمّد الفاتح الماتريدي رحمه الله، وكان سنيّاً ينزه الله عن المكان والجهة ويحب الصوفية الصادقين ويتوسل بالنبىّ صلى الله عليه وسلم، والسلطان محمد الفاتح والجيش الذي كان معه كانوا ماتريدية أشعرية وقد شهد لهم الرسول بأنهم على حال حسن وكذا سائر السلاطين العثمانيين الذين ذبّوا عن بيضة المسلمين وحموا حمى الملّة قرونًا متتالية.
 
وعلى هذا الاعتقاد مئات الملايين من المسلمين سلفًا وخلفًا في الشرق والغرب تدريسًا وتعليمًا ويشهد بذلك الواقع المُشاهَد، ويكفي لبيان حقّية هذا كون الصحابة والتابعين وأتباع التابعين وهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان على هذه العقيدة، فممن تبعهم بإحسان هؤلاء الحفّاظ الذين هم رؤوس أهل الحديث الحافظ أبو بكر الإسماعيلي صاحب المستخرج على البخاري، ثمّ الحافظ العَلَمُ المشهور أبو بكر البيهقى والحافظ ابن بطال وشيخ الإسلام الإمام المازري والقاضي عياض والحافظ أبو الوليد الباجي والإمام الحافظ المتبحر أبو بكر بن العربي الإشبيلي ثمّ الحافظ الذي وُصف بأنّه أفضل المحدّثين بالشام في زمانه ابن عساكر والحافظ الفقيه عبد الحق الإشبيلي المالكي ويعرف بابن الخراط والحافظ الفقيه أبو العباس أحمد بن عمر الأندلسي ثم القرطبي المالكي كان كل واحد من هؤلاء علَماً في الحديث في زمانه، ثمّ جاء من هو على هذا المنوال الحافظ الموصوف بأنّه أمير المؤمنين في الحديث أحمد ابن حجر العسقلاني.
 
فمن حقّق عرف أن الأشاعرة فرسان ميادين العلم والحديث ومنهم الإمام أبو الطيب سهلُ بن محمّد و أبو الحسن الباهلي وأبو بكر بن فورك وأبو بكر الباقلاّني وأبو إسحق الأسفراييني والقاضي ابن رشد الجد زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب والفقيه الحافظ أحد أئمة المسلمين من أهل الأندلس أبو الحسن علي بن بطال والفقيه المتكلم الأصولي أحد أئمة المسلمين من أهل الأندلس القاضي أبو الوليد الباجي وعُبَيْدُ اللَّهِ بْن الْجَلَّاب شَيْخُ المَالِكِيَّةِ فِيِ العِرَاقِ وشَيْخُ المَالِكِيَّةِ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ القَصَّارِ البَغْدَادِيُّ وأَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيّ شَيْخُ المَالِكِيَّةِ فِيِ العِرَاقِ والإمام العلامة الفقيه الأصولي عالم أهل المغرب أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي والفقيه الأصولي المتكلم أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بابن القابسي والحافظ أبو نعيم الأصبهاني والقاضي عبد الوهّاب المالكي والشيخُ أبو محمّد الجويني وابنه أبو المعالي إمام الحرمين وأبو منصور البغدادي والحافظ الدّارقطني والحافظ الخطيب البغدادي والأستاذ أبو القاسم القشيري وابنه أبو نصر والشيخ أبو إسحق الشيرازي ونصر المقدسي والغزالي والفراوي وأبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي وقاضي القضاة الدامغاني الحنفي والإمام السيّد أحمد الرفاعي وابن السمعاني والقاضي عياض والحافظ السّـِلَفي والنووي وفخر الدين الرازي والعزّ بن عبد السلام وأبو عمرو بن الحاجب المالكي وابن دقيق العيد وعلاء الدين الباجي وقاضي القضاة تقيّ الدين السبكي والحافظ العلائي والحافظ زين الدين العراقي وابنه الحافظ ولىّ الدين والحافظ مُرتضى الزبيدي الحنفي والشيخ زكريّا الأنصاري والشيخ بهاء الدين الروّاس الصوفي ومفتي مكّة أحمد زيني دحلان ومُسنِد الهند وليّ الله الدهلوي ومفتي مصر الشيخ محمّد عليش المالكي المشهور وشيخ الجامع الأزهر عبدالله الشرقاوي والشيخ المشهور أبو الحسن القاوُقجي نُقطة البيكار في أسانيد المتأخّرين والشيخ حسين الجسر الطرابلسي والشيخ عبد الباسط الفاخوري والعلامة علوي بن طاهر الحضرمي الحداد وشافعي العصر رفاعي الأوان الشيخ الفقيه المحدث عبد الله الهرري والشيخ الصوفي الصادق مصطفى نجا وغيرهم من أئمة الدين كثير لا يُحصيهم إلا الله، ومنهم الوزير المشهور نظام الملك والسلطان العادل العالم المجاهد صلاحُ الدين الأيوبي رحمه الله فإنّه أمر أن تذاع أصول العقيدة على حسب عبارات الأشعري على المنائر قبل أذان الفجر، وأن تُعلّم المنظومة التي ألّفها لهُ محمد بن هبة البرمكي للأطفال في الكتاتيب، ومما جاء فيها:
 
وصانع العالم لا يحويه قطر*** تعالى الله عن تشبيه
قد كان موجودا ولا مكانا *** وحكمه الآن على ما كانا
سبحـانه جلَّ عن المكان *** وعزَّ عن تغيـر الزمـان
فقد غـلا وزاد في الغلو*** من خصـه بجـهة العلو
 
وهذه العقيدة تدرس في جامعة الأزهر في مصر وفي جامعة الزيتونة في تونس بل وسائر المغرب العربي، وكذا في أندنوسيا وماليزيا وباكستان وتركيا وبلاد الشام والسودان واليمن والعراق والهند وإفريقيا وبخارى والداغستان وأفغانستان وسائر بلاد المسلمين، ومنهم الملك الكامل الأيّوبي والسلطان الأشرف خليل بن المنصور سيف الدين قلاوون، بل وكل سلاطين المماليك وأمير المسلمين وملك الملثمين يوسف بن تاشفين الأشعري المالكي والسلطان المغربي الذي شق قبره بحياته وسط الصخور وليس مُرادنا بما ذكرنا إحصاء الأشاعرة والماتريدية فمن يُحصي نجوم السماء أو يحيط علمًا بعدد رمال الصحراء؟ فالأشعرية والماتريدية هم أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية.
 
ومن مسائل الفقيه الإمام الحافظ أبي الوليد ابن رشد رشد القرطبي (المتوفى 520 هـ) هل أئمة الأشعرية مالكيون؟
وكتب إليه رضي الله عنه الأمير أبو إسحق ابن أمير المسلمين رحمه الله من مدينة أشيبلية حرسها الله سائلا عن أئمته الأشعريين هل هم مالكيون أم لا؟ وهل ابن أبي زيد ونظراؤه من فقهاء المغرب أشعريون أم لا؟ وهل أبو بكر ابن الباقلاني مالكي أم لا؟
 
فأجابه على ذلك بما هذا نصه:
لا تختلف مذاهب أهل السنة في أصول الديانات وما يجب أن يعتقد من الصفات ويتأول عليه ما جاء في القرآن والسنن والآثار من المشكلات، فلا يخرج أئمة الأشعريين بتكلمهم في الأصول واختصاصهم بالمعرفة بها عن مذاهب الفقهاء في الأحكام الشرعيات التي تجب معرفتها فيما تعبد الله به عباده من العبادات وإن اختلفوا في كثير منها، فتباينت في ذلك مذاهبهم لأنها كلها على اختلافها مبنية على أصول الديانات التي يختص بمعرفتها أئمة الأشعرية ومن عنى بها بَعْدَهم، فلا يعتقد في ابن أبي زيد وغيره من نظرائه أنه جاهل بها، وكفى من الدليل على معرفته بها ما ذكره في صدر رسالته مما يجب اعتقاده في الدين، وأما أبو بكر ابن الباقلاني فهو عارف بأصول الديانات وأصول الفقه على مذهب مالك رحمه الله وسائر المذاهب ولا أقفُ هل ترجح عنده مذهب مالك عن سائر المذاهب أم لا لأن المالكي إنما هو من ترجح عنده مذهب مالك على سائر المذاهب لمعرفته بأصول الترجيح أو اعتقد أنه أصح المذاهب من غير علم فمال إليه والعالم على الحقيقة هو العالم بالأصول والفروع لا من عني بحفظ الفروع ولم يتحقق بِمَعْرِفَةِ الأصول، وبالله التوفيق لا شريك له.