إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
السلف الصالحُ هُم عُلماءُ الإسلامِ الذين كانوا في القرون الثلاثة الأولى الذين قصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وكذلك يفهم مدح هؤلاء العلماء الذين كانوا في القرون الأولى الفاضلة من قوله تعالى (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) سورة التوبة.
والفرقة الناجية هم الذين يتبعون ما كان عليه الرسول والصحابة والتابعون وهؤلاء الذين قصدهم الرسول في حديثه الذي رواه عنه أبو داود وغيره (افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحده وهي التي ما أنا عليه وأصحابي) وفي روايةٍ وهي الجماعة وفي رواية ابن حبان (وهي السواد الأعظم)، والسواد الأعظم هم الجمهور الغالب وهم أهل السنة والجماعة ومعنى أهل السنة الذين هم يتبعون شريعة الرسول أي ما جاء به من العقيدة والأحكام ومعنى الجماعة الجمهور الغالب فخرج بذلك الشذاذ كالمشبهة المجسمة الذين يكفرون المسلمين بلا حق يكفرون المسلم إذا زار قبر نبي أو وليّ متبركا ودعا الله عنده مع اعتقاده أن النافع والضار على الحقيقة هو الله، وهؤلاء المجسمة المشبهة الشاذون بالنسبة لجماعة المسلمين كلا شئ فإن أهل السنة والجماعة اليوم تجاوز تعدادهم المليار والنصف وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم (عليكم بالسواد الأعظم من شذ شذ إلى النار) وقد ذكر الإمام السلفي أحمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي المتوفى سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين في عقيدته التي قال في مطلعها هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة قال في هذه العقيدة التي اشتهرت بين المسلمين عن الله (تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء و الأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات) معناه أن الله منزه عن الحد والمحدود عند العلماء ما له حجم كبيرا كان أوصغيرا فالذرة محدودة والعرش محدود وكل ما كان في جهة أو مكان فهو محدود والمحدود مخلوق.
فالله ليس محدودا لأنه خالقٌ وليس بمخلوق فهو موجود بلا مكان ولا جهة لأنه ليس حجما بالمرة والدليل على أن هذا العالم الأجرام التي فيه لها مقدار من الحجم قول الله تعالى في سورة الرعد (وكل شئ عنده بمقدار).
وقول الطحاوي عن الله (تعالى عن الحدود والغايات) معناه أن الله ليس له نهاية فإن الغايات معناها النهايات وكل شئ له نهاية يكون محدودا له مقدار من الحجم مخصوص ويأخذ حيزا من الفراغ، وأما الأركان فمعناها الجوانب وهذا أيضا من صفات الأحجام والله منزه عن ذلك، وأما الأعضاء فمعناها الأجزاء الكبيرة كالرأس واليد الجارحة والرجل الجارحة.
وأما الأدوات فمعناها الأجزاء الصغيرة كاللسان والأضراس واللهاة، أما قوله (لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات) فمعناه أن الله موجود بلا جهة ولا مكان هذه عقيدة أهل السنة والجماعة المأخوذة من القرءان والحديث والإجماع.
وفي الجامع لمسائل المدونة للإمام الكبير أبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي المالكي وهو من أصحاب الوجوه (المتوفى 451 هـ) كتاب المحاربين والمرتدين، الباب الخامس، جامع القول في أهل الأهواء ومجانبتهم وترك جدالهم والقول في القدر والاستواء على العرش والأسماء والصفات (قال سحنون أخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان عند مالك جالساً فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم قال مسألة، فسكت عنه، ثم أعاد عليه، فرفع فيه رأسه كالمجيب له، فقال له السائل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف كان استواؤه؟ قال فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه فقال سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرئ سوء، أخرجوه).
وفي الباب السابع، باب في التوحيد والأسماء والصفات وسائر الاعتقادات، فصل في الاستواء (قال القاضي رضي الله عنه وأنه سبحانه مستو على عرشه كما قال عز وجل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة).
أما المشبهة المجسمة فإنهم لا يرضون بهذا وقد ذكر القرطبي في تفسيره أن معنى تربو في كف الرحمن عبارة عن كفة الميزان التي توزن فيها الأعمال فيكون من باب حذف المضاف كأنه قال (فتربو كفة ميزان الرحمن).
وروي عن مالك والثوري و ابن المبارك أنهم قالوا في تأويل هذه الأحاديث وما شابهها أمروها بلا كيف قاله الترمذي وغيره وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، ومعنى بلا كيف نفي كل ما كان من صفات الخلق كالجلوس والاستقرار والجارحة والعضو والحركة والسكون والنزول الحقيقي والصعود الحقيقي لأن هذا من صفات الخلق والخالق منزه عن صفات الخلق.
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته (ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر) ومعاني البشر صفاتهم وهي كثيرة منها الجلوس والاستقرار.
وماجاء عن الأوزاعي وسفيان والثوري في الأحاديث التي هي من المتشابه من قولهم أمروها كما جاءت بلا كيف معناه نفي لكل ما كان من صفات الخلق.