إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال الله تباركَ وتعالى (وللهِ الأسماءُ الحُسنى فادْعُوهُ بها وذَرُوا الذينَ يُلحِدُونَ في أسمائِه) [سورة الأعراف 180].
 
قالَ الإمامُ أبو منصورٍ البَغدادِيّ (لا مجَالَ للقِياسِ في أسماءِ اللهِ وإنّمَا يُراعَى فيها الشّرعُ والتّوقيفُ) ذكَر ذلكَ في كتابِه تفسيرُ الأسماءِ والصِّفات، أي ما وردَ بهِ النّصُّ القُرءانيُّ أو الحَدِيثيُّ الثّابت نُسمّيه بهِ، وما أجمَعتِ الأمّةُ على جوازِ تَسميةِ اللهِ به كإطلاقِ القَديمِ على اللهِ بمعنى الأزليّ يجوزُ إطلاقُه علَيه وما لا فَلا.
 
فالحذر الحذر ما في كتابِ كُبْرى اليقينيَّاتِ الكَوْنِيَّة من تسميةِ اللهِ بالعِلّةِ الكُبرى والسّببِ الأوّل والواسِطةِ والمصدَرِ والمنبَع، وذلكَ نوعٌ مِنَ الإلحاد، قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (وَمِنَ الإِلْحَادِ تَسْمِيَّةُ اللَّهِ بِالْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْعَقْلِ وَالْعِلَّةِ). اهـ
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ رُكْنُ الإِسْلامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الْحَنَفِيَّةِ [الْمُسَامَرَة شَرْح الْمُسَايَرَة] (مَنْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عِلَّةً أَوْ سَبَبًا فَقَدْ كَفَرَ). اهـ
 
ويَكفي في الزّجر عن ذلك قولُ اللهِ تعالى (وللهِ الأسماءُ الحسنى فادْعُوهُ بِهَا وذَرُوا الذينَ يُلحدونَ في أسمائه) فمذهَبُ أهلِ السُّنّةِ أنَّ السّبَبَ والـمُسَبَّبَ خلْقُ اللهِ تعالى، وتسمِيةُ اللهِ بالعلّةِ أشدُّ قُبحًا مِن تَسميتِه بالسّبَبِ لأنَّ العِلّةَ في اللُّغةِ المرض ونحوُه واللهُ أزليّ أبدِيّ ذاتًا وصفاتٍ، فما أبعَدَ هذا الكلام مِن كلام مَن مَارَس كتُبَ عقائِد أهلِ السُّنَّةِ، فحَالُه كحالِ مَن لم يُعَرِّج عليها بالمرّة.
 
الْفَلاسِفَةُ قَالُوا إِنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى مَوْجُودٌ غَيْرَ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ وَسَبَبٌ لَهَا وهذا كفرٌ شَنيعٌ (وَالسَّبَبُ شَىْءٌ حَادِثٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى حَادِثٍ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُسَبَّبُهُ، الْجُوعُ حَادِثٌ وَالأَكْلُ حَادِثٌ، الأَكْلُ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْجُوعِ فَلا يُقَالُ سَبَبٌ إِلَّا لِلْمَخْلُوقِ، أَمَّا اللَّهُ فَلا يُسَمَّى سَبَبًا).