إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
نُوحٌ أَوَّل نَبِيّ أُرْسِلَ إِلَى الْكُفَّارِ يَدْعُو إِلَى عِبَادِةِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ
الْبَشَر فِي زَمَنِ ءَادَمَ كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى الإِسْلامِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ كَافِرٌ، هُوَ عَلَّمَ أَوْلادَهُ الدِّينَ كَمَا عَلَّمَهُمْ أُصُولَ الْمَعِيشَةِ وَعَمِلَ لَهُمُ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الْمَعِيشَةِ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَادَمَ وَسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَسَلَّمَ.
وَإِنَّمَا حَدَثَ الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ النَّبِيِّ إِدْرِيسَ، حَدَثَ الْكُفْرُ بَعْدَ ءَادَمَ بِأَلْفِ سَنَةٍ وَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاةِ إِدْرِيسَ، فَأَوَّلُ الأَنْبِيَاءِ ءَادَمُ ثُمَّ ابْنُهُ شِيثٌ ثُمَّ إِدْرِيسُ.
فَكَانَ نُوحٌ أَوَّلَ نَبِيٍّ أُرْسِلَ إِلَى الْكُفَّارِ يَدْعُو إِلَى عِبَادِةِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ، بَعْدَ وَفَاةِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَصَلَ الشِّرْكُ بَيْنَ النَّاسِ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى هَذَا زَمَانًا إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ نُوحًا يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَبَيْنَ إِدْرِيسَ وَنُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ أَلْفُ سَنَةٍ وَتِلْكَ الْفَتْرَةُ تُسَمَّى الْجَاهِلِيَّةَ الأُولَى، فَبِهَذَا يَكُونُ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ هُوَ أَوَّلَ نَبِيٍّ أُرْسِلَ إِلَى الْكُفَّارِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ.
فَآدَمُ مِنْ جُمْلَةِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مَنْ أَنْكَرَ نُبُوَّتَهُمْ يَكْفُرُ، فَكَمَا أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ يَكْفُرُ كَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ ءَادَمَ، كَمَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ الإِجْمَاعَ عَلَى نُبُوَّةِ ءَادَمَ، بَلْ هُوَ نَبِيٌّ رَسُولٌ كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَأَقَرَّهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، وَلا مَعْنَى لإِنْكَارِ الْوَهَّابِيَّةِ رِسَالَةَ ءَادَمَ وَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ يُنْكِرُ نُبُوَّتَهُ وَلا حُجَّةَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ ءَادَمَ لِيَشْفَعَ لَهُمْ ثُمَّ نُوحًا فَيَقُولُونَ لِنُوحٍ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى قَوْمِهِ الْمُنْتَشِرِينَ فِي الأَرْضِ [فِي الْجُزْءِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي (ص 365) وَمِنَ الأَجْوِبَةِ أَنَّ رِسَالَةَ ءَادَمَ كَانَتْ إِلَى بَنِيهِ وَهُمْ مُوَحِّدُونَ لِيُعَلِّمَهُمْ شَرِيعَتَهُ وَنُوحٌ كَانَتْ رِسَالَتُهُ إِلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ. اهـ] لِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ بَعْدَهُ كَانَ النَّبِيُّ يُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم﴾ [سُورَةَ الصَّف 6]، فَقَدْ خَالَفَتِ الْوَهَّابِيَّةُ فِي قَوْلِهَا هَذَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْ كُلُّهُمْ عَلَى الإِسْلامِ، فَمَاذَا تَقُولُ الْوَهَّابِيَّةُ عَنْ ءَادَمَ وَأَوْلادِهِ أَتَقُولُ إِنَّهُمْ كَانُوا يَعِيشُونَ عِيشَةَ الْبَهَائِمِ لا يَعْرَفُونَ مَا يَأْتُونَ وَمَا يَذَرُونَ! وَكَفَاهُمْ هَذَا خِزْيًا.