إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

سؤال: كثر السؤال عن حلي المرأة من ذهب أو فضة هل تجب فيه الزكاة إن كان للاستعمال او الادخار؟ وماذا عن بقية المجوهرات؟
 
الجواب:
 
فقد اختلف العلماء في وجوب زكاة الحلي المباح المعدّ للاستعمال، ولم يكن المراد منه الادخار أو التجارة وذلك على قولين:
الأول: لا تجب الزكاة فيه، وهو مروي عن خمسة من الصحابة ابن عمر، وجابر، وأنس، وعائشة، وأسماء رضي الله عنهم، وإليه ذهب مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل (في ظاهر المذهب) والشافعي في أحد قوليه، وهو القول الأظهر، وبه قال القاسم، والشعبي، وقتادة، ومحمد بن علي، وعمرة، وأبو عبيد، وإسحاق، وأبو ثور.
 
روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ تحت باب ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر عن عائشة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه لا زكاة في الحلي.
 
وفي كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي:
مسألة: قال (وليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره) هذا ظاهر المذهب، ثم قال (وقول الخرقي) إذا كان مما تلبسه أو تعيره يعني أنه إنما تسقط عنه الزكاة إذا كان كذلك أو معدا له فأما المعد للكرى أو النفقة إذا احتيج إليه، ففيه الزكاة، لأنها إنما تسقط عما أعد للاستعمال، لصرفه عن جهة النماء، ففيما عداه يبقى على الأصل، وكذلك ما اتخذ حلية فرارا من الزكاة لا يسقط عنه، ولا فرق بين كون الحلي المباح مملوكا لامرأة تلبسه أو تعيره، أو لرجل يحلي به أهله، أو يعيره أو يعده لذلك، لأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح، أشبه حلي المرأة). اهـ
 
وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع (ولا زكاة في حلي مباح لرجل وامرأة من ذهب وفضة معد استعمال مباح أو إعارة ولو لم يعر أو يلبس) حيث أعد لذلك. انتهى
 
القول الثاني: تجب الزكاة فيه إذا بلغ النصاب، وهو خمسة وثمانون غرامًا وحال عليه الحول، وهو مروي عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وميمون بن مهران، والزهري، والثوري، وبه قال السادة الحنفية، وهو الأحوط لحديث أسماء بنت يزيد أنها قالت (أتيت أنا وخالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا أسورة من ذهب، فقال أتؤديان زكاته؟ فقلنا لا، فقال أتحبان أن يسوركما الله سوارا من نارٍ يوم القيامة؟ قلنا لا، قال فأديا زكاته) رواه الترمذي والبيهقي بإسناد حسن.
 
أما كيفية إخراج الزكاة لمن أرادت فهي أن تعرف زنته، فإن بلغ نصابا ومر عليه الحول، ونصاب الذهب هو ما بلغ 85 غرامًا، ثم تخرج من تلك القيمة ربع العشر 2.5% اثنين ونصف بالمئة، تخرج الزكاة من عين هذا الذهب، ويجوز أن تخرج القيمة بالعملة ولكن يلزمها تقويم مقدار ما وجب عليها إخراجه من الذهب بالسعر الحالي أي بسعر الذهب وقت إخراج الزكاة، من غير نظر إلى ما اشتري به.
 
أما الحلي المعدّ للادخار والكنـز أو المتخذ بنيّة التجارة فالزكاة فيه واجبة.
قال النووي في المجموع (قال أصحابنا لو اتخذ حليا ولم يقصد به استعمالاً محرمًا ولا مكروها ولا مباحًا، بل قصد كنـزه واقتناءه، فالمذهب الصحيح وجوب الزكاة فيه، وبه قطع الجمهور). اهـ
 
وذكر النووي أن ما انكسر من الحلي لا زكاة فيه إذا نوى إصلاحه واستعماله ولو مرت عليه سنون، قال في شرح المهذب (والثالث) ينكسر بحيث يمنع الاستعمال لكن لا يحتاج إلى صوغ ويقبل الاصلاح بالإلحام، فإن قصد جعله تبرا أو دراهم أو كنـزه انعقد الحول عليه من يوم الانكسار وإن قصد إصلاحه فوجهان مشهوران (أصحهما) لا زكاة وإن تمادت عليه أحوال. انتهى
 
وقال ابن قاسم في حاشية الروض (أو أعده (ي الحلي) للنفقة إذا احتاج إليه، أو للقنية أو ادخار، أو لم يقصد به شيئًا، وكذا المكروه، قال الشيخ وغيره، فهو باق على أصله في وجوب الزكاة. اهـ لأن الذهب والفضة تجب فيهما الزكاة، ثم إن الصياغة والإعداد للباس والزينة والانتفاع، غلبت على إسقاط الزكاة). انتهى
 
وقال ابن قدامة في المغني (وإذا كان الحلي للبس، فنوت به المرأة التجارة انعقد عليه حول الزكاة من حين نوت لأن الوجوب هو الأصل، وإنما انصرف عنه لعارض الاستعمال فعاد إلى الأصل بمجرد النية من غير استعمال).
 
كما تجب الزكاة في ما لم يأذن فيه الشرع، كتحلي الرجل بالذهب من خاتم أو غيره، وكتحليه بالفضة إن لم تكن خاتمًا.
وأما المجوهرات من غير الذهب والفضة كاللؤلو والألماس ونحوهما فلا تجب فيها الزكاة إلا أن تكون للتجارة، فما كان للتجارة فإنه يقوم وتخرج زكاته إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول وأما المستعمل والمدخر فلا زكاة فيه.
 
ففي كتاب التنبيه للشيرازي وشرحه للسيوطي على مذهب الشافعي ما نصه (وإن ملك حُليا) بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء، جمع حَلي، بفتح الحاء وسكون اللام، (معدًا لاستعمال مباح) كخاتم وحلية ءالة حرب للرجل من فضة، وسوار، وخلخال، ونحوهما من النقدين للمرأة، (لم تجب فيه الزكاة في أحد القولين) وهو الأظهر بناء على أن الزكاة في النقد للاستغناء عن الانتفاع به وفيه حديث (لا زكاة في الحلي) رواه البيهقي من حديث جابر وضعفه.
والثاني: تجب فيه بناء على أنها في النقد لجوهره، (وإن كان معدا لاستعمال محرم) كحلية ءالة الحرب للمرأة والسوار ونحوه للرجل، والإناء لهما، وكذا إسرافه وإسرافها في السوار ونحوه أو مكروه كالضبة الكبيرة للحاجة والصغيرة للزينة، (أو للقنية) بأن قصد كنـزه دون استعماله، (وجبت فيه الزكاة) بالإجماع، وما عدا النقدين من الجواهر كاللؤلؤ والياقوت، لا زكاة فيه لعدم وروده. اهـ