إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
السؤال: هل يجوز للمصلي أن يقرأ من المصحف؟
الجواب:
يجوز ذلك فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كان يؤمها غلامها ذَكْوان في المصحف في رمضان أخرجه البيهقي وغيره وعلَّقه البخاري.
وفي الموطأ لأبي عبد الله مالك بن أنس، باب مَا جَاءَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ذَكْوَانَ أَبَا عَمْرٍو، (وَكَانَ عَبْدًا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْتَقَتْهُ عَنْ دُبُرٍ مِنْهَا) كَانَ يَقُومُ يَقْرَأُ لَهَا فِي رَمَضَانَ.
وفي المنتقى شرح الموطأ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْهُمَامُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ سُلَيْمَانُ بْنُ خَلَفٍ الْبَاجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ (كَانَ يَقُومُ يَقْرَأُ لَهَا فِي رَمَضَانَ) يَقْتَضِي أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ كَانَ أَمْرًا فَاشِيًّا عِنْدَ الصَّحَابَةِ مَعْمُولًا بِهِ حَتَّى إنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَلْتَزِمْنَهُ وَيَتَّخِذْنَ مَنْ يَقُومُ بِهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ وَفِي هَذَا إجَازَةُ إمَامَةِ الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ حُكْمُ الْعَبْدِ، وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقُومُ فِي أَهْلِهِ حَسْبَمَا فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ وَأَمَّا فِي الْمَسَاجِدِ الْجَامِعَةِ فَلَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَةَ الرَّاتِبَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي ذَلِكَ يُرَاعَى تَمَامُ أَحْوَالِ الْأَئِمَّةِ فَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى الْعُبُودِيَّةَ نَقْصًا مُؤَثِّرًا فِي الْإِمَامَةِ فَأَمَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّهُ يُجوّزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ إمَامًا رَاتِبًا، وَقَدْ روى أَنَّ ذَكْوَانَ هَذَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ نَظَرًا مَنْ لَا يَحْفَظُ.
وفي المدونة قال ابن وهب (قال ابن شهاب كان خيارنا يقرءون في المصاحف في رمضان وذكروا أن غلام عائشة كان يؤمها في المصحف في رمضان وقال مالك والليث مثله). اهـ
وقال النووي المجموع شرح المهذب ، كتاب الصلاة ، باب ما يفسد الصلاة ويكره فيها، الفعل الذي ليس من جنس الصلاة ، فرع لو قرأ القرءان من المصحف في الصلاة (لو قرأ القرءان من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة كما سبق، ولو قلب أوراقه أحيانا في صلاته لم تبطل، ولو نظر في مكتوب غير القرءان وردد ما فيه في نفسه لم تبطل صلاته وإن طال ، لكن يكره، نص عليه الشافعي في الإملاء وأطبق عليه الأصحاب).
ثم قال (وهذا الذي ذكرناه من أن القراءة في المصحف لا تبطل الصلاة مذهبنا ومذهب مالك وأبي يوسف ومحمد وأحمد، وقال أبو حنيفة تبطل، قال أبو بكر الرازي أراد إذا لم يحفظ القرءان وقرأ كثيرا في المصحف فأما إن كان يحفظه أو لا يحفظه وقرأ يسيرا كالآية ونحوها فلا تبطل، واحتج له بأنه يحتاج في ذلك إلى فكر ونظر وذلك عمل كثير وكما لو تلقن من غيره في الصلاة واحتج أصحابنا بأنه أتى بالقراءة، وأما الفكر والنظر فلا تبطل الصلاة بالاتفاق إذا كان في غير المصحف ففيه أولى، وأما التلقين في الصلاة فلا يبطلها عندنا بلا خلاف). اهـ