إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

قال الله تعالى: (وبَشِّرِ الصَّابرين “155” الذين إذآ أصابَتْهُم مُصيبَةٌ قالوآ إنّا لله وإنّآ إليه راجعون”156 أولئك عليْهِمْ صَلَواتٌ مِن ربهم ورحمة وأُولئك هُمُ المهتدون) سورة البقرة [ 155-157]
 
في هذه الآيات تبشير المؤمنين الذين يتصِّفون بهذه الصفة التي ذكرها الله تَعالى، وهي أنهم راضون عن الله تعالى أي لا يتسخطون عليه ولا يتضجرون من قضائه وإن كانت المصائب تُقلِقُهم وتَحزُنُهم وتُؤذيهم في أجسادهم، لكن قلوبهم راضية عن الله تبارك وتعالى (لا يعترضون على الله إن مات لهم ولد أو عزيز لسان حالهم لله ما أعطى ولله ما أخذ ويؤمنون أن كل شيء يحصل بمشيئة الله وقُدرته مثلا إذا إنسان رمى نفسه من مكان عال أو صدمته سيارة كل هذا بقضاء الله وقدره لكن الله ﻻ يرضى عن كل معصية).
 
هؤلاء بشّرهم الله تعالى بأنهم تنالهم صلوات من الله أي رحمات مقرونة بالتعظيم ليس المراد مجرد الرحمة لأن مجرد الرحمة في الدنيا تشمل المؤمن والكافر، إنما الصلوات هنا معناه الرحمات المقرونات بالتعظيم أي الرحمات الخاصّة، لأن الرحمات خاصة وعامة.
 
الرحمات العامة في الدنيا يشترك فيها المؤمن وغير المؤمن والبَرّ والفاجر. من الرحمات الانتفاع بالهواء العليل والصحة والمال الوافر وغير ذلك من أنواع النِعَم الدنيوية،
أما الرحمات الخاصة فلا ينالها إلا المؤمنون الصابرون المسلّمون لله تسليمًا.
 
وأوّل شرط لهذا أي استحقاق نيل الرحمات الخاصة هو الإيمان بالله ورسوله أي الاعتقاد الجازم بوجوده تعالى بلا تشبيه بلا تجسيم بلا جهة بلا مَكَان، وترك الاعتراض عليه على كل ما يقضيه على العباد مما يسرُّهم ومما يسوؤهم.
 
أما الإيمان برسوله فهو التسليم له صلى الله عليه وسلم بأن كل ما جاء به حق سواء كان مما يتعلق بأحكام العباد في هذه الدّنيا أو كان ممّا يحدث فيما بعد الموت في البرزخ (القبر) وفي الآخِرَة،
كل ذلك يجب تصديقه صلى الله عليه وسلم بما جاء به بلا استثناء، هذا هو الإيمان.
 
أما قوله تبارك وتعالى: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّآ إليه راجعون)
فمعناه أنهم مسلّمون غير معترضين على ربهم بل يرجعون إلى الاعتقاد الذي هم ثابتون عليه، مستمرون على الاعتقاد الذي هم ثابتون وهو اعتقاد التسليم لله تبارك وتعالى.
ومعنى الذين قالوا: (إنّا لله) معناه عرفوا واعتقدوا وجزموا بأنهم ملك لله تعالى له أن يفعل بهم ما يشاء وأنهم ( إليه راجعون) أي أن مآلهم إلى الجزاء إلى الله تبارك وتعالى، جزاء المؤمنين على إيمانهم بَدْؤه في مدة البرزح (في القبر) بعد الموت.
قال رسول صلى الله عليه وسلم: “الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر”.
 
هذا القبر الذي تخافه النفوس ليس ما يحدث فيه لكل إنسان على حدّ سواء، بل بعض الناس هذه القبور لهم ألذ عندهم مما كانوا عليه قبل ذلك ولو كانوا يسكنون القصور الفاخرة وكان عندهم نعيم كثير واسع، بل ما يجدونه من راحة بعد موتهم ألذ، يكفي في ذلك أنهم يرون كل يوم مقعدهم في الجنة أول النهار مرة وآخر النهار مرّة، هذا يفوق كل لذات الدّنيا التي كانوا يُصيبونَها لما كانوا على وجه الأرض.
هناك غير ذلك وهو أنه لا يُسلَّطُ عليهم في قبورهم ما يؤذيهم من هوام. وهؤلاء الذين أطاعوا الله ورسوله لا يخافون من وحدة القبر ولا وحشته وهناك غير ذلك كتنوير القبر.
أما في الآخرة فما يكون من النعيم أعظم وأعظم.
 
ثم الله تبارك وتعالى ذكر المصيبة بلفظ النكرة في هذه الآية ليُفهمنا أن كل مصيبة تصيب المسلم ولو كانت خفيفة فإنها تفيده برفع الدرجات وتكفير السيئات.
في كل مصيبة ترفع له بهذه المصيبة درجة وتكفّر عنه بها خطيئة أي تمحى عنه بعض ذنوبه.
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكثر الناس بلاء الأنبياء ثم اﻷمثل فاﻷمثل”.
 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يُرِد الله به خيرا يُصب منه”.
 
المؤمن اذا ابتلي فصبر فهذا خير عظيم لا يعترض على الله ( لا يقول : ليش يا رب عملت كذا من باب الاعتراض على الله ، فهذا مخرج من الاسلام).
 
إبليس كان من الجن المؤمنين لكن كفر عندما اعترض على الله ولم يسجد سجود تحية لسيّدنا ءادم، قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [ سورة البقرة] الآية 34.