إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الحمد لله الذي جعل الزكاة مطهرة للنفوس وتزكية لها وأمر عباده بإيتائها رحمة بهم وأثنى على مؤتيها ووعده بالثواب العظيم وتوعد مانعها العذاب الشديد حيث يحمى على ما كنزوا من ذهب وفضة ولم يخرجوا زكاته في نار جهنم فتكوى به جباههم وجنوبهم وظهورهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فليس ذاتٌ كذاته ولا صفاتٌ كصفاته ولا أفعالٌ كفعله سبحانه ليس كمثله شيء وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد صلاةً تقضي بها حاجاتنا، وتُفرّج بِها كرباتنا، وتكفينا بِها شرَّ ما أهمنا وسلمْ عليه وعلى ءالهِ سلاماً كثيراً.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليّ القدير القائل في محكم كتابه (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَاكُنتُمْ تَكْنِزُونَ*).
إخوة الإيمان، إنّ الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها، ومما فرض الله تعالى الزكاة وكان وجوبها في السنة الثانية من الهجرة.
فالزكاة إخوة الإيمان من أعظم أمور الإسلام كما روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان).
أخي المسلم هل أنت ممن تجب عليهم الزكاة؟
إن كنت كذلك فهل تعلمت فيم تجب الزكاة وكم الواجب إخراجه في زكاة مالك ولمن يجب إعطاء الزكاة ومتى؟
إخوة الإيمان، المكلف الذي يملك شيئاً مما تجب فيه الزكاة يجب عليه أن يتعلم التفاصيل المتعلقة بها ليؤدّيَ حقها على الوجه الشرعي الصحيح.
فيمَ تجب الزكاة إخوة الإيمان؟
الزكاة تجب في الإبل والبقر والغنم، فإن كنت تملك إبلاً أو بقراً أو غنماً وجب عليك أن تسأل أهل العلم إن كانت الزكاة واجبة عليك فيما تملك وكم تخرج عنها زكاةً.
تجب الزكاة في التمر والزبيب والزروع التي يتخذها الناس قوتاً في أيام الرخاء لا المجاعة كالقمح والشعير والحمص والفول والذرة، فإن كنت صاحب بستان فيه نخل أو شجر عنب وجب عليك أن تسأل أهل العلم إن كانت الزكاة واجبة عليك في ثمر بستانك وكم تخرج منها زكاةً، وإن كنت صاحب مزرعة تُزرع فيها الزروع المقتاتة كالقمح والشعير والفول والحمص والعدس ونحوها وجب عليك أن تسأل أهل العلم إن كانت الزكاة واجبة عليك في زرعك وكم تخرج منها زكاةً.
وتجب الزكاة في الذهب والفضة سواءٌ حصَّلهما الشخص بشراء أو هبة أو استخراجِهما من المكان الذي خلقهما الله فيه بعد التنقية من التراب أو وجدهما مدفونين من أيام الجاهلية في أرضٍ مشاع، فإن كنت مالكاً لشيءٍ من ذلك وجب عليك سؤال أهل العلم إن كانت الزكاة واجبة عليك في القدر الذي ملكته من ذهب أو فضة وكم تخرج منه زكاة.
وتجب الزكاة أيضا في أموال التجارة التي تُقَلَّبُ بغرض الربح كالثياب والدجاج والحديد وغيرها لمن يتجر بها، فإن كنت تاجراً وجب عليك أن تسأل أهل العلم إن كانت الزكاة واجبة عليك في مال تجارتك وكم تخرج منه زكاةً، فهذا باختصار ما تجب به الزكاة.
ولا ننسى زكاة الفطر فإنها تجب على من أدرك ءاخر جزء من رمضان وأول جزء من شوال وذلك بإدراك غروب شمس ءاخر يوم من رمضان فتجب على كل مسلم وعلى من عليه نفقتهم إذا كانوا مسلمين.
إخوة الإيمان كثير من الناس لا يخرجون الزكاة أو يخرجون دون القدر الواجب أو يحرجونها لمن لا يستحقها، فالمكلف الذي يملك شيئاً مما تجب فيه الزكاة يجب عليه أن يتعلم التفاصيل المتعلقة بها، فمن فاته شيء من تعلم أمور الزكاة الواجبة عليه أو قصَّر في إيتاء الزكاة الواجبة عليه فليتدارك نفسه قبل الفوات فإنّ منع الزكاة من الكبائر وكذا تأخير دفعها عن وقتها من غير عذر كما قال صلى الله عليه وسلم (لعنَ اللهُ ءاكلَ الربا وموكله ومانع الزكاة) رواه ابن حبان.
إخوة الإيمان، من ءاتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثّل له مالُهُ يوم القيامة ثعبانا ضخما يُطوّقُهُ يقال له الشجاع الأقْرَعُ يقول له أنا مالُكَ أنا كنْزُكَ.
إخوة الإيمان، في يوم القيامة سيجعل الله ما بخل به مانعوا الزكاة طوقاً في أعناقهم قال الله تبارك وتعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فحذار يا أخي المسلم أن تكون من هؤلاء وكن من الذين قال الله فيهم (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).
فاتقوا الله عباد الله وأدوا ما فرض الله عليكم قبل الفوات قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال أو بنون إلا من أتى الله بقلب سليم (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ*).
والله أسأل أن يوفقنا لما يحب ويرضى إنه على كل شيء قدير وبعباده لطيف خبير.
هذا واستغفر الله لي ولكم.